“مرض التوحد هو اضطراب عصبي لا يعرف مصدره، وهو شكل من اشكال إعاقة التطور النفسي الحركي التي يتم
تشخيصها في معظم الأحيان خلال الثلاث السنوات الأولى من عمر الطفل وهو حالة من حالات الإعاقة التي لها
تطوراتها، وتعوق بشكل كبير طريقة استيعاب المخ للمعلومات ومعالجتها. كما أنها تؤدي إلى مشاكل في اتصال الفرد
بمن حوله، واضطرابات في اكتساب مهارات التعلم والسلوك الاجتماعي”.
تؤثر هذه الإعاقة في وظائف المخ، وتقدر نسبة الإصابة بها بنحو 1 بين كل 500 طفل وبالغ في الولايات المتحدة
الأمريكية.
لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد المصابين في كل دولة. وما يعرف هو أن إعاقة التوحد تصيب الذكور أكثر من
الإناث، أي بمعدل 4 إلى 1. تؤثر إعاقة التوحد في التفاعل الاجتماعي في مهارات التواصل لدى الطفل وقد لا يبدأ
الكلام قبل سن 5 سنوات هذا بالإضافة إلى البطء في المهارات التعليمية وعدم القدرة على التركيز والاستيعاب، كما
يعاني 25% منهم من حالات صرع وفرط الحركة، بالإضافة إلى أن بعض الأطفال تكون لديهم إعاقة حسية تظهر في
ما يقومون به من أفعال متتالية وثابتة وحساسيتهم المفرطة في الذوق والشم واللمس والتوحد إعاقة تصيب الأسر
من جميع الطبقات الاجتماعية ومن جميع الأجناس والأعراق.
منذ الطفولة المبكرة يلاحظ الأهل أن الطفل الرضيع لا يتواصل مع أمه وأبيه فالتواصل من خلال النظر يكاد يكون
معدوماً أو في أقل درجاته والرضيع لا يتفاعل مع البيئة من حوله فهو لا يبتسم لمن حوله رغم محاولتهم استمالته
ومع مرحلة الطفولة المبكرة يكون الطفل منعزلا عن المجتمع ويفضل اللعب وحده ويلاحظ تأخر الكلام.
وتبعا لدليل الجمعية الأمريكية للطب النفسي لتشخيص الاضطرابات العقلية، فان تشخيص التوحد Autism يعتمد
على المعايير التالية والتي تظهر عادة منذ مرحلة الطفولة المبكرة:
أولا قصور نوعي في التفاعلات الاجتماعية المتبادلة، حيث إن الطفل المصاب بالتوحد لا يهتم بمشاعر الآخرين ولا
يعي وجودهم ويتعامل معهم بعدم اكتراث فهو لا يشعر بالشخص الذي يبدي علامات الضيق نتيجة لتصرفاته الخاطئة
ولا يفهم حاجة الآخرين الى الخصوصية ولا يشعر بالحاجة إلى مساعدة الآخرين له.
ويبدي مريض التوحد قصورا كبيرا في القدرة على بناء علاقات صداقة مع الآخرين فهو غير قادر على فهم أصول
التفاعل الاجتماعي وهو لا يشارك بالألعاب الجماعية بل يفضل أن يلعب وحده.
ثانيا قصور نوعي في التواصل اللفظي وفي النشاط التخيلي، حيث يُظهر مريض التوحد أسلوبا شاذا في التواصل فلا
يرحب بالزوار ولا ينظر إلى الشخص الذي يتفاعل معه ولا يبتسم له ويحملق بطريقة ثابتة في المواقف الاجتماعية،
وهو يبدي قصورا واضحا في القدرة على تقليد الآخرين أو التحدث معهم، ورغم امتلاكه للقدرة على الكلام فهو أحيانا يكرر التحدث في موضوع معين على الرغم من عدم استجابة الآخرين له وقد يقوم مريض التوحد بإخراج
الكلام بطرق شاذة سواء من حيث شدة الصوت أو علوه أو معدله. ثالثا إظهار مدى محدود من النشاطات
والاهتمامات حيث يبدي الطفل إصرارا غير معقول على اتباع نفس النمط في النشاطات مثل الإصرار على اتباع
نفس الطريق عند التسوق أو الإصرار على حمل شيء معين أو خيط أو لبس شيء معين أو لمس شيء معين
بشكل متكرر وعلى سبيل المثال يصر على وضع حذائه بمكان معين وبطريقة معينة لايغيرها مع مرور الايام. رابعا
ويبدي طفل التوحد حركات جسمية نمطية بعينها كهز الرأس بشكل متكرر أو ثني اليدين بطريقة معينة، ويظهر
انفعالا شديدا عند حدوث أي تغيرات بسيطة في بيئته مثل تغيير مكانه في الصف الدراسي أو حتى تغيير مكان
وضعه لكتابه أو أي قطعة من ملابسه. يقلق والدا الطفل غالباً عندما يبلغ السنتين من عمره من دون أن يتكلم
كأقرانه، وقد يلاحظان عليه عدم التركيز البصري أو عدم ربطه للأمور. وقد تظهر على البعض الآخر سلوكيات
غريبة مثل الرغبة في إيذاء الذات، والأطفال الكبار يعانون أيضا من فرط النشاط الحركي والحركات غير الهادفة.
الاسباب
التوحد هو اعاقة في النمو الاجتماعي تتصف بكونها مزمنة وشديدة وهنالك استعداد ارثي للمرض حيث يشاهد بين
افراد الاسرة الواحدة بنسبة اعلى من المعدل العام لانتشار المرض. وقد يكون نتيجة أسباب جينية وقد حدث بعض
التقدم خلال الخمس سنوات الماضية في علم الجينات الوراثية وتعرف بعض العلماء على بعض الجينات المسببة
للإصابة بالتوحد ومع ذلك تظل هي الأكثر تعقيداً فقد تشتمل على 5 إلى 15 من الجينات المؤدية للإصابة بهذه
الإعاقة، وقد لوحظ ترافق هذا المرض مع التشنجات عند الأطفال.
- كما أن العوامل التي تتصل بالبيئة النفسية للطفل لم يثبت أنها تسبب هذا النوع من الإعاقة حيث كان يظن سابقاً
ان التوحد ينتج عن انماط سيئة من التعامل الأسري. - ويظهر التوحد بين هؤلاء الذين يعانون من مشاكل صحية
أخرى مثل الاصابة ببعض الامراض الوراثية (Fragile X Syndrome) واصابة الام ببعض الامراض خلال
فترة الحمل كالحصبة الالمانية (Congential Rubella Syndrome ) وبعض امراض الاستقلاب مثل
(Phenylketonuria ) التي لم يتم علاجها بشكل مبكر بعد ولادة الطفل، وبعض الامراض الاستحالية
(Tuberous Sclerosis) وكذلك تناول العقاقير الضارة أثناء الحمل من دون الاستشارة الطبية. وكذلك فقد
شك بعض العلماء بانه قد يكون بسبب اعطاء الطفل الرضيع في طفولته المبكرة بعض انواع المضادات الحيوية من
غير استشارة طبية ما يؤدي إلى القضاء على البكتيريا النافعة والضارة في أمعائه فيؤدي ذلك إلى تكاثر الفطريات
فيها، والتي تقوم بدورها بافراز المواد الكيماوية مثل “الترتريك” و”الأرابينوز” اللتين تكونان موجودتين أصلا
ولكن بكميات صغيرة. وقد لوحظت زيادة ونمو وتكاثر الفطريات في الأطفال الذين يعانون من التوحد بسبب كثرة
استعمال المضادات الحيوية وهنالك جدل ومنذ فترة طويلة حول احتمال ان تكون للقاح ال M.M.R الخاص
بالحصبة والحصبة الالمانية والنكاف له علاقة بالاصابة بالتوحد ولكن لا توجد ادلة قطعية تثبت صحة هذا الافتراض،
حيث لوحظت اصابة اعداد لا تتجاوز اصابع اليد من مئات الملايين من الاطفال الذين تم اعطاؤهم اللقاح في كافة دول
العالم وعلى العموم إن الاسباب المباشرة للاصابة بالتوحد لا يمكن تحديدها في معظم الحالات.
التشخيص
يعتمد الأخصائيون في تشخيص التوحد على ملاحظة الخصائص السلوكية لكل فرد. ويجمع معظم الخبراء على أن
تشخيص التوحد ليس أمرا سهلا ويتطلب مشاركة فريق متعدد التخصصات يشمل الاخصائي النفسي، أخصائي
الأطفال، أخصائيا تربويا، وأخصائي قياس سمعي.
إن التخلف العقلي والاضطراب اللغوي حالتان يجب التأكد من عدم وجودهما قبل تشخيص الاضطراب على أنه توحد.
ويلعب الوالدان دورا حيويا في عملية التشخيص من خلال تقديم المعلومات عن التاريخ التطوري للطفل وأنماطه
السلوكية وكذلك يجب فحص الطفل فحصا سريريا وعصبيا دقيقا ويجب استبعاد بعض المشكلات الجينية والوراثية
ويجب إجراء بعض الفحوص المخبرية لاستبعاد بعض المشاكل الطبية مثل متلازمة الفينيل كيتون يوريا
(phenylketoneuria) المعروف اختصارا ب (PKU) حيث يصاب الطفل وبشكل تدريجي بالتأخر العقلي
الشديد الذي يترافق مع القيء.
الكوموزوم الأنثوي (X) حيث يصاب الطفل بتخلف عقلي بسيط الى متوسط يتظاهر مع استجابات حركية تكرارية
وحساسية مفرطة للصوت مع اضطرابات في الأداء اللفظي.
وقد يلجأ الطبيب إلى إجراء تخطيط كهربائي للدماغ وتصوير طبقي (محوري) (C.T.Scan أو التصوير بالمرنان
(M.R.I) لاستبعاد أي عيوب عصبية بالإضافة إلى إجراء تقييم لمعدلات الذكاء (I .Q) والتي تكون هنالك صعوبة
في اجرائها وذلك نتيجة الصعوبات اللغوية التي يعاني منها الطفل وصعوبات التواصل وغالبا ما تكون اختبارات الذكاء
أقل من المعدل الطبيعي. وتجدر الإشارة إلى أن حصول الطفل على معدل مقبول في اختبار الذكاء مع قدرته على
الكلام بشكل منطقي عند عمر 5 سنوات يعطيان مؤشرا جيدا لإمكانية التحسن في المستقبل.
يتم تشخيص التوحد في الوقت الحاضر من خلال الملاحظة المباشرة لسلوك الطفل بواسطة اختصاصي معتمد وعادة
ما يكون اختصاصيا في نمو الطفل أو طبيب اطفال، وذلك قبل عمر ثلاث سنوات. وفي نفس الوقت، فإن تاريخ
نموالطفل تتم دراسته بعناية عن طريق جمع المعلومات الدقيقة من الوالدين والأشخاص المقربين الآخرين الذين لهم
علاقة بحياة الطفل مباشرة، ويتم تشخيص التوحد اعتمادا على وجود الضعف الواضح والتجاوزات في الأبعاد
السلوكية التي تم ذكرها سابقا واذا اجتمعت ثلاثة أنواع من السلوكيات سويا لدى الطفل يتم تشخيصه بالتوحد.
العلاج
لا يوجد دواء بعينه يساعد على علاج حالات التوحد، لكن هناك مجموعة من الحلول مجتمعة مع بعضها اكتشفتها
عائلات الأطفال المرضى والمتخصصون، وهي حلول فعالة في علاج الأعراض والسلوك التي تمنع من ممارسة
حياتهم بشكل طبيعي وتعرف باسم العلاج ثلاثي الأبعاد.. نفسي.. والاجتماعي.. والدوائي. إن التدخل السريع
والمكثف لعلاج التوحد قد تكون له نتائج جيدة في حال تضافر جهود الأسرة والفريق الطبي والمدرسة التأهيلية ويلجأ
إلى استعمال العقاقير الطبية للتخفيف من بعض الأعراض المحددة المرافقة للانفصال التوحدي، وقد تشتمل هذه
الأعراض على إيذاء الذات والسلوك العدواني والنشاط الزائد والاكتئاب والسلوك القهري.
وتجدر الإشارة إلى أن إعطاء العقاقير الطبية بمفردها ليس العلاج الأوحد للتوحد فالأطفال الذين يعانون من هذه
الحالة بحاجة إلى علاج مكثف ومستمر يتضمن العلاج السلوكي والتخاطبي لتحسين الكلام والتعديل البيئي.
- وتشمل العقاقير الطبية العقاقير، العقاقير المهدئة والتي تستخدم لمعالجة السلوك العدواني والإيذاء الذاتي ومن هذه
العقاقير: الميلاريل Mellaril مثلا. وفي حال وجود تشنجات عصبية فقد تعطى بعض الأدوية مثل التجرتول Tegretol، والديباكين Depakine ، وادوية القلق مثل الفاليوم Valicum والليبريوم Librium . وفي
حال وجود مشكلة النشاط الزائد ومشكلات التشتت والتركيز فقد يلجأ إلى استعمال بعض العقاقير المنشطة مثل
الريتالين Ritalin والدكسدرين Dexidrine . ويجب التنبيه إلى أن كافة الأدوية العصبية يجب أن تعطى تحت
إشراف طبي صارم وتحتاج إلى متابعة مستمرة من قبل الطبيب لتعديل جرعات الدواء حسب استجابة الطفل وحاجته.
ويجب تزويد الآباء الراغبين في تجريب العقاقير الطبية بالمعلومات اللازمة للحفاظ على مستوى غير خطر من
الجرعات ولإدراك المخاطر المحتملة والتأثيرات الجانبية السلبية المتوقعة لهذه العقاقير.
- وقد لوحظ تحسن العديد من الأطفال باتباع حمية غذائية تحتوي القليل من السكر والشوكولاته والقمح والطحين
ومحاولة الحد إلى أقصى درجة ممكنة من المواد الغذائية غير الطبيعية والملونات والاعتماد على الغذاء الطبيعي
المنشأ.
- ولقد اكتشف الباحثون ارتفاع معدلات مادة Serotonin في الدم لدى ثلث الأطفال الذين يعانون من التوحد.
وباستخدام العقاقير التي تسمى (Serotonin Re-Uptake Inhibitor) والتي تلطف الأعراض ومنها:
Anafranil وProzac لوحظت استجابة بعض الأطفال ممن يعانون من السلوك المتكرر والتهيج والاستثارة
والسلوك العدائي، وتحسن ملحوظ في الاتصال العيني مع الآخرين والاستجابة لمن حولهم وهنا نكرر اهمية المتابعة
الدورية من قبل طبيب متخصص لأن هذه الادوية لها اعراض جانبية عديدة ولاتخلو من المخاطر.
- واخيراً تجدر الاشارة الى نقطة مهمة تفيد في حل هذه المشكلة الشائعة من دون اعراض جانبية تذكر فمنذ ما
يزيد على عشرة أعوام، كثر الجدل حول فائدة مكملات الفيتامين والمعادن في علاج أعراض التوحد، حيث أوضحت
بعض الدراسات أن بعض الأطفال يعانون من مشاكل سوء امتصاص الأطعمة ونقص في المواد الغذائية التي يحتاجها
الطفل نتيجة لخلل في الأمعاء والتهاب مزمن في الجهاز الهضمي، ما يؤدي إلى سوء هضم الطعام وامتصاصه، ومن
أكثر الفيتامينات شيوعاً في الاستخدام لعلاج التوحد نجد فيتامين - Complex ) B ) وبشكل خاص الفيتامين B6
الذي يلعب دوراً كبيراً في تصنيع الإنزيمات التي يحتاجها المخ، ويجعل الموجات الدماغية طبيعية، وفي حوالي
عشرين دراسة تم إجراؤها، ثبت أن استخدام فيتامين B- Complex ) ) بالاضافة الى الماغنسيوم الذي يجعل
هذا الفيتامين فعالاً، ويحسن من حالات التوحد على ان يتم اعطاؤه لمدة 2 الى 3 شهور وتجدر الاشارة الى ان
مرضى التوحد يعانون بشكل عام من نقص في الفيتامينات وبشكل خاص ال B والسلنيوم، الزنك، الماغنسيوم،
بينما على الجانب الآخر يوصى بتجنب تناول الأطعمة التي تحتوي على نحاس على أن يتم تعويض “الجهاز المناعي
وتوصي أيضاً بعض الدراسات الأخرى بضرورة تناول كميات كبيرة من الكالسيوم. وقد لوحظ عند تطبيق هذه الحمية
الخاصة أن شريحة واسعة من مرضى التوحد أبدت تحسنا عاما حيث لوحظ تحسن الاتصال العيني والقدرة على
الانتباه وتحسن في المهارات التعليمية وتصرفات معتدلة إلى حد ما. كما لوحظ ان الفيتامينات الأخرى مثل
فيتامين “ج” تساعد على زيادة التركيز ومعالجة الإحباط، ولضبط هذه المعدلات لابد من إجراء اختبارات للدم لقياس
مستوى هذه الفيتامينات والمعادن النادرة في الدم فقد يؤدي ارتفاع مستواها في الدم الى إضرار بالجسم.
والعلاج التأهيلي يعتمد على الحاق الطفل بأحد المراكز التأهيلية الخاصة حيث يحضر الاولاد المصابون بالتوحد خلال
ساعات النهار ويتم تدريبهم على ايدي فنيين متخصصين بعلاج التوحد، وذلك من خلال ممارستهم للعب بالاضافة
الى جلسات العلاج التخاطبي الخاصة. وتجدر الاشارة الى اهمية اجراء تحليل نفسي للطفل وتحليل الاتجاه السلوكي
ليتم بعد ذلك تطبيق اساليب تعديل سلوكيات الطفل وتأهيله للالتحاق بالمدارس.
02:01 آخــر تحديــــث 2007-04-01
طفلي سلوكهُ غريب
صحة المرأة والطفل ... التوحد
إعداد : د . محمد صفوان الموصلي
ماجستير طب الأطفال والرضع وحديثي الولادة
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة