هنا بجوار الكعبة المشرفة تُسكب العبرات
هذا هو أشرف مكان على وجه الأرض
وأقدس وأطهربقعة .. في العالم الفسيح
هنا
قلوب راغبة
أعين دامعة ..أكف ممتدة
كلها لها مطلب واحد
تسعى من أجل رضا الله
تطلب الأمان ... والراحة
في جوار بيت الله الحرام
عباد الرحمن
يأتون من أماكن بعيدة
يرجون رضا الله
ينسون كل نعيم الدنيا
أمام الكعبة المشرفة والصلاة لله عندها
يذرفون الدموع
وينثرون همومهم ودعواتهم بجانب البيت العتيق
الذي تهوي إليه القلوب
وذلك تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ..
كما في قول الله تعالى :
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37
يا مكة الخير يا أرض المسرات *** يا مشرق النور يا مهد النبوات
يا درة في جبين الكون ساطعة *** ويا عبيرا لأرواح زكيات
وكيف لا ننتشي شوقا إلى بلد *** نهفو له كل يوم خمس مرات
مشهد
حدثتني إحداهن ...تقول :
دخلت في وقت السحر إلى المسجد الحرام
في إحدى ليالي العشر الأواخر
اخترت مكانا بجانب الشرفات المطلة على الكعبة
تقول : ثم نظرت إلى يميني فرأيت قصرا عظيما يطل على الحرم
فناداني هاتف من داخلي أن
تأملي القصر ... تُرى ما بداخله ..من الأثاث والطعام ...و...و........؟؟؟!!
ألاترغبين في دخوله ؟؟؟
تقول :
ثم حانت مني التفاتة إلى السماء بسوادها والكعبة أسفل منها
وبكيت بقوة
أواه يانفس .... هنا في هذا المكان العظيم وترغبين في الدنيا !!
قلت لها : لا والله
لا أرضى عن بيت الله بديلا ولا متحولا ..
ولا منازعا
لحظة هنا لا تعادلها ساعات .... في قصور الدنيا
يا رب أطعمتنا من كل فاكهة *** تجبى إلينا بلا كد ولا تعب
وأنسنا بجوار البيت منزلة *** أغلى من الدور والياقوت والذهب
نعم أخية هناك ينسى المرء نفسه وأوجاعه وآلامه
ويتذكر أمرا واحدا أنه بين يدي الله
وفي جوار بيته
وبالقرب من رحمته سبحانه وتعالى ...
لكن ثمة أمر قد ننساه أو نغفل عنه ألا وهو :
التعظيم لله عز وجل
وليس لحجر أو تراب
نخن نعظم الكعبة وأرض البلد الحرام لأن الله تعالى هو الذي حرمها ...
ومن كان همه رضا ربه لابد أن يحترم حرمة هذه الأماكن المقدسة ويرعاها
في الحرم لابد أن يعظم المسلم ربه ...بقلبه وقوله وعمله
قال تعالى :
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32
القلوب المعظمة :
تخضع ... تذل ...تنكسر
لاتحتقر وتتكبر بسبب لون أو جنسية أو رائحة لأنها تعلم أن هؤلاء قد يكونوا أعظم قدرا منها عند الله تعالى
على الرغم من فقرهم وضعفهم...وما اصابهم من النقص في أمور الدنيا القلوب المعظمة :
تتفقد لسانها.... عينها ... وسااائر جوارحها ..
لاتضارب ولاتشتم ولا تخاصم ولا تنازع على أمور الدنيا...
بل تتنازل حتى ولو عن شيء من حقوقها ..
القلوب المعظمة:
تحرص ألا يصدر منها ذنب أو خطيئة
لا تلبس إلا ما يرضي الله ولا تغريها زينة الدنيا وأشكال التبرج
القلوب المعظمة :
تبتعد عن الظلم والاعتداء ...
إذا كان الله تعالى حرم أذى الحيوانات والطيور وصيد هذا البلدالحرام...
وحرم قطع الأشجار التي تنبت فكيف ...
فكيف تؤذي الناس وتزاحمهم وقد تتعرض لهم بشيء من الدفع والألم ...
القلب المعظم يحذر من الآثام والسيئات في كل مكان ..
لكنه في البلد الحرام يزيد بعدا عنها لأنها تزيد قبحا ...وتكون أعظم وأشد تحريما ...
ومن يقع في شيء من ذلك فقد عرض نفسه للوعيد الشديد ....
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }الحج25
معنى ومن يرد فيه بإلحاد:
ومن يرد في المسجد الحرام الميْلَ عن الحق ظلمًا فيَعْصِ الله فيه, نُذِقْه مِن عذاب أليم موجع.
القلوب المعظمة ..
تعلم أن الأجر له ميزان آخر في البلد الحرام
فتحرص على نفع المسلمين في ذلك المكان الذي تضاعف فيه الحسنات ..
وتعلم أن هناك جهال قد لايحسنون آداء الصلاة والوضوء ...
القلب المعظم هنا لايغتر بأنه من بلد كذا وعنده من العلوم كذا
بل يقترب من إخوانه برفق ويسر يعلم هذا ...وينصح هذا مقتديا بخير هذه الأمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ...
القلب المعظم يعلم أن هناك بطون جائعة أتت من بقاع بعيدة قد لاتملك حق شربة ماء ..
قد لاتجد مأوى ... فقد أنفقت كل مالديها في تكاليف رحلتها ...
وللأسف هناك من يحتقرهم ويتلفظ بكلمات تدل على ذلك وقد تكون منازلهم عند الله أعلى وأعظم
فأي أجر وثواااب ينتظر من أطعم تلك البطون ..!!
من أوى تلك الأجساد ...!!
بلى يا أخية هناك من يفعل ذلك والخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة
وإليك بعض الصور التي حكتها لي الثقات من الأخوات :
إحدى الداعيات من طالبات العلم بارك الله فيها تقضي أياما بجانب الحرم ...
تحرص على تعليم هذه ونصح هذه برفق ولين مقتدية بالنبي صلى الله عليه وسلم
........
أخرى تقوم بفتح جوالها ليكون دوليا حتى يتسنى لأخواتها من الدول الأخرى الاتصال على أهاليهن وأبنائهن حتى تطمئن قلوبهن والسبب أنها في أحد الأعوام كانت بالحرم وطلبت إحدى الأخوات جوالها ولم يكن فيه صفرا دوليا فتحسرت على ذلك ...
......
إحداهن كانت تقرأ القرآن قبل آذان المغرب .. فاجتمع حولها مجموعة من النساء العمانيات جزاهن ربي خير الجزاء
فرشن سفرة كبيرة وأخذن يفرغن التمر في الصحون ويوزعنه على النساء
ويصببن لهن القهوة التي يكون عليها إقبال.. وقامت الفتيات الصغيرات بالتوزيع ولم يتذكرن أنفسهن إلا في نهاية الأمر
حتى الماء أحضرن أوعية وملأنها بالماء وتسابقن لفعل الخير في زمن مبارك ومكان مبارك ..
سباق للأجور لا يحرص عليه إلا قلب معظم يبحث عن منفعة إخوانه بكل طريق ...
.وقد تكون هناك صور كثيرة تعلق بأذهاننا وتمر علينا . .
لاتعليق ...
فقط تذكير بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه دينا ، أو يطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ( يعني : مسجد المدينة ) شهرا ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه _ ولو شاء أن يمضيه أمضاه _ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام )، ( وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل . ( حسن ـ الكتاب :سلسلة الأحاديث الصحيحة / المجلد الثاني المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني
فكيف والمكان فاضل والزمن فاضل ...
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
أختي المسلمة العرب قديما كانوا يعظمون الحرم
تأملي معي ماذا كانوا يفعلون :
كانوا ... يبتعدون عن كل مال حرام
كان من تعظيم قريش للبيت أنهم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم ، وأن يخلوا ثياب الحل ، ويستبدلوا بها ثياب الحرم ، إما شرىً وإما عارية وإما هبة ، فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا . ( الفتح 5/214 )
وذلك حتى لا يطوفون بأموال يدخل فيها الحرام ...
كانوا .... لا يثأرون ممن اعتدى عليهم في أرض الحرم
من تعظيم أهل الجاهلية للبيت أن الرجل يرى فيه قاتل أبيه فلا يثأر منه ولا يزعجه .
قال القرطبي :" فكانوا في الجاهلية من دخله ولجأ إليه أمن من الغارة والقتل " الجامع 4/91 .
********
فنحن أهل التوحيد أولى منهم بتعظيم بيت الله الحرام وأرض الحرم ...
فلا تكن قريش .. والعرب أعلم وأفقه منا !!
وكذلك كان حال السلف ....
كان السلف الصالح يقدرون حرمة البيت ويعظمونه في نفوسهم تعظيماً عجيباً ، حتى إن منهم من تحرج من سكنى مكة خشية الوقوع في المعاصي .
قال ابن رجب :" وكان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب " وقال :
" روي عن عمر بن الخطاب قال : لأن أخطئ سبعين خطيئة يعني بغير مكة أحب إليّ من أن أخطئ واحدة بمكة ." جامع العلوم والحكم 2/318
احذري أخية :
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }الحج30
دعوة لأنفسنا وأهلينا في هذا الشهر الكريم بتعظيم بيت الله الحرام ..
والبعد عن كل ما يغضب الله عز وجل ...
وينافي الأدب مع رب العالمين أو بيوت الله جميعا ...
لابد من البعد عن كل أنواع المخالفات :
فلنحرص على تحقيق التوحيد في بيت الله الحرام
لابد أن نحقق:
الإخلاص ... الشرط الأول لقبول العمل ... فيكون التوجه لله وحده بالدعاء والعبادة وكل أعمالنا ..
المتابعة .... للنبي صلى الله عليه وسلم ....فلا نبتدع أعمال من عقولنا ونخالف بها هدي النبي صلى الله عليه وسلم
سواءا في الدعاء أو أعمال العمرة أو المناسك التي يقوم بها المعتمر ...
والطريق إلى ذلك العلم .. لنتفه بالعمرة قبل الذهاب إليها حتى يكون عملنا صوابا موافقا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ...
فهذان الشرطان لو حققناهما بصدق ... لتغيرت أحوالنا بإذن الله
إلى ما يرضي الله عز وجل سواءا في البيت الحرام
أو في بيوت الله كلها ...
الروابط المفضلة