الإحسان و المحسنين
مفهوم الإحسان في ارتقاء الإنسان بدينه و خلقه :
الحمد لله الذي شرع لنا دينا قويماً , و هدانا إليه صراطاً مستقيماً , و جعلنا من أهله تعلماُ و تعليماُ , حمد من عمته رحمته وإفضاله , وغمرته أعطيته و نواله , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , شهادة أستزيد بها وفور نعمه , و أسترفد بها وفور كرمه , و أشهد أن محمدا عبده و رسوله , الذي جمع بمبعثه شمل الحق بعد تفرقه , وقمع برسالته حزب الباطل بعد تطوقه , صلى الله عليه و على آله و أصحابه , و أتباعهم الذين سلكواسنن سننه و صوابه .
أما بعد :فكيف لذلك الإنسان أن لا يتقن عمله.. ؟؟؟؟
يقول أشرف الورى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم : ((إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء))
الراوي: شداد بن أوس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم : - 2585خلاصة الدرجة: صحيح
أي إننا مأمورين بالإحسان في كل صغيرة و كبيرة وكل أمر ظاهر و خفي ....
و عرفوا الإحسان شرعا : أنه حسن التوجه إلى الله عز وجل بالتقديس والتعظيم ، وتوحده في الألوهية ، وكأنَّهُ أمام عينييك تراه ، من هذا المعنى جاء لفظ الإحسان في الإسلام .
وعندما نذكر الإحسان فإن أول شيء يخطر في بالنا كلنا عندما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليسأله عن الإحسان فقال له: أخبرني عن الإحسان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) .
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم 8 : - خلاصة الدرجة: صحيح
سبحان الله المتأمل في كلام سيدنا رسول الله يجد أنه كلام صريح يعرف الإنسان كيف يقوم بعمله و هو خالص النية لله عزو وجل مستشعر بمراقبة الله تعالى له .
فالإحسان باللغة : هو إتقان الشيء و إتمامه .
::
لنتأمل في القرآن الكريم في المواضع التي ذكر فيها الإحسان :
يقول الحق سبحانه :
((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )) النساء (36)
((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ))الإسراء(23)
((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )) الأنعام (151)
كثيراً ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين لأنهما سبباً لخروجنا من العدم إلى الوجود ...
أين حقوق الإنسان في تقدير الوالدين و احترامهما ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟............
::
(( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) آل عمران (134)
(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ))
النحل (90)
سبحان الله الإحسان من أهم مكارم الأخلاق و لدرجة أهميته فالمحسن حبيب الله......
نجد أيضا أهميته وهو بعد العدل مباشرة .
::
(( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا )) النساء (86)
حتى في التحية أمرنا الله أن نحسن فيها للناس .......
سبحان الله ..... أي دين هذا .............
::
(( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )) البقرة ( 229 )
في أمور الطلاق كان للإحسان نصيب بها فأمرنا الله أن نكون محسنين و لا يظلم بعضنا بعضا ...
::
((إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) الأعراف (56)
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) التوبة (120)
كل ذلك للمحسنين
فلما لا نكون محسنيين ؟؟؟؟
و نكون ممن يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
::
لنقف لحظات على مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه و سلم و نستخلص منها بعض الدروس عن الإحسان :
كان النبي صلى الله عليه و سلم يجلس في المسجد فجاء إليه عتبة بن ربيعة حتى جلس إليه فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وأنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم.
فاسمع مني حتى أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا الوليد اسمع ".
قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الامر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه - حتى إذا فرغ عتبة.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال نعم ! قال اسمع مني، قال افعل ......
المصدر ((البداية و النهاية - الجزء الثالث))
انظروا إلى إحسان النبي صلى الله عليه و سلم في حديثه مع شخص يتطاول عليه في الكلام
يا الله
من أراد تعلم أدب الحوار فليرجع إلى معلمنا محمد صلى الله عليه و سلم ليتعلم منه
::
قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) .
الراوي: شداد بن أوس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم : - 2585خلاصة الدرجة: صحيح
سبحان الله الإحسان حتى للحيوانات التي لا تعقل لشيء
و لكنها تتألم حين تجرح ....
و لذلك أمرنا رسول الله أن نقتل الذبيحة دون تعذيبها ...
.................................كم هذا الدين عظيم
بَاعَهُ يَهُودِيّ بَيْعًا إلَى أَجَلٍ فَجَاءَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ يَتَقَاضَاهُ ثَمَنَهُ فَقَالَ : لَمْ يَحِلْ الْأَجَلُ فَقَالَ الْيَهُودِيّ : إنّكُمْ لَمَطْلٌ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهَمّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَنَهَاهُمْ .
وَاقْتَرَضَ بَعِيرًا فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَمّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ : دَعُوهُ فَإِنّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالًا .
((المصدر : زاد المعاد ))
تأملوا إحسان معاملة النبي صلى الله عليه وسلم في من أغلظ بكلامه عليه و هو رسول الله .....
أحبتي في الله :
المجتمعات الغربية و الدول المتقدمة أدركت مفهوم الإحسان فتقدمت و أصبحت من الأوائل .....
اتقنت في عملها و حازت منتوجاتها على ثقة العالم بأسره .....
و نحن اللذين دعا ديننا الحنيف للإحسان و الاتقان في عملنا تركنا ذلك فأضحينا من المتأخرين ...
قال صلى الله عليه و سلم : ((إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ))
الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1880- خلاصة الدرجة: حسن
و للأسف كل منتوجاتنا و أعمالنا – إلا من رحم ربي - تندرج تحت قائمة غير متقن ( بدون جودة – غير موثوق)
مع أن الإتقان سنة حياة المسلمين
الإحسان واجب علينا في أعمالنا كلها
فإن أردنا أن تتقدم بلادنا
و تنهض
و ترتقي
ونصبح قادة لأمتنا
فعلينا بالإحسان
في كل شيء
و لنكن قلبا واحداً
و روحاً واحدة
و أمة واحدةً
عسى ربنا أن يغير حالنا
و نعود إلى منابر النور التي كنا عليها
من قبل
لأن
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
****
**
في انتظار فيض كلماتكم التي تثري أحرفنا
و تدفع بمنابع النور لتزين روضتنا
رد مع الاستدلال
كتبت بواسطة SH_TDM
الروابط المفضلة