السلام عليكم ورحمة الله وبركااته ..
هل أصبح التلفاز هو الذي يحكي للجميع؟! وهل تجمع أفراد الأسرة حول التلفاز هو بديل تجمعها حول قصص الأم والجدة؟! تعالوا معنا في هذه السطور.. نبحث عن الإجابة.
"كان ياما كان في قديم الزمان، وخير ما نبدأ به الكلام هو الصلاة على سيدنا محمد خير الأنام" هل ولى زمن هذه العبارة وانقضى زمن الحكايات؟ ذلك الزمن الذي كانت فيه الحكاية تحتل مركزاً مميزاً في حياتنا الاجتماعية بالنسبة للكبار والصغار.
التلفاز يغزو حياتنا الاجتماعية
شهدت السنوات الماضية تطوراً كبيراً في حياتنا الاجتماعية، فقد أدخلت الحضارة الحديثة أنماطاً من السلوك لم تكن سائدة من ذي قبل، وذلك تبعا للطفرة العلمية، وما تبعها من اختراع أجهزة حديثة- مثل التلفاز والكمبيوتر، والإنترنت فهذه الأجهزة دخلت إلى بيوتنا ورويدا رويدا أصبحت تحكم هذه البيوت أكثر مما نحكمها، نحن مالكيها، والتلفاز واحد من أكثر هذه الأجهزة تأثيراً في حياتنا الاجتماعية لتوفره لدى جميع الناس، وعدم حاجته لأي خبرة في التشغيل فبكبسة زر يخرج المارد من القمقم، وتعتقد أنه صار خادما مطيعاً، يسلي ويرفه ويعلم، متجاهلين أن المارد لا وجود له إلا في الحكايا الخرافية، وتعتقد بعض الأمهات أن التلفاز يشكل بالنسبة لها طوق النجاة يخلصها من الكثير من المشكلات والمهام، فعلى سبيل المثال هي لم تعد بحاجة لأن تجلس وتقص القصص على أولادها، لقد وُجد الآن من يقوم بهذه المهمة وبالصور، والألوان، والموسيقى أيضاً وارتاحت الأمهات، وركن إلى أن أطفالهن ينالون الرعاية التي يحتاجونها.
ولكن المشاكل التي بتنا نعاني نمها في تربية أولادنا وأخلاقهم، والدراسات التي تقدم كل يوم بالعشرات عن أخطار التلفاز، وكيف أنه يجعل المشاهد فريسة سهلة لما تروجه شركات الدعاية والإعلام ومحطات التلفاز الكبرى، كل ذلك جعل التساؤلات تلح علينا تطالبنا بالإجابة عنها، وما يهمنا من الأسئلة في هذا المقام هو:
هل يستطيع التلفاز أن يقوم بدور الأم في حكاية الحكايا لأولادها؟
في الحقيقة يجب أن ندرك أولاً أن الأم عندما تحكي حكاية لأولادها لا تقوم فقط بسرد الحكاية، أنها تقوم بمد جسور تواصل بينها وبين أولادها، لتبني علاقة قوية ستستخدمها فيما بعد في تربيتهم، وتوجيههم، إنها تبني أسرة مترابطة وتنمي بذور الحب، الذي هو من لوازم الحياة وأساسياتها ويكفينا تدليلاً على ذلك بتقديم صورتين الأولى لأم تجلس مع أطفالها في غرفة نومهم، تحكي لهم قصة، وتردد معهم بعض آيات القرآن الكريم، والأدعية المأثورة، ثم تدعهم يخلدون للنوم، وكلهم رضى.
وبين أم تركت مهمة ذلك للتلفاز فاختلت لشؤونها الخاصة، تاركة الأطفال لمشاهدة عرض قصة في التلفاز، أعده لهم الكفار، وأخرجه الفاسقون.
هذا من ناحية أما من الناحية الثانية فإن الأم عندما تحكي القصة تترك فرصة للطفل لكي يتخيل الشخصيات ويتخيل الأحداث والمواقف والأماكن، فينمو خياله، ويكون عنده فرصة ليبني تصوراته عن الناس والحياة، وهو من خلال هذه التصورات يمارس ضبطاً يناسب معارفه ومستوى إدراكه، كما أن في إمكانه أن يمارس ضبطا على سرعة وإيقاع المادة التي تقدم له، فكثير ما يطالب أمه بالتوقف عند نقطة معينة من القصة، أو يستفسر عن تلك الكلمة، أو يطلب أن تعاد قراءة بعض المقاطع إذا كانت الأم تقرأ له من كتاب.
والأم بشكل طبيعي، عندما تقرأ لأولادها تدرك المقدرة الفردية والقدرة على الاستيعاب عندهم، فتتوقف من أجل هذا، وتعطي مزيدا من التفاصيل من أجل ذلك، تجمل أحياناً، وتفصل أحياناً أخرى، أما التلفاز فهو أداة صماء يعرض الحكاية، باستمرار وبلا توقف ويقدم مادته بغزارة وتدفق، ويمطر الطفل بوابل من الأصوات والصور والإيقاعات التي لا يستطيع ضبطها ولا التحكم بها، ولا يعطي فرصة لخيال الطفل كي يعمل، وهذا كله يمنع الطفل من تدريب عقل، بعد أن منعه من استعمال خياله وكلاهما ضروري لنمو الطفل، نموا سليماً.
فعندما نقول في القصة أن سعيداً طفل وسيم يحاول الطفل أن يتخيل صورته ووسامته، وعندما نقول إنه فقير وملابسه ممزقة يحاول الطفل أن يبني في ذهنه صورة الملابس الممزقة بما يتناسب ومعارفه، وهكذا في كل شيء، فكل كلمة تتطلب من الطفل مجهوداً ذهبنا ليبني صورة لهذه الصفة أما التلفاز فإنه يقدم سعيداً بشكله وملابسه ومحيطه دفعة واحدة، سالبا الطفل متعة التخيل، وفائدة تنميته الخيال.
فلعل التلفاز يسلي الطفل، لكنه حتما لا يفيده في نموه، وفي نضجه الفكري والنفسي والعقلي.
البرامج التعليمية.. قد تدمر الطفل!
ويعتقد الكثير من الناس أن التلفاز قد يقوم بدور تعليمي، لذلك تحرص بعض الأمهات على اقتناء بعض أشرطة الفيديو لبرامج تعليمية للأطفال الصغار، مثل ( افتح يا سمسم)، أو غيرها من البرامج التي أعدت بتقنية عالية من أجل تلقين الأطفال الأحرف والأرقام، وإعطائه فكرة عن بعض المفاهيم المجردة.
وفي الحقيقة أن الأمهات عندما يفعلن ذلك يحمين أولادهن من البرامج غير المراقبة التي قد يدس فيها الكثير من الأفكار المنحرفة، الخطرة على سلامة تفكير الطفل ونفسيته ولكن هل هذه البرامج مفيدة حقا في تعليم الطفل؟
لن نجيب نحن عن هذا السؤال، سننقل الإجابة من كتاب " اللعب ونمو الطفل" الذي قامت بتأليفه ماريا بيرس وهي خبيرة دولية في نمو الطفل، وجنفيف ميليت لاندو وهي تشغل منصب مديرة مركز هاسبرو لنمو وتطور الطفل، فقد أجابتا عن هذا السؤال في الكتاب بقولهما:
" نحن لا نعتقد ذلك، إن هذا القرع المتكرر وبوابل من المشاهد والصور، لا يعطي لحواس هؤلاء الأطفال الصغار- قبل سن المدرسة- أية فرصة للاستجابة من خلال مشاعرهم وأفكارهم الخاصة، ولذلك يمكن القول إن تأثير كل ذلك على طفل صغير يمكن أن يكون مدمرا، فالطفل الصغير لم يزل في مرحلة البدء غير قادر على استخدام عمليات التفكير والتعبير اللفظي عنها وفي تكوين المفاهيم، وخاصة ذات الطبيعة المجردة كما أنه لم يزل في مرحلة البدء في ان يفهم ويضبط مشاعره وأحاسيسه فضلاً عن سلوكه، الطفل هنا في حاجة إلى وقت وحرية كافية لممارسة التفكير والتدرب على أساليب السلوك النابعة منه وحده لا من أحد غيره".
ضوابط مشاهدة الأطفال للتلفاز
وبعد أن عرضنا بعض النقاط المتعلقة بهذا الموضوع، لابد أن الكثيرات بدأن يشعرن بالحيرة وأكاد أسمع همسهن، ماذا نفعل والتلفاز أصبح جزءاً من نظامنا الاجتماعي؟
وهنا أقول عن الأم لابد أن تعتمد بعض الضوابط في استخدامها لهذا الجهاز الذي بدأنا نشعر بخطره يوما بعد يوم، حتى لا يضر هذا الاستخدام أولادنا وحتى لا ينقلب وبالا على الأسرة، ومن أهم هذه الضوابط:
1-يجب أن لا تزيد فترة جلوس الطفل أمام التلفاز على ساعة في اليوم مهما كانت الأسباب، لأن الوقت الذي يصرفه أمام التلفاز هو وقت مقتطع من لعبه ومن راحته، وهما ضروريان لنمو الطفل وعافيته.
2-عندما يكون الطفل في عمر مبكر- أقل من ثلاث سنوات- فإن القاعدة الأساسية هي أن لا يشاهد التلفاز مطلقا، وإن كان لابد فإن أفضل البرامج التي تناسبه هي التي أعدت لهذا العمر، والتي قام بالتمثيل فيها أطفال صغار.
3-البرامج التعليمية، يجب أن تكون معدة خصيصا للأطفال ولعمر يناسبهم، وهي مفيدة للأطفال في عمر المدرسة، وليس للأطفال الصغار.
4-القصص والحكايات والمسلسلات، لا بأس أن يشاهدها الأطفال ولكن يجب أن تكون مشاهدتها بمحضر أحد الأبوين، ليعرف ماذا يشاهدون، فالكثير من البرامج حتى المعدة للأطفال تتضمن أحيانا بعض الأفكار الخاطئة، والإيحاءات المنحرفة.
5-من أكبر أخطار التلفاز أنه يعلم الطفل السلبية، ولذلك يتوجب على الأم أن تقوم بعملية التصويب والتوجيه والتنبيه أثناء مشاهدتها التلفاز مع أولادها، ثم مناقشة ما يعرض عليهم فيما بعد.
6-تحلق الأسرة بكاملها حول التلفاز مفيد أحياناً في خلق الترابط الأسري وهي أفضل بكثير من المشاهدة الفردية، فمن الأفضل أن تكتفي بجهاز تلفاز واحد في البيت، وأن تحرصي عزيزتي الأم على مشاركة أسرتك البرنامج التلفزيوني الذي يحبونه، يدرك الجميع مثلما أدرك أن الأمر ليس على هذا القدر من السهولة، ولكن لابد أن أذكركم بالحكمة التي تقول بأن مالا يدرك كله لا يترك جله، وخير ما ننهي به الكلام الصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام.
من مجلة ولدي ..
الروابط المفضلة