
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
كلنا مر بنا قوله تعالى :
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ / الأحزاب 8
جاء في تفسير القرطبي : لِيَسْأَل الْأَفْوَاه الصَّادِقَة عَنْ الْقُلُوب الْمُخْلِصَة
قيل: المراد سؤال الصادقين عما قصدوا بصدقهم أهو وجه الله أو غيره؟
يعني المقصود بهذا الوجه من التفسير هو النية من وراء الحديث الصادق لفظاً


أعتقد أن هذا المعنى يتجلى بوضوح في حياتنا الإجتماعية؛ نحن النساء بشكل خاص.
فكم من مرات نحدث بأمر صدق يكون له وقع سيء بل و ربما ضار على سامعيه..
إحدى معارفي فوتت على نفسها حضور جمعة لطيفة ، و نحن هنا في الغربة جمعاتنا الحلوة نادرة. سألتها عن سبب عدم حضورها، فقالت : كان علي أن أشتري هدية لفلانة ثم أذهب لحضور مناسبة معينة تقيمها. فقلت : و لكن كان بإمكانك أن تحضري المناسبتين معاً، فواحدة قبل الظهر و الثانية بعد المغرب. أجابت : خشيت أن تسألني إحدى الحاضرات صباحاً إن كنت قد دعيت لمناسبة فلانة في المساء، و أنا أعلم أنها لم تدعهن. فلا أنا أريد أن أنفي كذباً، و لا أريد أن أجيب بـ نعم، فأوقع في أنفسهن شيء من فلانة ( أي لأنها دعتها وحدها و لم تدعهن )
سبحان الله ! أول ما خطر ببالي : كان خلقه القرآن!
هذا هو الإسلام الحق، ليس الطهر الظاهري فقط ( الصدق في القول ) ، بل الطهارة الباطنية أيضا ( نية عدم توتير العلاقة بين صاحبة المناسبة و الأخوات الغير مدعوات) التي لم يعلم بها أحد إلا الله تعالى، و كفى به عليما..


" لِيَسْأَل الْأَفْوَاه الصَّادِقَة عَنْ الْقُلُوب الْمُخْلِصَة "
كثيراً ما نقول "الحقيقة" بأفواهنا، و لكن هل هذا يكفي أمام الله؟
أحيانا قد تتحدث إحدانا بين صديقاتها عن سفراتها و جولاتها و مشترياتها و هدايا زوجها.. كلام صحيح لا مبالغة فيه و لا كذب.. و لكن هل هي متأكدة من أنها لم تقصد من حديثها هذا إغاظة فلانة أو المباهاة أمام فلانة؟
أو أن إحداهن قد تروي حادثة عادية لا غاية منها ، إلا أنه يمر أثناء سردها إسم فلانة معينة تمر في ظرف معين، تعمدت إظهار إسمها متأملة أن تسأل إحدى الحاضرات : آه صح ، شو عاد صار بموضوع فلانة؟ و يتحول الموضوع للكلام عنها..
سبحان الله، من نخادع !
لا ننسى طبعاً أن نقل الكلام بين الناس من مجلس إلى آخر : هل سمعتِ ما قالت فلانة عن فلانة ؟ هل علمتِ بما حدث ... كلام قد ينقل حرفياً بلا كذب، و لكن فيه إفشاء لما يُكره إفشاؤه. كل ذلك يدخل في نطاق النميمة المحرمة شرعاً و التي قد قال فيها رسول الله عليه الصلاة و السلام في حديث صحيح : لا يدخل الجنة نمام.
ذكررجل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلاً بشيء، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: (إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبإ فَتَبَيَّنُوا) وإن كنتَ صادقاً فأنتَ من أهل هذه الآية: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ) وإن شئتَ عفونا عنك، قال: العفو يا أميرَ المؤمنين! لا أعودُ إليه أبداً.


هذا حال الصادقين
فما بال من هم غير ذلك...
نسأل الله العفو و العافية
إن أمور ديننا دقيقة ، و الميزان لا يضيع فيه مثقال ذرة
و الحمد لله رب العالمين
تعليق