
الحمد للّه نستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا
من يهده اللّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
قال تعالى:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ)
يوسف
أخوتى فى الله
نبى الله وخليله إبراهيم عليه السلام
ثانى أولو العزم من الرُسل
هو أحد أولو العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا وهم:
نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد بترتيب بعثهم
أخوتى فى الله
هلموا بنا نتعرف على خليل الله أبو الأنبياء
الذى من الممكن نضع له عنوانا هو:
"إعمال العقل فى الوصول للخالق العظيم"
وإبراهيم هو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب
ورغم حدة الشدة وعنت البلاء كان إبراهيم هو العبد الذي وفى وزاد على الوفاء بالإحسان
قال تعالى في سورة (النجم):
(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)
النجم : 37
وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب
وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه قال تعالى في سورة (البقرة):
(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)
البقرة :130
وأثنى الله سبحانه على إبراهيم فقال في سورة (النحل):
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
النحل :120
وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس وجعل في ذريته النبوة والكتاب
فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم أولاده وأحفاده وتحقق وعد الله له فلم يبعث بعده نبي إلا جاء من نسله
حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم
التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.
ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة
نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين
نبي هو أول من سمانا المسلمين نبي أثمرت دعوته المستجابة عن بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب
قال تعالى :
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ)
هود :75
وقال ايضا :
(سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)
الصافات:109
يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق
فيقول الله عز وجل في محكم آياته:
وقال جل وعلا :
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)
النساء:125
لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي اتخذه الله خليلا غير إبراهيم
قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة
كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني الذي استحق أن يتخذه الله خليلا
لم يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته ولا يتوقف عند عصره صراحة
ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه فتدب الحياة في عصره
وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:
فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية
وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر
وفئة تعبد الملوك والحكام
وفي هذا الجو ولد إبراهيم ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد
لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام بل كان كافرا متميزا
يصنع بيديه تماثيل الآلهة
قيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه آزر وكان له بمثابة الأب
وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا
وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته ومهما يكن من أمر
فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة
رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة
ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه
وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع
هي أسرة مرموقة أسرة من الصفوة الحاكمة
من هذه الأسرة المقدسة ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته
وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة
وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب
وضد كل أنواع الشرك باختصار
وكان طبيعيا أن يكون جزاؤه الإلقاء في النار حيا
لنبدأ معه منذ طفولته:
كان عقله مضيئا منذ طفولته أضاء الله قلبه وعقله وآتاه الحكمة منذ طفولته
أدرك إبراهيم وهو طفل أن أباه يصنع تماثيل غريبة
وسأله يوما عما يصنع فأخبره أنها تماثيل الآلهة
ودهش إبراهيم وأحس داخل عقله بالرفض
كان يلعب وهو طفل بهذه التماثيل ويمتطي ظهورها
مثلما يمتطي الناس ظهور الحمير والبغال
وشاهده أبوه يوما يركب ظهر أحد تمثال
وغضب الأب وأمر ابنه ألا يلعب بهذا التمثال مرة ثانية
سأل إبراهيم: أي تمثال هذا يا أبيتى؟ قال :هى الالهة التى تساعدنا
قال إبراهيم: من أي شيء تصنع الآلهة؟ من الحجارة والخشب
قال إبراهيم: يا أبي.. إن كانت الآلهة تساعد الإنسان فكيف يتأتى للإنسان أن يصنع آلهة؟
وإذا كانت الآلهة مصنوعة من الخشب فإن إحراق الخشب خطيئة كبرى
ولكن قل لي يا أبت وكسر الحجارة ايضا خطيئة
قال إبراهيم وهو فى سن السابعة لابيه :انا لا احب هذه الالهة
نهر آزر إبراهيم مد يده وضربه
ومرت السنوات وكبر إبراهيم كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة
لهذه التماثيل التي يصنعها والده
لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا
ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه
لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم
ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها
كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟!
عذبت هذه الفكرة إبراهيم طويلا أيمكن أن يكون كل قومه على خطأ
وهو وحده على الحق؟ أليس هذا شيئا مدهشا؟
كان لقوم إبراهيم معبد كبير يمتلئ بالتماثيل
وكان في وسط المعبد محراب توضع فيه تماثيل أكبر الآلهة مردوخ
وكانت الآلهة أنواعا وأصنافا وأشكالا
وكان إبراهيم يزور المعبد مع والده وهو طفل
كان يحس باحتقار عظيم لكل هذه الأخشاب والحجارة
الأمر المدهش هو الناس قومه كانوا إذا دخلوا خفضوا رؤوسهم وحنوا ظهورهم
وبدءوا يبكون ويتوسلون ويسألونها أشياء كأنها تسمع أو تفهم
في البداية كان هذا المنظر يبدو مضحكا لإبراهيم
ثم بدأ إبراهيم يحس بالغضب أليس شيئا عجيبا أن يكون كل هؤلاء الناس مخدوعين؟
وزادت المشكلة عندما اراد والد إبراهيم كان يريد أن يكون إبراهيم كاهنا حين يكبر
ولم يكن والد إبراهيم يريد من ابنه شيئا أكثر من أن يحترم هذه التماثيل
غير أن إبراهيم كان لا يقتنع بذلك وكان دائما يعلن عن باحتقاره وكراهيته لها
وذات يوم دخل إبراهيم المعبد مع أبيه وبدأت الاحتفالات بالتماثيل
ووسط الاحتفال راح كبير الكهنة يوجه الحديث إلى تمثال كبير الآلهة
وكان الكاهن يتحدث بصوت عميق مؤثر ويسأل التمثال أن يرحم قومه ويرزقهم
وخرج صوت إبراهيم في سكون المعبد وهو يخاطب كبير الكهنة:
إنه لا يسمعك يا سيدي الكاهن ألا تلاحظ انه لا يسمع؟
والتفت الناس لهذا الصبي فوجدوه إبراهيم وشعر كبير الكهنة بالإحراج والغضب
واعتذر الأب مدعيا أن ابنه مريض ولا يعرف ما يقول
وخرج الاثنان من المعبد صحب الوالد إبراهيم إلى فراشه وأرقده فيه
وتركه ومضى وامتلأ قلب الفتى الصغير بحزن كبير
يتبع
.gif)
تعليق