فصول المسرحية والخاسر الأكبر..
بدأت فصول المسرحية بعدما حشدت الجيوش وسخرت الطاقات
لكسب المعركة الكلامية كالمعتاد فبين ترقب وهجوم يتخللها همز ولمز ..
تفنن عجيب في إيذاء الآخرين وتصيد للأخطاء في الوقت الذي يتغافل فيه عن الحسنات
وما هي إلا لحظات فإذا بالنصر يلوح بالأفق ..وهاهي فرحة النصر تلمع في العيون
ليتوج الفائز بلقب الخاسر الأكبر ,فقد خسر القلوب وما علم ..!!
إنها معارك بسيطة بمكاسب محدودة يجنى صاحبها سمو وإحساس بالزهو ..
ومع هذا فإنها لا ترفعه بل تضعه أسفل سافلين..
"ذوو النفوس الدنية يجدون اللذة في التفتيش عن أخطاء العظماء "___(شوبنهاور)___
وما نتائج تلك اللذة إلا خسارة الجوهرة النابضة بداخل الطرف الآخر
ومع الأسف فإن خسارة القلوب لا يقدرها إلا من يعرف قيمتها ..
ولا يعلم عواقبها إلا من يملك البصيرة لا البصر ..
**إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاج كسرها لا يجبر**
خسارة القلوب تعني أن يعيش المرء بلا رفيق ولا صديق ..
يعيش وحيد ويموت وحيد ويلقى ربه بذنوب العبيد ..
إلا أن يشمله الله بعفوه ورحمته , قال رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم:
(اشد الناس عذابا يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا)حديث صحيح أخرجه احمد وصححه الألباني..
وحتى لا نخسر تلك القلوب وقبل فوات الأوان هي نصائح متواضعة أضعها بين أيديكم
ومن مجهودي الشخصي أقدمها لكم اسأل الله أن تلقى صدى وارض خصبة لتثمر محبة
نتبلغ بها جنة عرضها السموات والأرض اللهم آآآآآآآآآآآآآمين..
::
صنف قبل أن تبدأ ثم أنزل الناس منازلهم ..
من المعلوم أن البشر يختلفون في طبائعهم وشخصياتهم وأعمارهم وتصوراتهم لكثير من الأمور
إنهم كمعادن الأرض وصخورها بأشكال وألوان وأحجام شتى
فمنهم الصغير والكبير , الغضوب والحليم , الكريم والبخيل , الذكي ومحدود التفكير
الأبيض النقي والأسود الغامض , الحساس المرهف والقوي الجاف....الخ
فمن يعامل البشر على هيئة واحدة فقد وضعهم في غير منازلهم التي يستحقونها
رفع اللئيم ووضع الكريم .. كبر الصغير وصغر الكبير ..استثار الغضوب واغضب الحليم
فلا اللئيم ينتفع بكرمك لا الكريم يشهد بجودك..انك خسرت هذا وذاك ..!!
هذا إن لم تخسر ذاتك وتحطم فؤادك
وقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يضع الناس في منازلهم المناسبة
وان كانوا كفار ففي فتح مكة العظيم ؛ حيث قال كلمته الشهيرة:
"من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن"، رغم أن أبا سفيان كان كافرًا في ذلك الوقت ومن صفوف الأعداء
ولكن تفهمه لنفسيات من حوله وطبائعهم جعل الكثير منهم يدخلون في دين الله أفواجا
وهذا ما حدث لأبي سفيان زعيم قريش أعلن إسلامه بعد هذا الاحتواء الراقي والحضاري
لذا فإن أول ما يتوجب على المرء أن يتعلم أصناف البشر المحيطين به
وشخصياتهم وطبائعهم ليختار التصرف المناسب في الوقت المناسب ليلقيها بالطريقة المناسبة
ولكن يظل الحذر مطلب لابد منه فقد نسيء التشخيص فنقع في المحظور دون قصد ..
::
الرصيد العاطفي في بنك المشاعر..
كل البنوك تعتمد على الإيداع والسحب
وهكذا هو بنك المشاعر يزيد بالإيداع ويقل بالسحب
ورصيدك فيه يعنى مدى ثقة الطرف الأخر بك وعلى إثرها تكون متانة العلاقة
فإيداع النزاهة والتقدير والحب والاحترام يزيد من رصيدك إمام الطرف الأخر
لتجد أن زلتك تغفر وهفوتك تمحى من ذاكرة الزمان وتطوى في ملف النسيان
ولكن الإخفاق في متابعة الحساب بشكل دوري والاعتماد على الرصيد السابق
آو السحب المستمر دون إيداع مثل جرح المشاعر والنقد اللاذع و........الخ
حتما سيستنزف ذلك الرصيد لتجد أن حرفك يموت قبل أن يخرج من النفق
وقد كان يصل إلى ما بعد الأفق ,فلا الفكرة تقبل ولا النصيحة تلقى صدى رحب
وكلما كانت العلاقة متينة وطويلة المدى مثل العلاقة الزوجية
آو علاقة الأنباء بآبائهم كان الإيداع ضروري وبشكل مستمر
وقد يكون إخفاق احد الأطراف سببا لفشل تلك العلاقة
ولعل الكثير من حالات الطلاق سببها تجاهل هذا البنك والإخفاق في تمويله ..!!
لاحظوا نصيحة من تخرج من المدرسة المحمدية قال أبي الدرداء لأم الدرداء :
(( إذا غضبتُ فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق ))
إذا غضب أمرها أن تمول الرصيد العاطفي ليكون شافعا لها وسببا في صلح من أعماق القلب
بلا شوائب أو آثار تبقى تهدد الحياة الزوجية وهكذا هو الحال فيما يخص الزوجة
أما الأبناء فقد يقع الكثير دون قصد في خسارتهم إلى الأبد خاصة المراهقين ذوي الطباع المتهورة
فكثرة النصائح والتوجيهات المقدمة بأسلوب أمر شديد اللهجة دون إيداع أي سلوك يثبت انه تصرف
والد محب مشفق على ابنه يسحب من الرصيد ليفلس الآباء من الحب فيخرجوا بشكل نهائي من تلك القلوب ..
::
وما تلك إلا مقتطفات سريعة لتوضيح ماهية هذا البنك العجيب بمفعولة السحري ..
ولعل التفنن في التعامل معه وحسن استخدامه يندرج تحت الذكاء الاجتماعي
وقبل الخوض والتعمق أكثر والإسهاب في بعض الأمثلة التي تمول هذا البنك
اليكم همسات ذهبية لابد منها ليصل ما يخرج من القلب إلى القلب :
*أولا : لا تفعل ما يغضب الله وتطلب منه ما تحب .
*ثانيا : احد مفاتيح النجاح تكمن في حب ما تعمل .
*ثالثا : إن أول دليل على تفشي الأنانية وانعدام التوازن هو انتشار
الــ(أنا) وانحسار الـ(نحن) فإن استطعت أن تقلب الموازين فقد ربحت القلوب مبدئيا
::
امثلة لبعض النقاط المهمة التي تساهم في تمويل بنك المشاعر لزيادة الرصيد العاطفي في قلوب الاخرين:
الكلمـة الطيبـــــــــــــــــــــة والإبتســــــــــــــــامة المشرقة ..
ما أسهل أن يغوص المرء داخل قلوب الآخرين بالكلمة الطيبة وحسن الخلق وبابتسامة مشرقة
قال الرسول صلي الله عليه وسلم : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، الموطؤون أكنافاً،
الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" ..لما هم يؤلفون ..!!
لأنهم مواطؤون أكنافا بحسن أخلاقهم وطيب حديثهم وجود أنفسهم..
وقد قيل :إذا لم يكن لديك شيئاً تعطيه للآخرين، فتصدق بالكلمة الطيبة
و الابتسامة الصادقة، و خالق الناس بخلق حسن
"شق طريقك بابتسامتك خير من أن تشقه بسيفك " ___(وليام شكسبير)___
الكلمة الطيبة والابتسامة صدقة لأنهما أشجار مثمرة بفروعها المترامية الأطراف هي دواء شافي وبلسم معافي
وحتى عصرنا الحالي لم يقدم العالم مهدئ للأعصاب أفضل من الكلمة الرقيقة التي تلقى في الوقت المناسب
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا
يبغي أحد على أحد ، ولا يفخر أحد على أحد "وقوله : وما تواضع أحد لله إلا رفعه "
بالتواضع تسلم من أذية البشر لأنك ملكت قلوبهم فارتفعت بها درجات وكان الجزاء من جنس العمل
وعلى من يرغب في زيادة رصيده عليه أيضا أن يتحلى بالرحمة ولين القول
وتجنب القسوة وغلاطة اللفظ فمن إمارات الكرم الرحمة، ومن إمارات اللؤم القسوة .
غير أن حسن الخلق يستر الكثير من العيوب وكذلك سوء الخلق يغطي الكثير من الحسنات
وقد يندرج تحت حسن الخلق المجاملة والمداراة لا المداهنة
قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مداراة الناس صدقة "
وقال ابن بطال : المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس وترك
الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة
هنا يجب التنبه والتفريق بين المداراة والمداهنة فالأولى مباحة أو مستحبة والأخرى محرمة
فالمداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا ,أما المداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا ...
::
الــــــوصفة الخارقة " الثنـــاء الصــــــــــــــادق "
يؤكد العالم النفسي وليم جيمس على أن أعمق رغبة داخلية في البشر
هي التماس الثناء والتقدير والإعجاب
ولعلها من أسرع السهام الموصلة لأعماق القلوب..
ففي تجربة لأحد المختصين باستخدام جهاز (الاورجوجراف)
وهو جهاز يقيس مستوى الطاقة في الجسم وجدوا أن طاقة الجسم
تزيد في حال الثناء وتقل في حال كلمات التثبيط واللوم ..
الثناء وصفة خارقة تفعل الأعاجيب بالبشر إنها لا تكلفك شيئا
وتعتبر بمثابة مكافئة تشجيعية ولها مردود كبير في نفوس الآخرين
انك بالثناء تزيد من إقبالهم على الاستمرار والرغبة على العمل وتحد على
المدى البعيد من إخفاقاتهم وتزيل عنهم الإحباط
وكان هذا نهج رسولنا الحبيب الذي اسر القلوب عذوبة لفظه وسحر ثناءه
وقد قال مرغبا لابن عمر على قيام الليل (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) فقام وما تركه
فمن الذكاء استغلال الوصفة الخارقة بثناء صادق كي تحفز من حولك إلى النجاح
بعدها اعلم انك قد سيطرت على تلك القلوب وأمسكت زمامها وزدت رصيدك في بنك المشاعر
لأنك أدخلت السرور إلى قلوبهم فلا تحرم نفسك هذا الأجر العظيم
ومن منا لا ينطرب لكلمات الثناء ويخفق قلبه لسماعها..!!
غير أنها تدريب للنفس على نسب النجاح لأصحابه .. هو إنصاف لك ولغيرك..
وهي رياضة نفسية تمدك بالصحة على المدى البعيد وتهذبك لتلقى ربك طاهر نقي ..
::
تقدير الآخرين واحترام وجهات النظر
تقدير الآخرين واحترام ممتلكاتهم الشخصية وأوطانهم ومهنهم و.....الخ
مطلب ضروري لكسب القلوب والحفاظ عليها
بل حتى معتقداتهم ووجهات نظرهم يجب أن يكون لها نصيب من الاحترام
وان كانت خاطئة , طبعا احترامها لا يلغي التصحيح ولكن بالتي هي أحسن..
فن تقدير الآخرين واحترامهم من الفنون التي لا يجيدها إلا القليل
ومن الطبيعي أن يجد صعوبة بالغة للفوز بالقلوب من يمجد ذاته وانجازاته
ويفتخر بشهاداته على حساب الأخر لأنه يعمل على سحب من الرصيد دون إيداع ..
"تحدثك دائما عن نفسك دليل على انك لست واثقا منها" ___(السباعي رحمه الله)___
لذلك هم يبادلونك نفس الشعور إنهم لا يثقون بك ولا رصيد لك في بنكهم
سبحان الله الجزاء من جنس العمل فمن احتقر البشر احتقروه ومن همش عقلياتهم بادلوه نفس التصرف
لذا قيل :لا تكن كقمة الجبل، ترى الناس صغاراً و يراها الناس صغيرة .
وكما تحب لنفسك فبادله الآخرين ولا أتوقع انك ترضى التقليل ..
ومن احترام الآخرين أن لا تقدم على فعل وأنت تحذر منه
لا تنه عن خلق و تأتي مثله، عار عليك إذا فعلت عظيم .
ومن الظلم ان تتغافل عن معروف قدم لك وتذكر الإساءة ..!!
"ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوء ما تعلم و تكتم خيره" ___(محمد بن سيرين)___
"إذا أسدى شخص إليك جميلا فحذار أن تنساه" ___(عبد الله بن المقفع)___
"كن شريفاً أميناً ، لا لأن الناس يستحقون الشرف و الأمانة ، بل لأنك أنت لا
تستحق الضعة و الخيانة " ___(عباس محمود العقاد)___
حتى أن الالتزام بآداب الحديث وحسن الإنصات وعدم التدخل في شؤون الآخرين
ما هو إلا تقدير واحترام لهم وبه يرتفع رصيدك في القلوب
هكذا يكون تقدير الناس واحترام وجهات نظرهم وما يحملون من أفكار
لتمول به بنك المشاعر وثري به رصيدك
غير أن مبادلة الآخرين الاحترام من مظاهر قوة الشخصية التي تملك بها القلوب
والتقليل من شأنهم إنما تحطم به نفسك قبل قلوب الآخرين
::
وفي أخر المطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاف أحبتي ..
ما ذكر إنما هو على سبيل المثال لا الحصر ..
فالمقام لا يسمح لنا بالإسهاب فيما يخص زيادة أرصدتكم في بنوك مشاعر الآخرين
فأرض الواقع ثرية بالأفكار الكثيرة وقلوب الأحبة تستحق منا كل غالي ونفيس
تفننوا في تقديم الكثير والكثير لتجدوا أنفسكم في سويداء القلب سكنتم
تعبدوا الله في تلك القلوب وحافظوا عليها قبل أن تحطموها
أرحموها من الإنكسار وأعلموا أن رحمة الله تكون للرحماء من البشر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ
ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ "
وفي روايةٍ أخرى " يرحمْكُم أهلُ السّماءِ ".
ومن منا لا يأمل رحمة الرحمن الكريم المنان ..!!
اللهم أرحمنا رحمة من عندك تغنينا عن رحمة من سواك..
الروابط المفضلة