إيهٍ يا غربة الأوطان! بل يا أوطان الغربة الموحشة.
يا أراضي العشق المغروس في الأرواح، أهذا جزاء المحبين؟
لِمَ تبدين قاسية متجهمة؟
لمَ لمْ تعودي تفتحين أحضانكِ لمن أضناهم الشوق إليكِ؟
لم تلفظينهم إلى البحر تارة، أو إلى الضياع أخرى؟
لمَ تضيقين بهم ذرعا فتقذفينهم في مهب الريح؟
إيهٍ يا أوطانا لم يعرفوا فيها غير وجع الفقر وألم الحسرة !
لم يستيقظوا فيها إلا على أوجاع الظهر وانكسارات القلوب.
يا أوطانا لم يروا فيها غير براعم أحلامهم الضعيفة تنتزع بسادية لتحرق في نيران الفساد.
إيهٍ يا أوطانا خاوية على عروشها،
يا أراضٍ تناولتها الأيدي العابثة من كل صوبٍ، حفرا وحرثا وحصدا لما لم تزرعه،
ليستيقظ مزارعوها ذات صباح ويدركوا أن شيئا لم يبقَ لهم !
يا أوطانا أضناها الجفاف، وراحت الأيدي تتسابق لتسرق منها حتى غيث الغمام !
يا أوطانا اختنقت بالقهر من كل جانب، فعن أي حب نتحدث؟
عن أي حبٍ نتحدث والجوع ينهش أبنائكِ بلا رحمة؟
بأي حب نطالب والجهل يتفشى في فلذات أكبادكِ كما بقعة حبر حالك السواد على قماش أبيض !
أي حبٍ نتمنى وهم يعيشون حروبهم الخاصة في كل يوم،
حروب لنيل لقمة تسكت الأفواه الجائعة،
وحروب أخرى لجعلهم يواصلون المسير في بقايا تعليم،
أو أشلاء تعليم مشوّه الوجه والمضمون،
سمّه ما شئت، فهم لا وقت لديهم لتسمية الأشياء،
إنهم لا يملكون الوقت لحبكِ يا أوطان الغربة!
يا أوطانا ينامون في كل ليلة متوسدين أرضها البور، ملتحفين خواءها الموجع،
لا يفكرون في الغد لأنهم إن فعلوا فهم يعرضون أنفسهم للجنون،
إنهم فقط يتأملون السماء الحالكة ويبتهلون إلي ربهم أن يمدهم بالقوة ليمضوا الغد - فقط - بأمان!
إنهم لا يحلمون أيتها الأوطان،
الأحلام في قوانينهم للصغار فقط،
أولئك الذين يحلمون ملء أجفانهم، ويتأملهم الكبار بابتسامة حسرة أوشفقة،
فهم لم يعرفوا بعد كيف تُوأد الأحلام وتنتزع من جذورها في هذه الأوطان!
يا أوطان تغنت ذات يوم بالمجد، وهتفت بالحياة لأبنائها الشجعان.
أبناؤكِ لم يموتوا، بل هم يتكدسون في كل يوم أكثر من سابقه،
إن الذي مات فقط هو شهيتهم للحياة!
يا أوطانا حاربت المستعمر ذات يوم، وطردته من أرضها إلي غير رجعة،
ما بال الأدوار تنقلب فيطرد ذاك المستعمر أبنائكِ الجدد الرامين بأنفسهم إليه في البحار بعدما يئسوا من الحصول على إذن للوصول!
ما بالهم يتقاذفون على الموت؟ أهكذا تتسائلين يا أوطان الوحشة والخواء؟
فأخبريني إذا أي شيء سيرغبون في العيش لأجله؟
أسلافهم خاضوا حروبا معدودة فخلّد التاريخ أسماءهم بحروف من نور،
وهم يخوضون حروبا بعدد الأيام التي يعيشونها، فيُهانون ويُحقّرون ويُجبرون على تمني الموت!
يظن الجميع أنهم يبكون لموت أحبتهم عندما يرحلون،
ولا يدركون أنهم فقط يبكون لأنهم تمنوا لو رافقوهم إلى حيث لا مكان لبؤس دنياهم الحقيرة !
إيهٍ .. يا أوطان الأحلام المشوهة، يا من شوّهتكِ أيدي الفساد حتى بتنا لا نعرفك!
" لم نمت ظلماً.. متنا قهراً. فوحدها الإهانات تقتل الشعوب.
في زمن ما كنا نردد ذاك النشيد، وكان لكلماته قدرة خارقة على توحيدنا.
اكتشفنا مصادفة هناك صوتنا الواحد،
كنا شعباً واحداً ترتعد الجدران لصوته، قبل أن ترتعد أجسادنا تحت التعذيب!
هل بحّ صوتنا اليوم؟
أم أصبح هناك صوت يعلو على الجميع، مذ أصبح هذا الوطن لبعضنا فقط؟ "
* أحلام مستغانمي
الروابط المفضلة