ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمــد لله الــذي مـن على عباده بالأموال والأولاد وجعــل ذلك فتنة لعباده
ليختبر بذلك من يقوم بحقهم ويصونهم عن الفساد ممن يضيعهم ويتركهم
هملا فيكونون خسارة عليــه فـي الدنيا ويــوم يقوم الأشهاد ، وأشــهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكريم الجواد ، وأشهـد أن محـمــدا
عبده ورسوله الداعي إلى الهدى والرشاد صلــى الله عليــه وعلـــى آلـــه
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان في القول والفعل والاعتقاد وسلم تسليما .
أمـا بعــد ، أيها الناس : اتقوا الله تعالى واشكروا نعمة الله عليكم بهؤلاء
الأولاد الذين جعلهم الله فتنة لكم ، فإمـــا قــرة عين فــي الدنيـــا والآخرة
وإما حسرة وندم ونكاد. ألا وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا
بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال قال
الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ
مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم6 .
أيهـــا المؤمنون ، قوا أهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها
وتشجيعهم عليها، بينوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به وبينوا لهم الباطل
ومضاره وحذروهم عنه. فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته،
فمن قام بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا ، ومن فرط في رعايته فيهم خسر
وهلك. عرفوهم بأصول الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر خيــره وشره ، ألزموهم بأركان الإسلام وهي شهادة
أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم
رمضان وحـــج البيت الحرام ، مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليهـــا
لعشر ، علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون وماذا يقولون في صلاتهم
ومــا يفعلون ومــاذا يجتنبون ويتركون ، اغرسوا فـــي قلوبهم محبة الله
وتعظيمه ، وبينوا نعم الله الظاهرة والباطنة العامة والخاصة لترسخ فـي
قلوبهم محبة الله وذكر آلائه ونعمه ، واغرسوا فـي قلوبهم كـــذلك محبة
النبي صلى الله عليه وسلم وبينوا ما حصل على يديه مــن الخير العظيم
لأمته ، وأنه صلى الله عليه وسلم الإمام المطاع الذي يجب تقديم محبته
وأمره علـى جميع المخلوقين ، بينوا لهم أخلاق النبي صلـى الله عليـــه
وسلـــم وأخلاق أصحابه الكريمة ومــا قامـوا بــه مــن العبادات الجليلة
والأعمال العظيمة حتى نصر الله بهم الإسلام وأقام بهـم الدين ، فإنهـــم
هــم العظماء النبلاء الذين حازوا قصب السبق في أعمال الدنيا والآخرة
وقادوا الناس إلى الخير فانقادوا إلى ذلك برغبة صادقة. لما نظر الناس
إلى أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعمالهم عرفوا أنهم
على الحق وأن طريقتهم هي الطريقة المثلى التي يقوم عليها أمر
الآخرة والدنيا فدخلوا في دين الله أفواجا من غير إكراه .
علموا أولادكم الصدق بالقول والفعل ، فإذا حدثتموهم فلا تكذبوا عليهـــم
وإذا وعدتموهم فلا تخلفوا وعدكم ، وإن أولادكم إذا رأوكم تكذبون هان
عليهم الكذب وإذا رأوكم تخلفون الموعد هان عليهم الإخلاف .
عودوهم الإحسان إلى الخلق وفعل المروءة وحذروهم من الاعتداء والظلم،
اغرسوا في قلوبهم محبة المؤمنين، وبينوا «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان
يشد بعضه بعضا » رواه البخاري ، وأن الواجب على المسلمين أن
يكونوا أمة واحدة ليشبوا على الألفة والمحبة والاتحاد .
ومــن كــان من أولادكم يستطيع القراءة فحثوه علــى قراءة الكتب النافعة
مثل كتب التفسير القيمة السالمة مــن تحريف معاني القرآن ، ومثـل كتب
الحديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثـل مؤلفات شيخنا
عبدالرحمن السعدي - غفر الله لهم جميعا - ومثل كتب التاريخ الصحيحة
البعيدة عـن الأهواء ، خصوصا تاريخ صدر الإسلام لأن قراءة تاريخ ذلك
العصر يزيد القارئ علما بأحوال النبي صلى الله عليه وسلــم وأصحابــه
ومحبة لهم وفقها في الدين وأسرار أحكامه وتشريعاته ، وحذورهم مــن
قــراءة الكتب الضارة التــي تخـل بعقيدة الإنسان أو عباداته أو أخلاقه ،
ومــن قــراءة الصحــف والمجلات الضالة التي تتضمن الشك والتشكيك
وإثارة الفتن أو تبحث في أمر من أمور الدين علــى وجـه الخطأ ، فــإن
قراءة مثـل هذه الكتب الضارة تؤثر في عقيدة قارئها واتجاهه إلا مـن
شاء الله ممن وهبهم الله علما وإيمانا وتمييزا بين الحق
والباطل والضار والنافع .
أيها المؤمنون ، إن مسؤوليتنا كبيرة أمام الله في أولادنا وأهلنا ذكورهم
وإناثهم ، فنــسأل الله الــذي حملنا إياها أن يعيننـا وأن يوفقنـــا للصلاح
والإصلاح ، فــــإن الفرد لو أصلح نفسه وأهله لصلحت الأمة لأن الأمة
أفرادها . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً } الأحزاب 70 - 71
كتاب الضياء اللامع من الخطب الجوامع للشيخ محمد العثيمين (بتصرف)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروابط المفضلة