آثارها
قال الله تعالى :
(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)(الأحزاب : 58).
*فيا لله كم لهذه : ((الوظيفة الإبليسية)) من آثار موجعة للجرّاح نفسه؛ إذ سلك غيرسبيل المؤمنين .
منها سقوط الجراح من احترام الآخرين, وتقويمه بأنه خفيف, رقيق الديانة ,صاحب هوى, جره هواه وقصور نظره عن تمييز الحق من الباطل , إلى مخاصمة المحق ,والهجوم عليه بغير حق .
*وكم أورثت هذه التهم الباطلة من أذى للمكلوم بها من خفقة في الصدر , ودمعة في العين , وزفرات تظلم يرتجف منها بين يدي ربه في جوف الليل , لهجاً بكشفها مادّاً يديه إلى مغيث المظلومين , كاسر الظالمين .
والظالم يغط في نومه , وسهام المظلومين تتقاذفه من كل جانب , عسى أن تصيب منه مقتلا .
فيا لله : " ما أعظم الفرق بين من نام وأعين الناس ساهرة تدعو له , وبين من نام وأعين الناس تدعو عليه" .
*وكم جرت هذه المكيدة من قارعة في الديار , بتشويه وجه الحق , والوقوف في سبيله , وضرب للدعوة في عظماء الرجال باحتقارهم وازدرائهم,والاستخفاف بهم وبعلومهم , وإطفاء مواهبهم , وإثارة الشحناء , والبغضاء بينهم .ثم هضم لحقوق المسلمين : في دينهم , وعرضهـم .
وتحجيم لانتشار الدعوة بينهم,بل صناعة توابيت , تقبر فيها أنفاس الدعاة ونفائس دعوتهم ؟؟
وقال الحافظ ابن عساكر – رحمه الله تعالى :
"واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته ، أن لحوم العلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لأن الوقيعة فيهم مرتع وخيم ،والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم …." .
سندها
* ومن مستندات الجراحين : تتبع العثرات ، وتلمس الزلات ، والهفوات.
فيجرح بالخطأ ، ويتبع العالم بالزلة ، ولا تغفر له هفوة .وهذا منهج مرد.
فمن ذا الذي سلم من الخطأ – غير أنبياء الله ورسله - ، وكم لبعض المشاهير من العلماء من زلات ، لكنها مغتفرة بجانب ما هم عليه من الحق والهدى والخير الكثير:
من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
ولو أخذ كل إنسان بهذا لما بقي معنا أحد ، ولصرنا مثل دودة القز ، تطوي نفسها بنفسها حتى تموت .
وانظر : ما ثبتفي (( الصحيحين )) عن جابر -رضي الله عنه- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم " .
هذا وهم أهل بيت الرجل وخاصته فكيف بغيرهم ؟
وما شُرع أدب الاستئذان ، وما يتبعه من تحسيس أهل البيت بدخول الداخل إلا للبعد عن الوقوع على العثرات فكيف بتتبعها .
ومن طرائقهم :
ترتيب سوء الظن ، وحمل التصرفات قولاً ، وفعلاً على محامل السوء والشكوك
ومنه : التناوش من مكان بعيد لحمل الكلام على محامل السوء بعد بذل
الهم القاطع للترصد ، والتربص ، والفرح العظيم بأنه وجد على فلان كذا ، وعلى فلان كذا .
ومتى صار من دين الله : فرح المسلم باقتراف أخيه المسلم للآثام .
ألا إن هذا التصيد ، داء خبيث متى ما تمكن من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان ، وصير القلب خراباً يباباً ، يستقبل الأهواء والشهوات، ويفرزها. نعوذ بالله من الخذلان
دوافعها
حينئذ يأتي السؤال :ما هي الأسباب الداعية إلى شهوة التجريح بلا دليل؟
والجواب : أن الدافع لا يخلو :
*إما أن يكون الدافع (( عداوة عقدية في حسبانه )): فهذا لأرباب التوجهات الفكرية ، والعقدية المخالفة للإسلام الصحيح في إطار السلف.وهؤلاء هم الذين ألقوا بذور هذه الظاهرة في ناشئتنا .
*أويكون الدافع من تلبيس إبليس ، وتلاعبه في بعض العباد بداء الوسواس : وكثيرا ما يكون في هؤلاء الصالحين من نفث فيهم أهل الأهواء نفثة ، فتمكنت من قلوبهم ، وحسبوها زيادة في التوقي الورع ، فطاروا بها كل مطار حتى أكلت أوقاتهم ، واستلهمت جهودهم ،وصدتهم عما هم بحاجة إليه من التحصيل ، والوقوف على حقائق العلم والإيمان.
وكأن ابن القيم – رحمه الله تعالى – شاهد عيان لما يجري في عصرنا إذ يقول :
(ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام ، والظلم ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم ، وغير ذلك .
ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى نرى الرجل يشار إليه بالدين ، والزهد ، والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ، وينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ، بين المشرق والمغرب .
وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول )انتهى.
*أو يكون الدافع : (( داء الحسد والبغي والغيرة )):وهي أشد ما تكون بين المنتسبين إلى الخير والعلم ، فإذا رأى المغبون في حظه من هبوط منزلته الاعتبارية في قلوب الناس ، وجفولهم لهم عنه ، بجانب مــا كتب الله لأحد أقرانه من نعمة – هو منهــــا محروم - ، من القبول في الأرض ، وانتشار الذكر ، والتفاف الطلاب حوله ، أخذ بتوهين حاله ، وذمه بما يشبه المدح ، فلان كذا إلا أنه …
وقال أبي حازم :
((العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لميزه عليه حتى كان هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجه إليه ، ولا يذاكر من هو مثله ، ويزهى على من هو دونه ،فهلك الناس)) .
وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم وابن عمته : الزبير بن العوام – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد ، والبغضاء ، البغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا , ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم : أفشوا السلام بينكم ".
*أو الدافع : (( عداوة دنيوية )):فكم أثارت من تباغض وشحناء ، ونكد ، ومكابدة ، فهؤلاء دائما في غصة من حياتهم ، وتحرُّق على حظوظهم ، ولا ينالون شيئا .
الروابط المفضلة