المفتاح بيدِك

قد يحترِف المجتمعُ إرهاقنا وسحقنا بمطارق من حديد إنْ نحن قلّدناه زمام
أمورنا وطأطأنا رؤوسنا لما يطفو على سطحه من مفاهيم مزدوجة وتقاليد

عقيمة حقّ لنا غمرها بالتراب واستئصالها من الجذور.

فكم تغنّينا بالطبيعة وذلّلناها سُخرةً لنا مبتهجين بنعمها، مردّدين أننا أبناء

الأرض التي من ترابها أبدع الرحمن خلقنا وصوّر، لمَ إذاً نتجاهل رسائل الطبيعة

لنا بكل ما تجسده من حرية وإبداع ….

مدروسَين؟ لم يُؤطّر البعض ذاته في قضبان تخنُقه ويُهين إنسانيته ببرقعة عقله

وإلحاده عن إدراك التقادير الربّانية؟

في الحديث عتابٌ لمنظومة المجتمع، وإنّما لكلّ امرأة وفتاة لجمت فِكْرها وانزوت

في كهفٍ ملؤه هواجس انتقصت من قيمتها وزعزعت إيمانها بقَدَرها ونفسها

والحياة، لكل من اختارت أن تُحقّر كلّيتها فصارت تقيسها بأرقامٍ أسميناها أعمار،

وآمنت بتخاريف الجهل عن “انتهاء صلاحيتها” لتجاعيد ظهرت على وجهها أو

لأنها امرأة عاقر أو عن “قطار الزواج” الذي أدركها مُطبقةً أجفانها عن من

بيده القضاء والقدر وأن ما أصابها أو أدركها حقٌّ عليها ما كان ليُخطئها. تؤلمني

هالة الحزن والضعف التي تحيط بالكثيرات ممن أعَرن اهتمامًا لأراجيف صمّاء

بكماء، والأشدّ إيلامًا هو ميلُ بعضهن للتخلّي عن أحلام ومبادئ عاشت معهن

العمر الكثير حتى صارت جزءًا من كيانهن المرأة تاريخ له مستقبل وحضارة إن

هي جمعت بين جمال الروح ومعرفة العقل؛ فحين تنمّي مداركها وتعتزّ بعاطفة

الحب التي جُبلت عليها يصير ضعفها قوة، وحين تُهذّب مشاعر الكيد والغيرة

السلبية فيها لترتقي بها يصير كيدها حكمة وغيرتها ثقة وتوكل، وحين تؤمن

أنها والرجل كائنين مختلفين لكل منه خصائصه ودوره وأهميته، يتناغمان جنبًا

إلى جنب ضمن علاقة تكاملية هي أبعد ما تكون عن النديّة تصير أنوثتها إبداعًا

سواءً اقتصر الدور الذي تلعبه في الحياة على أن تكون طالبة أو عاملة منتجة أو

زوجة أو أم أو ابنة أو قارئة أو مفكّرة أو جمعت بين العديد من الأدوار وبخلاف

مسألتي العُقم وتقدّم العمر التي تقف أمامهما المرأة مكتوفة الأيدي لا حول لها

ولا قوة، لظاهرة التأخر في الزواج طبيعة جدَلية تتشابك فيها عوامل مختلفة،

فينسبها البعض للنصيب المُقدر أمّا البعض الآخر فقد يلقي باللوم على قرارات

الفتاة وسوء اختياراتها؛ أوليس النصيب ترجمة حيّة إما لأمور خيّرتنا بها العين

العُليا وأذنت بوقوعها لحكمةٍ ما وإما لأمور ليس لنا سلطان عليها؟ أوليست من

سنن الكون أن تحتمل تصرفات البشر وقراراتهم الصواب والخطأ؟ الزواج

والذرية نِعمٌ وأرزاق، كالجَمال والمال والوظيفة وغيرها، وللرّضا هنا الدور

الأجلّ، فالكمال والأبديّة من أحبّ شرائع البشر، ومن لم يكن للرضا في قلبه

نصيب امتدت عيناه لما حوله وجهِل قيمة ما بين يديه. وحتى يستقيم مفهوم

الرضا في نفوسنا علينا أولاً أن نعالج أيّ قصور قد ينتج عنها، فنحن مأمورون

دوما أن نأخذ بالأسباب ضمن حدود قدرتنا؛ ونكون صادقين مع أنفسنا، ما

يؤلمها؟ ما يبعث السكينة فيها؟ فندرس قراراتنا بما يُمليه علينا ضميرنا ونتعلم

من أخطائنا لنستدركها في المستقبل ونستشير أهل الخبرة والثقة ونستخير رب

السمّاء ليدبّر لنا الأمور، إن كنت ممن يفعلن هذا فاستبشري خيرًا ولا تتذمري

من الضغوطات حولك فالأخيرة لم ولن يسلم منها أحد

مُنية أبو خضرا

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *