توازن الإسلام في : خلق الإنسان
قال تعالى: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)] الإسراء.، قال تعالى: [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)] الجاثية.
فالإنسان إذاً محل اهتمام وكرم.. وإنعام واصطفاء.. لا محل ذل وهوان.. وضياع وخذلان..
فقد شرفه الله تعالى، بسجود الملائكة كلها له، بعد أن سواه سبحانه بيده، ونفخ فيه من روحه.. قال تعالى: [إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)] ص.
فلما كرُم هذا المخلوق "الإنسان " على الله تعالى، شرفه وأعلى شأنه بأن اختار له من جنسه رسل مبشرين ومنذرين.. وأنزل معهم الكتب نور لناس وهدى ورحمه..، ليربط هذا المخلوق المكرم بالعظيم المنان.. ولتتصل العلاقة دائماً ومباشرة بحبل يمتد من السماء إلى الأرض ليتشبث به ذاك الإنسان ليصل به إلى الغاية الكبرى والمنزلة العظمى من حياته؟ ويحق لنا هنا أن نسأل، لما كرمنا الله تعالى هذا التكريم.. وسخر لنا مافي السماوات والأرض.. وزودنا بكل هذه النعم -السمع والبصر والعقل والقوة... ألكي نعيش .. ونأكل ونشرب ونتلذذ.. ثم.. ماذا.. قال تعالى: [أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)] القيامة.
هل كل هذا الكون العظيم، بما فيه من حيوان ونبات.. وأجرام وكواكب.. كل هذا مخلوق عبثا!! سبحان الله العظيم.. ما خلق شيئا عبثا أبدا.. بل كل صغير وكبير في هذا الكون مخلوق في غاية الحكمة، والإنسان لم يخلق إلا لغاية وهدف واحد، قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)] الذاريات.
إن كرم الله تعالى لهذا الإنسان لا ينتهي.. فقد كرمة أيضا بأن أعطاه نعما لا تعد ولا تحصى.. وميزه عن سائر الخلق بميزة العقل، لكي يتصل به إلى ذو الجلال والإكرام.. لا ليهدره ويضيعه .. وتنتهي حياته.
وقد يتناسى الإنسان، الغاية من وجودة في الدنيا!! وتلهيه نعم الله تعالى التي أنعم بها عليه.. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)] الإنفطار. ولكن.. ليعلم أن الله تعالى بعد أن أعطاه كل تلك النعم والميزات.. كفل به رقيبين يحصيان عليه كل ما يعمله في الدنيا.. ليجازي بكل صغيرة وكبيرة عملها في الدنيا.. وعلى حسب جده واجتهاده وتحقيق هدفه في الحياة.. سيلقى أجره، وعلى حسب لعبه ولهوه وإهمال غايته من الحياة.. سيلاقي وزرة.. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)] الانشقاق.
وقد وصل تكريم الله تعالى للإنسان، أن أعطاه حرية اختيار الطريق الذي يريده، وزوده بعقل، حتى لا تكون له حجه، قال تعالى: [إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)] الإنسان.
وليعلم هذا الإنسان.. أنه مهما بلغ من قوة وجاه وسلطان ومال.. ومهما وصل إلى أعلى غاياته الدنيوية..ومهما سعى للحصول على متع الدنيا.. أنه لابد من الموت، ولا ينكر إنسان عاقل الموت، وبعد الموت ..هناك حساب !!
قال تعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)] الرحمن.
****************************
ولما كان الإنسان هو أهم عنصر على هذه الأرض، زوده الله تعالى بوظائف وتكاليف لا تقوم إلا به.
لقد نزلت الشريعة للعالم كله، بأجناسه المختلفة، رجالا ونساء، فطبقا للقران خلق الرجال والنساء لنفس الغرض، اشتركوا في التكاليف ، التي تؤهلوها ، يتعرضون لنفس السنن الكونية، وسيحاسبون في الآخرة بنفس المقاييس. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)] النساء. قال تعالى: [فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)] آل عمران.
والله تعالى أنزل الإسلام ليسعد هذا الإنسان المكرم..وليعيش حياة مطمئنة سعيدة آمنه.. قال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)] النحل.
وأهم مظاهر التوازن لدى الإنسان؛ أن خلقه سبحانه من ذكر وأنثى، وجعل التكاليف تناسب فطرة كل من الجنسين، بحيث زود الرجل وهيئ خلقته على حسب تكاليفه، كذلك زود المرأة وهيئ خلقتها على حسب تكاليفها،وهما يشتركان في نفس التكاليف.. إلا اليسير منها على حسب ما زود وهيئ له كل من الجنسين، ولا تستقيم الحياة ولا تتوازن إذا تخلى أحد الجنسين عن تكاليفه الخاصة به، ليقوم بتنفيذ تكاليف الجنس الآخر..
إن دور الرجل ومجال نشاطه وفعاليته للإنتاج المادي وتنشيطه، وأن دور المرأة ومجال نشاطها وفاعليتها، للإنتاج البشري وتربيته. فلكل منهما دوره واختصاصه حسب مواهبه وفطرته التي فطره الله تعالى عليها.
ولا فضل لجنس على آخر في الإسلام.. ولا يظلم الله تعالى أي إنسان، قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)]يونس. والتفاضل الذي يضعه الإسلام بين الأجناس.. هو تفاضل التقوى فقط.. ولا قيمة لأي تفاضل آخر يضعه البشر. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)] الحجرات.
ويحرم الإسلام تشبه أحد الجنسين بالآخر، لما فيه من الفوضى واختلاط وعدم الرضا بفطرة الله تعالى.. واختلال التوازن البشري والإسلامي، الذي خلق الله تعالى الجنسين ليحققانه..
عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لعن رسول الله r المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)خ/2[ 5546]
__________________________________________________ _
تعليق