**الصدق نجاة **
وعودُ لسـانك قول الصدق تَحْظَ بهإن اللسـان لمــا عـوَّدْتَ معــتـادُلطالما حلمنا بزمن الصدق فيه عنوان ،و كم ساءنا أن نرى النفس البشرية تعتاد عدم الصدق وترى في ذلك النجاة ،
بينما الصدق هو إحدى أهم الفضائل التي تكتسبها بين سائر الصفات وعندما يلجأ الإنسان للكذب
فإنه يستعير شخصية أخرى غير شخصيته وقد تزدوج لديه الشخصية فظاهره ليس كباطنه وما يقوله غير ما يخفيه بداخله وبينما يعيش الإنسان في مجتمع يؤثر فيه ويتأثر به أيضاً ،و يكون العامل الأساسي في إكسابه الصفات الحميدة والتي تكون هى السبب
الرئيسي في التقرب من الله ثم من الناس
أو الصفات الذميمة والتي بالتالي سوف تبعده عن الله ومن ثم عن الناس،لذلك فالصدق يأتيبالتعلم و التدرب عليه بيد أن للمجتمع حسناتهوسيئاته في التأثير على جميع من يعيش فيه،وسيبقىالصدق في كل زمان و مكان هو دليل الإيمان والصلاح والفلاح في الحياة .
وكثيراً ما ننسى بأن النفس البشرية خلقت على الفطرة لا يشوبها شيء،وقد تبقى هذه النفس على طهارتها التي فطرها عليها الخالق إلى أن تحتك بالحياة وتقابل الأنواع المتعددة من البشر
كالمراوغين والكاذبين والمخادعين حينها تلجأ إما إلى الدفاع عن فطرتها وإما إلى إكتساب بعضا مما واجهته ،
قال صلى الله عليه وسلم: (تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهَلَكَة، فإن فيه النجاة) [ابن أبي الدنيا].
فلماذا لم نسأل يوماً أنفسنا لماذا اللجوء للكذب؟
هل للإفلات من عقاب أم هو الخوف منه؟فقد نرى الموظف يكذب على مديره بسبب تأخره عن موعد العمل ولكي لا يخصم من مرتبه،
أو نرى التلميذ يكذب على مدرسة حتى يفلت من العقاب أو التوبيخ،
والأبن أو الأبنة أيضا يلجأون لمثل هذا التصرف مع والديهم و لنفس السبب ،
قد يكون الكذب في كل الحالات هو الوسيلة الوحيدة التي تجعل صاحبها في أمان لكنه أمان لحظي وليس أمان دائم ،
فالكذب لم يكن يوماً وسيلة للأمان أو الخلاص من أزمة أو ورطة يقع فيها صاحبها ، لأن الكذب هو أول طريق النفاق وتظهر به كل متناقضات النفس مما يؤدي إلى تعكير صفائها
فحينها قد تكون كلمات الفاروق
(عمر بن الخطاب رضي الله عنه )
بعيدة كل البعد عن الأذهان عندما قال رضوان الله عليه
( قد يبلغ الصادق بصدقه مالا يبلغه الكاذب باحتياله)
فماذا يضير الموظف لو قال الصدق لمديره وأخبره بالسبب الحقيقي لتأخيره فقد تؤدي كذبة هذا
الموظف يوما ما إلى كارثة ،
وماذا يضير التلميذ إذا اتبع الصدق مع مدرسه
فقد يكتسب إحترامه ،
وقد يكون لقول الصدق من الأبناء لآبائهم صدى جميل يقع في نفوسهم،
إذ يشعرون حينها بأنهم قد زرعوا صفة جميلة في أبنائهم يظل شذاها تتعطر به أخلاقهم أبداً ما عاشوا.
و ما أجمل أن يكون المرء صادقا مع الله ثم مع نفسه ومع الناس ،
ويكفي أن رسولنا الحبيب صلى الله عليه و سلم
سمي بالصادق الأمين وهو أعظم قدوة لنا
كان محل ثقة الكافرين قبل المؤمنين ، فقد أمر الناس جميعاً بالصدق والإخلاص في العمل وألا نلجأ لفعل شيء
ابتغاء مرضات الناس خوفاً منهم أو مهابة مركز أو سلطان فهذا هو النفاق بعينه ،
النفوس الضعيفة هى التي تلجأ إلى مثل هذه التصرفات والتي يشوبها ضعف
الإيمان وعدم التمسك بما أمرنا به الله ألا وهو الصدق .
وفي الصحيحين عن أنس عن النبي أنه قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان»
وكم كان للصدق أكبر الأثر في نجاة من اتبعه
وتغير به مسار حياته
كما في هذه القصة الجميلة
والتي أثرت بي شخصياً
واستشفيت منها كم أن الصدق منجاة من كل شر كما قال نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم ، فإليكم هذه القصه التي دارت احداثها في عهد عمر الفاروق اللهم ارضى عنه .
أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وكان في المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه
قال عمر : ما هذا
قالوا : يا أمير المؤمنين .. هذا قتل أبانا
قال : أقتلت أباهم ؟
قال : نعم قتلته !
قال : كيف قتلتَه ؟
قال : دخل بجمله في أرضي فزجرته فلم ينزجر .. فأرسلت عليه حجراً وقع على رأسه فمات
قال عمر : القصاص
الإعدام .. قرار لم يكتب وحكم سديد لا يحتاج مناقشة ..
لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل .. هل هو من قبيلة شريفة ؟ ..
هل هو من أسرة قوية ؟ .. ما مركزه في المجتمع ؟ ..
كل هذا لا يهم عمر رضي الله عنه لأنه لا يحابي أحداً في دين الله ..
ولا يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله ولو كان ابنه القاتل لاقتص منه
قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني ليلة ..
لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني ثم أعود إليك ..
والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا
قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ثم تعود إليَّ ؟
فسكت الناس جميعاً .. إنهم لا يعرفون اسمه ولا خيمته ولا داره ولا قبيلته ولا منزله ..
فكيف يكفلونه وهي كفالة ليست على عشرة دنانير ولا على أرض ولا على ناقة ..
إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف
ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ .. ومن يشفع عنده ؟ ..
ومن يمكن أن يُفكر في وساطة لديه ؟
فسكت الصحابة وعمر مُتأثر لأنه وقع في حيرة ..
هل يُقدم فيقتل هذا الرجل وأطفاله يموتون جوعاً هناك ..
أو يتركه فيذهب بلا كفالة فيضيع دم المقتول .
وسكت الناس ونكّس عمر رأسه والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟
قالا : لا .. من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين
قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس !!
فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده وصدقه وقال
يا أمير المؤمنين .. أنا أكفله
قال عمر : هو قَتْل
قال : ولو كان قاتلا !
قال : أتعرفه ؟
قال : ما أعرفه
قال : كيف تكفله ؟
قال : رأيت فيه سِمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب وسيأتي ان شاءالله
قال عمر : يا أبا ذرّ .. أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك !
قال : الله المستعان يا أمير المؤمنين
فذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاث ليالٍ يُهيئ فيها نفسه ويُودع أطفاله وأهله
وينظر في أمرهم بعده ثم يأتي ليقتص منه لأنه قتل
وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد يَعُدّ الأيام عداً ..
وفي العصر نادى في المدينة : الصلاة جامعة ..
فجاء الشابان واجتمع الناس وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر ..
قال عمر : أين الرجل ؟ .. قال : ما أدري يا أمير المؤمنين !
وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس وكأنها تمر سريعة على غير عادتها
وسكت الصحابة واجمين .. عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله
صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر
وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد لكن هذه شريعة لكن هذا منهج لكن هذه أحكام ربانية
لا يلعب بها اللاعبون ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها
ولا تنفذ في ظروف دون ظروف وعلى أناس دون أناس وفي مكان دون مكان
وقبل الغروب بلحظات وإذا بالرجل يأتي .. فكبّر عمر وكبّر المسلمون معه
فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك .. ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك !!
قال : يا أمير المؤمنين .. والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ..
ها أنا يا أمير المؤمنين تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية وجئتُ لأُقتل
فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان ؟
قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه
قال عمر : الله أكبر .. ودموعه تسيل على لحيته
جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما .. وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ
يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته .. وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك
وجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك ورحمتك
قال أحد المحدثين : والذي نفسي بيده .. لقد دُفِنت سعادة الإيمان والإسلام في أكفان عمر!!رحم الله أمير المؤمنين عمر .
وللفوز بجنة الخلد و النجاة من النار علينا الحرص كل الحرص على الآتي .....
1- اتباع تعليمات الله و سنة نبينا الحبيب بتحري الصدق في كل ما نقول و نفعل .
2- لا بد أن يكون الصدق منهاجاً نسير عليه مهما كانت الظروف .
3- عدم نقل الأكاذيب أو الشائعات و التي هى باب لنشر الفساد.
4- نأمر أبنائنا بالصدق فهو بداية لكل صلاح .
5- الصدق في نصح الناس فلا ننصحهم بما لا نفعل .6- الصدق مع شريك الحياة فهذا مايشعر الطرفين بالقرب من بعضهما البعض وبالمسئوليةفي تأكيد روابط الثقة بينهما الشيء الذي يمكنه أن يزيد المحبة و الود بينهما.
7 - الكذب كذب فلا يوجد كذب أبيض وكذب أسود .
وخير دليل على ذلك ما فعلته السيدة ليلى بنت أبي حثمة مع ولدها عندما
سمعها رسول اللَّه تنادي إبنها عبد اللَّه بن عامر وهو طفل فقالت: هاكَ، تعالَ أعطيك. فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم(: "وما أردت أن تعطيه؟". قالت : أُعطيه تمرًا.
فقال النبي صلى الله عليه و سلم (: "أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبة" [أبو داود وأحمد].
وهكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلميعلِّم أصحابه، ولاسيما أمام الأطفال؛
لكي تنشأ عندهم الأخلاق الإسلامية السامية،
فأعطى حينها درساً لكافة الأباء و الأمهات لكي يتعاملوا مع أبنائهم بالصدق
8- تذكروا معي هذا المثل .( الصدق مع الناس يرفع الراس )هذا مع الناس فما بالنا مع الله .وأريد أن أذكركم و نفسي بأن زرع الفضائل في أولادنا لا يتأتي فقط بإلقاء الأوامر والمواعظ المباشرة عليهمولكنه قد يأتي بموقف بسيط
يفضي إلى حدث عظيم يأخذون منه العبرة والحكمة . سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: (نعم).
قيل: أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: (نعم).قيل: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: (لا)
[مالك].9_ في الختام أوصيكم ونفسى بوصية لقمان "علموا أولادكم الصدق كما تعلموهم القرآن.
الروابط المفضلة