عندما خرجت من المسجد وجدته امامي,كان جسده نحيل,وكأنه لم يأكل منذ سنين,ظهر على وجهه تضاريس الحياه القاسيه,وآلام الدهر الذي لم يرحم ضعفه وهزاله,بانت المراره على ملامحه حتى أخفت معالم وجهه الحزين,الذي بدى عليه أنه لم يشعر بحلاوه الحياه,او بطعمها الجميل,وكان منتصباً رغم معالمه المنكسره,صامداً رغم حياته البائسه,صابراً ومقاوما ًرغم ظروفه التعيسه,نظر إليّ فجأه فأحسست بقلبي ينبض شفقتاً عليه,كأن عينيه تدمعان وكانتا تتكلمان وإن لم ينطق بحرف,وكأنه يقول,لماذا أنا؟ لماذا عليَ تحمل كل هذا العذاب؟ هل أجرمت؟ هل آذيت وتحديت؟ هل عاندت وتماديت؟ وهل أنتهت الرحمه من قلوب الناس؟ وهل تلاشت المشاعر والاحساس؟ كأنه أحس أنني عرفت مافي قلبه من عينيه وكان ينتظر الرد,أو إنه ينتظر مني المساعده,ظل يرمقني لفتره,ثم أصبح ينظر إلى الشارع تاره وإليّ تاره أخرى,وكانه ينتظر أحداً أو يتأهب لشيء ما,وماهي إلا لحظات حتى تراشقته الحجاره من كل صوب,ياإلهي... كم هو مسكين هذا القط,الذي فر هارباً من أمامي وخلفه الصبيه الصغار,وكل واحد منهم قد حمل بيديه وجيوبه ماخفّ وسهل حمله من الحجاره,وصاروا يركضون خلفه ويتنافسون على من يصيبه أولاً,لقد آلمني هذا المشهد وأُعْتُصر قلبي على هذا القط المسكين,الذي ظل يركض بكل ماأوتي من قوه حتى ينجو بنفسه,لم يترك مكان إلا وأختبىء فيه,ولم يترك زاويه إلا وتوارى خلفها, ولكن للأسف جميع طرقه قد باءت بالفشل,لأن هؤلاء الصبيه كانوا له بالمرصاد,حتى توارى عن الأنظار وخلفه قدره المؤلم والمحتوم,ماذنب هذا الحيوان المسكين الذي راح ضحيه ظلم هؤلاء الصبيه ولهوهم ولعبهم,وهل أختفت الشفقه من قلوب الناس,ألم يعلموا أبنائهم على الرفق بالحيوان,لاأعتقد بأن هؤلاء الأطفال قد أجبروا على ذلك أو أنهم تعلموا الصواب من الخطأ,وأن ضرب الحيوان الصغير الذي لاحول له ولا قوه لهو ذنب كبير عند الله,ولكن ماذا تفعل؟ إن لم يكن هناك أذن تسمع أو عين تدمع أو عقل منير يخاف من ربه ويخشع أو قلب يحس بما حوله ويتوجع.....