كثيراً ما نسمع ونعيش الغيرة بين الأبناء بعضهم البعض ... وهذا شيء طبيعي
نسمع باستغراب عن غيرة بعض الأمهات من بناتهن ومحاولة الأم تقليد ابنتها في اللبس والزينة وطريقة الحياة وتصل أحيانا لمحاكاة البنت في تصرفاتها مع أن العكس هو المفروض....
مؤخراً ... بدأنا نسمع عن غيرة من نوع جديد...
غيرة الأب من ابنه مع أن الأب غالباً ما يتمنى أن يكون أبناؤه أفضل منه في جميع النواحي...
صراحة استهجنت الموضوع لكن بعد طرحه للنقاش في عدة لقاءات وجدت ان له مكان في حياة البعض...
...... فكم من أم اشتكت خفية من شعور ينتابها سببه غيرة زوجها من أولاده والذكور منهم خاصة
وان هذه الغيرة تبرز بمشاكل دائمة وصراخ تمتد معه يد الأب للصفع والرجل للركل وينتهي بطرد للولد من البيت ... حتى يهدأ الوالد أو لا يهدأ ويكون الشارع مرتعا للولد الذي يتساءل عما حدث وما الذي أوصل الأمور لهذا الحد..أي ذنب ارتكبه حتى استثار الوالد الحنون بهذا الشكل ودفعه لهذا التصرف الأهوج.......
كم من شاب ناقش أصحابه علاقة الأب بالأبناء ومع النقاش تهدج الصوت وترقرقت دموع في العين تكاد تفضح وتنبئ عما يعتل بداخل النفس....
لِم يعامل بعض الآباء الأبناء معاملة الشرطي للمشتبه فيه، يلاحقه ويخطئه ويأمره وينهاه ويعنفه على أقل هفوة...لم يتصيد له الهفوات والأخطاء ويحلوها لخطايا لا تغتفر....
حين ننظر لنتائج هذه التصرفات وما يصدر عنها من نتائج .. فلابد من وقوع الابن في أخطاء كثيرة يقل معها الصواب وتزداد صفحته أمام والده سوادا.... وفي النهاية تقل ثقة الابن بنفسه. ألا يشعر الآباء أنهم بهذه الطريقة يفقدون شيئا فشيئا علاقتهم بأبنائهم الذين تصبح لهم خصوصيات لا يطلعونهم عليها، وقد يكون منها ما يؤدي إلى فساد الولد او فقدانه للأبد....
ترى لو تساءلنا عن سبب هذه التصرفات أو الغيرة إن صحت التسمية ....
لوجدنا أن هذه النوعية من الآباء قد واجهت فشلا في أمر من أمور الحياة في فترة الصبا والشباب .....
وتملكتهم رغبة داخلية.... رغبة قوية بأن يقوم أبناءهم بتغطية ذاك النقص ولو على حساب الابن نفسه فينقلب ذلك عقابا للولد بدون تعمد.
كما أن بعض الآباء لديهم أحلاماً عجزوا عن تحقيقها لسبب ما.... فرغبوا وبقوة أن يحققها الأبناء .....وان يكون حلم الابن وهدفه امتدادا لحلم الأب.
بعض الآباء يجتهد ليكون ابنه نسخة منه.....
والبعض يتوقع من الابن النجاح في ما فشل فيه هو، ويضغط في هذا الاتجاه، والحجة أنهوفّر إمكانات لابنه لم تكن لتتوفر له.
إذن أين المشكلة ....
هل تكون في القصور الشديد لدى البعض في التعامل مع الحياة الحضارية والتشبث بما كان عليه الآباء والأجداد بأي صورة كانت ، فنجد نظرة بعض الآباء إلى أطفالهم كملكية خاصة يتعاملون معها كما يشاءون انطلاقا من قول الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) الذي فهموه فهماً خاطئاً وتناولوه من وجهة نظرهم الخاصة.
أم أن الآباء نسوا أو تناسوا شعورهم حين كانوا مراهقين وشبابا يتذمرون من طلبات وأوامر الآباء، ويجدون فيها إجحافاً بحقهم، وتقليلاً من شأنهم.
أم هي الفجوة بين الآباء والأبناء بأبعادها العمرية والفكرية والثقافية وما يتعلق بالعادات والتقاليد وما يرتبط بدخول تكنولوجيات جديدة وتطور على مختلف الأصعدة دور في إثارة بذور الغيرة ...
أم أن شعور يراود بعض الآباء بفقدان السيطرة على أبناءهم .... واختفاء الطاعة العمياء التي كان يقدمها الأبناء حين كانوا أطفالا....
أو كان الأب شخصيا يبديها لوالده وللجد والأعمام.... لنقل لكبار السن من العائلة
أثناء بحثي حول هذا الموضوع وجدت أمنيات الأبناء يقابلها أمنيات الآباء وهي أمنيات مشروعةالطرفين, تعبر عن رغبة صادقة في التفاهم والتصالح والتصافي,وعقد علاقة أوثق بين أبناء يحبون آباءهم ويحترمونهم,وبين آباء يحبون أبناءهم ويريدون لهم الخير كما يعبرون عن ذلك دائماً.
وقبل أن نبدأ بعرض الأمنيات ... أذكر أنني قرأت مرة أن علماء الآثار عثروا في العراق على لوح مسماري يحكي فيها أحد الآباء عن استياءه من هذا الجيل الذي لا يقدر الآباء ولا يحترم كبار السن..... أي أن المشكلة ليست عصرية وإنما قديمة قدم التاريخ كما يقال...
والآن....
لنأخذ أمنيات الأبناء كبداية:
أتمنى أن لا يتدخل أبي في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة في حياتي..أريده أن يمنحني شيئاً من الحرية والاستقلال.
أتمنى أن يحاورني في بعض الأمور المهمة,لا أن يطالبني بتنفيذها بالعنف والإكراه..أن لا يرغمني على فعل شيء بشكل سلطوي..بلبطريقة أبوية رحيمة.
أتمنى أن يتذكر شبابه, وهو يحاسبني أو يعاقبني أو يضيق الخناق علي.
أتمنى أن يحترمني أمام أصدقائي وزملائي,كما أحترمه أمام أهلي وأصدقائه وأقربائنا.
أتمنى أن يعرف أن لي ظروفي ومزاجي وقدراتي,كما أنه له ظروفه ومزاجه وقدراته,فيعذرني في بعض أخطائي غير المتعمدة.
أتمنى أن يدرك أنني مخلوق لزمان غير زمانه,وأن لا يجعلني نسخة منه في كل شيء.
أتمنى أن يرعاني ولكن بغير تدخل سافر في شؤوني الخاصة,ويكون حازماً معي بغير قسوة..أن يكون مستشاري بغير إملاءات وضغوط..وأن لا ينظر إلى إنجازاتي بعين صغيرة.
أما الآباء فكانت أمنياتهم كما يلي:
أتمنى أن يكون ولدي أفضل مني وليس امتدادي فقط.
أتمنى أن يحقق ولدي ما لم أوفق لتحقيقه في حياتي,وأن تكون طموحاته أوسع من طموحاتي.
أتمنى أن يستفيد من تجاربي,ولا يقع في بعض الأخطاء التي وقعت فيها,وأن يحقق لي طموحاتي التي عجزت عن تحقيقها.
أتمنى أن يعتبرني صديقه المخلص,فيبوح لي ببعض أسراره وهمومه ومشكلاته..أتمنى أن أكون صريحاً معه,وأن يكون صريحاً معي.
أتمنى أن يدرك أن غضبي عليه – إذا اخطأ أو قصر – هو حب وليس انتقاماً أو تنفيساً عن عقدة تسلط.
أتمنى أن يعرف أن أولادي متساوون عندي,وأنا أحبهم جميعاً,ولكنني قد أكره بعض الصفات لدى بعضهم,وأحب الصفات لدى البعض الآخر.
أتمنى أن أكسب ثقة أبنائي وبناتي,ليفتحوا لي قلوبهم على مصراعيها,ويشكوا آلامهم..ويبوحوا بدخائلهم..ويتبعوا إرشاداتي لأنها ناظرة إلى مصلحتهم.
مؤكد أختي أن لك وجهة نظر خاصة بك
ما رأيك أن تشاركينا أفكارك ونظرتك لهذا الموضوع ...
لأننا بالنقاش سنصل بإذنه تعالى لرأي موحد لمواجهة هذه الغيرة المرضية...
الروابط المفضلة