نحبهم فيكونون لنا وطنا وفيّ , بحبهم وقربهم ونصحهم ,
يُسعدونا بهمساتهم وقربهم وتربيتهم على قلوبنا إن مسّها وجع ,
يُجبروننا أن ننزع معطف القوة الذي نرتديه أمامهم , فنبكي كـ الأطفال حين يلوح ألم وبراحاتهم الحانية يمسحون آثار دموعنا ,
يبثون فينا معاني الصبر ويشدون على أيدينا أنِ اصبروا ,
يُشاركوننا أفراحنا فيفرحون لنا أكثر منّا , يملأون أيامنا بعبق تواجدهم , آثارهم نجدها في كل مكان حولنا ,
فيكون بعد كل ذلك من الصعب علينا أن نفتقد حضورهم , ولا نتخيّله أبدا ,
فيأتي كـ أوجعِ مايكون !!
نتألم فـ نبكي , ونغصّ بمدامعنا , نتشبثُ بذكرياتهم , نتأمل كل شيء , ندعو لهم , ثمّ لا نلبث أن نبحث لنا عن أوطانٍ أخرى نأوي إليها ,
وحين نجدها تُعاد كل تلك الحكاية , حتى يُصبح لنا بعد ذلك الكثير من الأوطان الخالية التي لا نجد أحدا بها بعد أن كانت مزدحمة بهم ,
حينها نعلم أنّ كل الأشياء القريبة لا تبقى ! لأنها حكمة الله ,
وأننا في لحظة نجد أن كلّ هؤلاء الأشخاص والأوطان التي كانت أقرب ماتكون , نجدها أبعد ماتكون !
قد يكون مؤلما على قلوبنا أن نعلم شيئا كذلك , لكنه (اللطيف) سبحانه ساق لنا من ألطافه مافيه صلاحنا من حيث لا نشعر , فليست ألطافه فقط تأتي كما نريد بعض ألطافه سبحانه في ظاهرها ليست كما نُحب لكنه يسوقها لنا لصلاحنا ,
ومن ذلك ما كان ليوسف عليه السلام حين أُلقي في الجُب ثم دخل السجن وكل ماحدث له بدايةً كان ظاهره مكروه لكن كان ذلك من ألطاف الله له حيث ساقه بعدها لما فيه الخير العظيم ودليل ذلك أنه قال في آخر القصة { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيم }
عليم بأحوالنا وحكيم في أقداره علينا يسوق لنا مافيه صلاحنا ,
فحين وجد قلوبنا سكنت إليهم , أبعدنا عنهم وأبعدهم عنا كـ ألطف مايكون ليعود بقلوبنا إليه ,
فالحمدلله أن ضاقت بنا كل الأوطان وخارت بنا كل الأركان حتى نوقن بأنه وحده الركن الشديد الذي نأوي إليه ,
الحمدلله , رضيتُ بالله ربا .. رضيتُ بالله ربا ..
يقول ابن الجوزي - رحمه الله - :
(تأملتُ فإذا الله سُبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعَل لهُ شيئاً يأنس به فهو يكدرْ عليه الدنيا و أهلها ليكون أنسهُ بالله وحده )
: