ما أعظم مهنة التعليم التي تحمل بين جنباتها رسالة سامية ومهمة عظيمة
وقد كفاها شرفا أنها مهنة خير البشرية عليه الصلاة والسلام
قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [الجمعة:2].
يقول أبو حامد الغزالي :
إن مقام المعلم هو اشرف الأحوال فمن علم وعمل فهو الذي يدعى عظيما في
ملكوت السموات فانه كالشمس تضئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها ..
::
ما كانت هذه المكانة إلا بقدر الأمانة الثقيلة والمسؤولية الكبيرة التي يحملها على عاتقه
وهاهو المجتمع يقدم بين يديه فلذات الأكباد .. يقدم له العقول والقلوب ..
ثم يترقب جيلا ينهض بالأمة إلى حيث التقدم والمجد والرفعة
فقد اثبت التاريخ أن مقياس التقدم لدى الشعوب لا يقاس بحجم ثرواتها
ولا يقدر بالمردود المادي إنما يكون بحصيلة القيم والأخلاق وما تحمله عقول أفرادها
لذا فان الاعتماد والاهتمام على الموارد البشرية غاية في الأهمية
ولعل المعلم الجندي الأول في المؤسسة التعليمية الذي تكمن أهميته بمدى تأثيره
في نفوس الطلاب وعلى نوعية النور الذي غرسه في العقول ليطفئ ظلام الجهل..
فان أحسن الغراس طاب الثمر , قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) مسلم
وقال صلى الله علية وسلم : ( كل معروف صدقه، والدال على الخير كفاعله ) البخاري ومسلم
هكذا أنت أيها المعلم من المنظور الإسلامي والاجتماعي والسياسي ..
هنيئا ثم هنيئا لك تلك المنزلة وأعانك الله على حملها
فاتق الله في طلابك وأحسن إليهم وليكن نهج الحبيب المصطفى طريقك في التعليم
صبر وحلم ورفق ولين وحب ورحمة وإحسان
قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً))
::
أيها المعلم الفاضل اتق الله فيما استرعاك فإنهم أمانة في عنقك
قال صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ".
لا تبخسهم حقوقهم ولا تغفل عن الفروق الفردية بينهم
لأنك حتما ستواجه فئات متفاوتة من حيث القدرات العقلية
والظروف الاجتماعية والصحة النفسية والجسدية
لا يحق لك تهميش هذه النواحي أثناء أداء مهمتك التعليمية
وإلا وقعت في الظلم وما الظلم إلا ظلمات يوم القيامة
دورك الحقيقي أيها المربي يتجاوز تلقين العقول بالمعلومات
هذه قصة حقيقية حصلت أحداثها في إحدى المدارس في مكة المكرمة
فتح المعلم منفعلاً باب الإدارة دافعاً بالطالب إلى المدير وقد نعته بعبارات سب وشتم
قائلاً لرئيسه في العمل : تفضل وألق نظره على طريقة لبسه للثوب ورفع أكمامه .
الطالب يكتم عبراته ، والمدير يتأمل مندهشاً في الموقف ،
المعلم يخرج بعد أن سلم ضحيته للجلاد - كما يظن -
تأمل المدير ذلك الطفل نظر إلى طريقة لبسه للثوب اللافتة للنظر
رآه وقد جر ثوباً وشمر كميه بطريقة توحي بأنه
( قد ضرب بكل الأنظمة عرض الحائط وكأنه حاد عن الطريق السوي ) .
المدير-اجلس يا بني .
جلس الطفل متعجباً من موقف المدير ، ساد الصمت المكان ولكن العجب فرض نفسه على الجو
المدير يتعجب من صغر سن الطالب والتهمة الموجهة إليه من قبل المعلم ( المتظاهر بالقوة) .
الطالب يعجب من ردة فعل المدير الهادئة رغم انفعال المعلم وتأليبه عليه .
انتظر الطالب السؤال عن سبب المشكلة بفارغ الصبر حتى حان الفرج .
المدير - ما المشكلة ؟
الطالب -لم أحضر الواجب .
المدير - ولم َ..
الطالب -نسيت أن اشتري دفتراً جديداً .
المدير - ودفترك القديم .
سكت الطالب خجلاً من الإجابة ردد المدير سؤاله بأسلوب أهدأ من السابق
فلم يجد الطالب مفراً من الإجابة / أخذه أخي الذي يدرس في الليلي .
نظر المدير إلى الطالب نظرة الأب الحاني وقال له : لماذا تقلد الكبار يا بني وتلبس ثوباً طويلاً وتشمر كمك .....
قاطعته عبرات حرة من قلب ذلك الطفل طالما حبست وكتمت .
ازدادت حيرة الأب (المدير) كان لابد أن ينتظر حتى ينفس الطفل عن بركان كاد يفتك بجسده ولكن ما أحر لحظات الانتظار! .
خرجت كلماته كالصاعقة على نفس المدير
( الثوب ليس لي إنه لأخي الكبير ألبسه في الصباح ويلبسه في المساء إذا عدت من المدرسة لكي يذهب إلى مدرسته الليلية ).
اغرورقت عينا المدير بماء العين تمالك أعصابه أمام الطالب ،
طلب منه أن يذهب إلى غرفة المرشد ما إن خرج الطالب من الإدارة
حتى أغلق المدير مكتبه وانفجر بالبكاء رأفة بحال الطالب الذي لا يجد ثوباً يلبسه ،ودفتراً يخصه،
::
إنها مأساة مجتمع .. مؤلمة بمعنى الكلمة ..
فكم طالب غيره يتجرع أشكال وألوان الظروف القاهرة ..!!
وكم طالب لم يجد من يخفف عنه تلك الآهات ولا من يشاطره تلك الزفرات ..!!
وكم طالب تخلف عن الدراسة ولم يتمكن من إكمال مسيرة النجاح ومواصلة التعليم ..!!
فكم نجوم ساطعة فقدنا وكم من الشعل الملتهبة أطفأنا ..!!
مهنتك أيها المعلم ليست كأي مهنة , الجيل القادم رهن يديك ..
فلابد أن تكون لهم الأب الحاني والتربوي الواعي والقدوة الحسنة
لا بد أن يتسع صدرك لهمومهم وكل ما يدور في أذهانهم من شبهات وشهوات
ولتبني جسور الثقة بينكم لتساعدهم على أن يُدْلوا بما لديهم و يصارحوك بما أشكل عليهم
حتى توجههم للأنسب لأنهم إن لم يجدوا لديك المساحة الكافية فإنهم
سيلجئون لغيرك وما أكثر من ينتهز تلك الفرص ليغرر بالشاب
أهل الفتن على كل ثغر يترقبون فاجتهد لتغلق تلك الثغور
ولتكن كالمجاهد في سبيل الله وأنت في عملك ..
ونحن في عصر التسارع في عالم التكنولوجيا لابد أن تطور ذاتك أيها المربي الفاضل
فيما يتواكب مع طلابك لتكون مؤثرا ايجابيا تسير معهم باتجاه متوازي
ومحاور جيد ومرن في طرح المعلومات متقبل الرأي الآخر بعقلانية
ومتفهم لجيل قادم خلق لغير زمانك
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(( ربوا أولادكم لزمان غير زمانك ))
(( لا تأدبوا أولادكم بأخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ))
((لا تكرهوا أولادكم على عاداتكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)).
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [سورة الحج: 41]
وقد مكنت في الأرض أيها المعلم بسلطتك التعليمية فاتق الله في كل أمرك
ومهنتك تجعل على عاتقك توجيه طلابك إلى ما يرضي الله بالتي هي أحسن
فأنت تلازمهم فترة لا باس بها خلال عامك الدراسي
حتى وإن كانت التوجيهات خارجة عن صلب المادة او بعيدة عن تخصصك
فكم من طالب عاد إلى جادة الصواب بسبب كلمة طيبة من معلم فاضل
فلتكن أنت ذلك المربي ولتنال ذلك الشرف..
مَكَّنَّاهُمْ: أي جعلنا لهم مكانة وسلطانا وقدرة ونفاذا.
وقد ذكرت الآية الكريمة مظاهر شكر المُمَكَّنين في الأرض لله من القيام بفرائضه والمحافظة عليها والوقوف عند حدوده؛
فقالت: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾،
وهذه الأربعة هي معيار عمق العلاقة بين الخلق والخالق.
المصدر : موقع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أيها الفاضل أنت القاضي الأول في حياة الطالب ولعلها من اخطر الأدوار التي ستواجهك
فقد كان أهل العلم والفضل رحمة الله عليهم يفرون من القضاء خوفا من أن
لا يستوفوا الحق أو يلحقهم تقصير أثناء القضاء
وكما ورد في الحديث الشريف القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة
عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة،
ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار،
ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار » رواه الأربعة وصححه الحاكم.
فلا تنحاز أثناء التقييم لطالب عن آخر ولتحذر من التسرع في إصدار الأحكام
ولتفصل بين ما يواجهك من ضغوطات الحياة وبين انفعالاتك على طلابك
حتى لا تؤثر حالتك النفسية عليك أثناء التقييم وتنجو من الظلم
أيها المربي الفطن كن لماحا في فهم طلابك وتعلم كيف تفجر طاقاتهم الكامنة
ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة حيث كان أعرف البشر بأصحابه وبنفسياتهم
وابدع في تنمية مهاراتهم واستغلال مواهبهم وقد أحسن توظيفها بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام
فمن المعلوم أن لكل منهم مفتاح يساعدك للوصول إلى الجانب الايجابي من شخصياتهم
حيث أن الإخفاق في استخراج كنوزهم سيبعث على الإحباط لفئة الأذكياء
منهم ويتسلل إلى القلوب الملل الذي يقتل الإبداع والأمل..
وقد تكون هناك ردة فعل من نوع آخر تخرج على هيئة إضراب عن التعليم
فيبدوا الطالب قليل الاحترام لمعلمه ولأنظمة المدرسة لكنه ليس كذلك
فالفراغ وإهدار الطاقات الداخلية مفسدة وأي مفسدة أن يحارب المتعلم العلم وأهله
معلمنا الفاضل المربي الكريم ..
فلذات أكبادنا بين يديك وآمالنا بعد الله فيك
فأنت قادر على تحمل هذا العبء والمسؤولية إن شاء الله
فاستعن بالله واجتهد في تأدية رسالتك السامية واحتسب الأجر
قــــدم لدينك ومجتمعك ووطنك جيلا يعيد للأمة مجدهــــــا
ليخلد التاريخ على ذاكـــــــــــرة الزمان خطواتك المباركة بتوفيق الله ..
" ◕‿◕ "أخلاقيات المعلم والمتعلم " ◕‿◕ "l||l المعـلم وتــــــــــعدد الأدوارl||l متميز
رد مع الاستدلال
كتبت بواسطة ثِمِال
الروابط المفضلة