المرء يسلم باللسان ويعطبُ
قال صلى الله عليه وسلم:"إن شر الناس منزلة من تركه الناس إتقاء فحشه"
رغم أننا مسلمون وديننا من أرقى الأديان والذي علمنا وربانا على الأخلاق الحميدة وأدب الحوار وحفظ اللسان إلا أن البعض منا لا يتحلى بهذه الأخلاق ولا يطبق ما أمرنا الله به وخاصة حفظ اللسان .
هناك ظاهرة سيئة منتشرة عند معظم الناس وهي الشتم ، فمنهم من يعتبره صفة سيئة ومنهم من يعتبره تصرف طبيعي وعادي ومنهم من يتفاخر به ظناً منه أن الشتم قوة .
تختلف نظرة الناس للشتم كون أن الإنسان لا يتلفظ بألفاظ قبيحة إلا عند الغضب فكما ذكرنا آنفاً أن البعض يرى الشتم تصرف طبيعي لا داعي من التخلص منه لأنه يشفي الغليل .
إذاً سنتعرف في موضوع اليوم على الشتم وأسبابه وآثاره وطرق علاجه وعلى نقيضه وهو حفظ اللسان .
سنسأل أنفسنا أولاً لماذا نشتم ؟
- نشتم للدفاع عن النفس ، الكثير يظن أن الطريقة المثلى للدفاع عن النفس هي بالشتم لأنه يشفي الغليل ويخرج الشحنات الغاضبة من النفس ، إنهم لايعلمون أن الشتم والإنفعال دليل الضعف وليس القوة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " متفق عليه
يقول الشافعي :
يخاطبني السفيه بكل قبح .....وأكره أن أكون له مجيبا
فيزيد سفاهة وأزيد حلماً ......كعود طيب زاده الإحراق طيبا
- نشتم إذا تعرضنا للإستفزاز أو إلى الانتقاد الجارح من أشخاص لا يحبون لنا الخير .
إلى من يظن أن شتم اللئيم هو الخيار الأنسب لرد الإساءة فليقرأ هذا البيت :
وللكف عن شتم اللئيم تكرما .... أضر له من شتمه حين يشتم
- نشتم عندما لا يعجبنا سلوك معين من الآخرين ، مثلا نرى فتاة تمشي في الشارع تلبس ملابساَ غير محتشمة فنبدأ بشتمها ولعنها وأحيانا بالبصق عليها لأن سلوكها لم يعجبنا .
لا يحق لنا شتم الآخرين ولعنهم طالما أنهم لم يؤذونا فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" .
لماذا لا نستبدل شتمها بالدعاء لها بالهداية والسترة ؟ أليس هذا من شيم المسلم ؟
- نشتم أطفالنا عندما لا يسمعون الكلام ، إن أغلب الأمهات والآباء يشتمون أولادهم عندما يسيئون التصرف ، وفي المقابل عندما يشتم الأولاد نعاقبهم ونضربهم لأن الطفل يجب أن لا يشتم ، أعتقد أنه لا يجب أن نلوم أطفالنا عندما يتلفظون بألفاظ قبيحة فنحن من علمناهم ذلك .
أيها الآباء أيتها الامهات احفظوا لسانكم أمام أولادكم لأنكم قدوة لهم ، أي بدلا من شتمهم ادعو لهم بدعاء طيب حتى ولو كنتم غاضبون ، الدعاء بالخير لأطفالكم في لحظة الغضب مستجاب .
إليكم هذه القصة الرائعة عن إمام الحرم المكي سعود بن ابراهيم الشريم .
هل تعلمون كيف أصبح هذا الشيخ إمام الحرم ؟
يقول عندما كان صغيراً كانت أمه مشغولة بطهي الطعام وتجهيز الوليمة لضيوف زوجها فعندما سكبت الأرز في سدور كبيرة ووضعت عليه اللحم ، نادت على زوجها ليأخذها للضيوف وأثناء حديثها مع زوجها قام الشيخ سعود الشريم بوضع الرمل فوق الأرز حتى ملأ وجهه ، فماذا برأيكم كانت ردة فعل والدته عندما شاهدت هذا المنظر الرهيب بعد العناء والتعب ؟!! لقد دعت له وهي بكامل غضبها: (جعلك الله إمام الحرم يا سعود )
كان وقتها باب السماء مفتوح فاستجاب الله دعائها ، لم تشتمه ولم تضربه ولم تصرخ في وجهه فقط دعت له دعاءً رائعا .
- نشتم أيضاً عندما لا تسير الأمور كما يجب ، مثلا يخرج الرجل من بيته ليركب السيارة ثم يلاحظ أنها لا تمشي لعطل بسيط فيها فيبدأ بشتم السيارة وبركلها في قدميه وكأنها شخص يدرك ، ومثلا عندما تود إمرأة الخروج وتكون مستعجلة تلبس حجابها على عجلة فتمسك الدبوس لتثبت به الحجاب فيسقط منها بعيدا فتبدأ بشتمه وبلعنه وكأنه شخص عاقل يدرك ... وغيرها كثير من المواقف التي لا تسير كما نريد .
مهما حصل معكم مثل هذه المواقف ابتعدوا عن الألفاظ القبيحة وحوّلوا لسانكم من الشتم إلى ذكر الله مثل : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أستغفر الله العظيم ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ... وغيرها من الأذكار ، صدقا إن ترطيب اللسان بذكر الله أرقى وأجمل من الشتم واللعن .
- نشتم على الجيران عندما يزعجوننا ، فيشتم الجار على أولاد جاره لأنهم يسببون له الإزعاج في الطابق العلوي ،وتشتم الجارة على جارتها لأنها لا تريد أن تنظف الدرج و أسباب سخيفة أخرى لا معنى لها ، كم من الحروب والعداوات قامت بين الجيران جراء مسبة صغيرة فولدت ناراً مشتعلة بينهم دامت سنين ؟
أعتقد أنه لمن الهمجية والتخلف أن يشتم المسلم أخيه المسلم مهما كانت الأسباب .
والحل هنا بالكلام الليّن يصبح كل شيء هيّن ، إذا تضايقتم من جيرانكم من الجميل أن تكلموهم بالكلام الطيب الحسن وليس البذيء وتذكروا قول رسولنا صلى الله عليه وسلم " خير الجيران عند الله خيرهم لجاره" ، وقال صلى الله عليه وسلم:".[ ليس المؤمن بالطعان ، ولا بالعان ، ولا بالفاحش ، ولا بالبذيء ] . السلسلة الصحيحة ـ للألباني.
هذه هي أسباب الشتم وأشكاله وطرق التخلص منه آملة من الله أن تكونوا قد استفدتم منها .
وللشتم أيضاً آثار سيئة تعود على الفرد لا بد من معرفتها :
- أول شيء هو غضب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم
- ثانيا نفور الناس من الإنسان البذيء فيصبح مكروها وغير مرغوب فيه .
- ثالثا السمعة السيئة
- رابعا الشتم يقلل من قيمة الشخص ومقداره .
- خامساً الشعور بالندم والحسرة لأن الكلمة إذا خرجت لا تعود .
سادساً دائما الحق عليه وليس معه .
طالما أن للشتم آثار سيئة كثيرة إذا يجب أن نتحلص من هذه الصفة القبيحة ونستبدلها بخلق حسن وهو حفظ اللسان .
نهى الله تعالى عن شتم المسلم لأخيه المسلم وتسميته بأسماء يبغضها ، لأن الله أراد أن ويربينا ويهذب أنفسنا بحفظ اللسان .
قال تعالى :"" ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولانساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون"الحجرات
و قال صلى الله عليه وسلم :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" فلا تؤذي أحداً بلسانك وكن مسلماً قدوة.
لحفظ اللسان فوائد عظيمة لا يفهمها إلا من عود لسانه على الألفاظ الحسنة فمن تحلى بهذه الصفة فاز بالخير كله ، فمن حسنات هذه الصفة الجميلة :
- كسب رضا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
- كسب محبة الناس ؛ فمن يحفظ لسانه يكون محبوبا مرغوبا به في كل مكان .
- السمعة الحسنة والطيبة .
- كسب ثقة الناس به .
- الثقة بالنفس؛ لأن من يحفظ لسانه قليل ما يقع في الخطأ .
- التأثير في الناس بسهولة ؛ لأنه لا يؤذي الآخرين ولا يخطىء بحقهم ومعاملته حسنة مع الجميع .
- قدوة صالحة لأولاده ولجميع الناس .
- صاحب الحق دائما .
. هذا هو المسلم وهذه هي صفاته وهذا هو ديننا الذي لم يعلمنا شيء إلا وكان لصالحنا .
حتى نتعلق بحفظ اللسان أكثر ويصبح من صفاتنا الأولى تعالو نقرأ معاً هذه الأبيات الرائعة ونحفظها عن ظهر قلب ..
يقول الشافعي :
احفظ لسانك أيها الإنســــــان *** لا يلدغنك إنه ثعبــان
كم في المقابر من قتيل لسانه*** كانت تهاب لقاءه الأقران
يعتقد الذي يشتم أنه لدغ خصمه ، إنه لا يعلم أنه قد لدغ نفسه أولاً.
وقال علي رضي الله عنه أيضا :
احفظ لسانك واحترز من لفظه *** فالمرء يسلم باللسان ويعطب ُ
في الختام أود أن أقول أن هناك لغتان لا بد من تعلمهما وهما العفو والإعتذار
فإذا أساء الناس إليكم تعلموا لغة العفو
وإذا أسأتم إلى الناس تعلموا لغة الإعتذار
الآن وبعد أن تعرفتم على الشتم وجمال حفظ اللسان فماذا تفضلون ؟
أترك الإجابة لكم
الروابط المفضلة