|[ لِمَن ضَاقَت بِهِ الدُّنيـا ]|

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بسمـة
    بصمة عطاء
    • Sep 2010
    • 2049

    |[ لِمَن ضَاقَت بِهِ الدُّنيـا ]|




    { ..


    لِمَن ضاقت به الدُّنيا ، وتولَّى عنه الأصحابُ ، وتكالبَت عليه الدّيون ، ولم يجد إلَّا البُكاءَ مُنفّسًا له عن مُصابِهِ .

    .. }

    أخي في الله ، ليس البُكاءُ يُقدِّمُ ما أخَّرَ اللهُ ، أو يُؤخِّرُ ما قدَّمَ الله .

    البُكاءُ لا يُجدي لَكَ شيئًا .

    عليكَ أن تتوكَّلَ على الله ، وأن تُحسِنَ الظَّنَّ بالله ، فإنَّ اللهَ عند حُسن ظَنِّ عبده به .

    إيَّاكَ أن تيأسَ ، أو تقنَطَ مِن رَوح اللهِ ورحمةِ الله ، بل توكَّل على الحَيِّ القَيُّوم ، وتوكَّل على أرحمِ الرَّاحمين ، واسأل اللهَ أن يُمدَّكَ بالعون والتوفيق والسَّداد ، وأن يفتحَ عليكَ أبوابَ الفَرَج .

    !.. الحديثُ الذي ذكره الشيخ هُنا ضعَّفه الألبانيُّ ..!

    فإنَّ الإنسانَ ضعيفٌ ، وتتكالَبُ عليه هُمومُ الدنيا ، فما خرج مِن هَمٍّ إلَّا وقع في غيره ، ولا نَجَا مِن كُربةٍ إلَّا أحاطت به غيرُها ، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ البلد/4 ، ولكنْ لا يُبَدِّدُ الهُمومَ ، ولا يُزيلُ الغُمومَ ، إلَّا الحَيُّ القَيُّوم ، الذي ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ البقرة/255 .

    أخي في الله ، أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا ابتلاكَ ، وألهمكَ الصبرَ على البَلْوَى .

    أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا ابتلاكَ ، فانكسر قلبُكَ لمَولاك .

    أراد اللهُ بِكَ خيرًا إذا جَعَلْتَ اللهَ نُصبَ عينيكَ ، فبثثتَ إليه أحزانَكَ ، واشتكيتَ إليه هُمومكَ وغُمومكَ ، ولِسانُ حالِكَ يقول : يا رَبِّ إلى مَن تكِلُني ، إلى ضعيفٍ يتجَهَّمُني ، أم إلى عَدُوٍّ ملَّكتَه أمري .. ولِسانُ حالِكَ يقول : يا الله ، يا مَن يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ، أبُثُّ إليكَ الشكوى ، وألتجِئُ إليكَ يا مَن جَلَّ وعلا .. لِسانُ حالكَ يقول : اللهم يا مَن كشفت الضُّرَّ عن أيوب ، وأزلت الهَمَّ عن ذِي النُّون ، وكشفتَ الضُّرَّ عن العباد ، وأزلتَ البَلاءَ عنهم ، أزِل عَنِّي هَمِّي ، واكشف عَنِّي غَمِّي ، ولا تجعلني أشقَى عبادِكَ عندك ، اللهم لا تحرمني خيرَ ما عندكَ بِشَرِّ ما عندي .

    أَكْثِر مِن دُعائِه ، وتَضَرَّع إليه ، فإنَّه واللهِ ثُمَّ واللهِ أرحمُ بِكَ مِن نَفْسِكَ بِنَفْسِكَ التي بين جنبيك ، وإنَّكَ إنْ بثثتَها كلماتٍ مِن قلبٍ مُؤمِنٍ باللهِ ، مُوقِنٍ في الله ، فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُك .

    إنَّ العبدَ إذا دعا ، واعتصمَ باللهِ والتجا ، وصَدَقَ في دُعائِه والتجائِه ، تفتَّحت أبوابُ السَّماوات . إذا دعا اللهَ صادقًا مِن قلبِهِ ، وقد أحاطت به هُمومُه في جسده ، مِن سَقَمٍ في الجسد ، أو مرض ، أو ألم ، فأعياه الأطباء ، وعَظُم عليه البلاء ، أو عَظُم عليه بلاؤه في البناتِ والأبناء ، وأصبح كُلَّما ضَحِكَ أبكاه هَمُّه ، وأبكاه غَمُّه ، وأحزنه وأقلقه .

    إنَّ العبدَ إذا وصل إلى هـذا الحال ، وتوجَّه إلى الكبير المُتعال بصِدقٍ ويقينٍ ، فإنَّ هـذا هو المقصودُ مِن البلاء .

    المقصودُ مِن البلاءِ الفِرارُ مِنَ اللهِ إلى الله .

    المقصودُ مِن البلاءِ أن يَبُثَّ العبدُ إلى رَبِّهِ الشكوى ، وأن يلتجِأ إلى اللهِ جَلَّ وعلا ، وأن يتذَكَّرَ عظمةَ الله .

    إذا عَظُمَ عليكَ الدَّيْنُ ، فتذكَّر اللهَ جَلَّ جلالُه الذي هو أعظمُ مِنَ الدَّيْنِ ومِن كُلِّ شئ .

    وإذا عَظُمَ عليكَ الهَمُّ في أولادِكَ وبناتِكَ وزَوْجِكَ وأهلِكَ ، فتذكَّر أنَّ اللهَ يسمعُكَ ، وأنَّ اللهَ يراكَ ، وأنَّ اللهَ حليم ، وأنَّ اللهَ رحيم ، فقُل : يا رَبِّ ، أنتَ ترى حالي ، وتعلمُ ضَعفي ، وتعلمُ فقري ، يا رَبِّ إليكَ التجأتُ ، يا رَبِّ إليكَ اشتكيت ، يا رَبِّ بِكَ استعنتُ ، وعليكَ توكَّلتُ ، وفوَّضتُ أمري إليكَ ، وألجأتُ ظهري إليكَ ، وآمنتُ بِكَ ، وأسلمتُ إليكَ .

    إذا قُلتَ هـذه الكلمات فُتِّحَت لها أبوابُ السّماوات ، وإذا صَدَعتَ بهـذه الدعواتِ ، فإنَّكَ حَرِيٌّ بتفريج الكُرُبات ، وتسهيل المُهِمَّات ، إنَّ اللهَ إذا تأذَّنَ بالفَرَجِ جاءكَ مِن حيثُ لا تحتسِب ، وإنَّه ما مِن عبدٍ تضيقُ به الأرضُ بما رَحُبَت – خاصَّةً إذا خذلَكَ الناسُ ، وخاصَّةً إذا تولَّى عنكَ القريبُ والحبيبُ ، وخاصَّةً إذا كنتَ تثِقُ في أحدٍ فخذلَكَ ، وإذا كنتَ ترجو أحدًا بعد الله فأهانَكَ وأذَلَّكَ – عندها تعلمُ أنَّ اللهَ يُريدُكَ أنْ تلتجِئَ إليه .

    أسعـدُ الناسِ في الدُّنيا مَن وَجَّه وجهَه إلى الله .

    أسعـدُ الناسِ في الدُّنيا مَن أسلمَ قلبَه للهِ .

    ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ النساء/125 ؛ أىْ : مُوقِنٌ بأنَّ الفَرَجَ مِن الله .

    إذا أذلََّكَ الناسُ ، علِمتَ أنَّه ليس بيدِهم عِزَّةٌ ولا ذِلَّة .

    وإذا أهانكَ الناسُ وأنت تطلبُ منهم أن يُعينوكَ ويُساعدوكَ ، فاعلم أنَّهم لا يملكون لأنفسِهم ضَرًّا ولا نفعًا ، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا ، وإذا اشتَدَّ عليكَ البلاءُ ، وعَظُمَ عليكَ العَناءُ ، مِن زوجةٍ ومِن أهلٍ ومِن ولدٍ ومِن أخٍ ومِن أُختٍ ومِن أصدقاءٍ ومِن أقرباء ، وإذا عَظُمت أذِيَّةُ الناسِ لَكَ ، وامتهانُهم لَكَ ، فاعلم أنَّ لَكَ رَبًّا لا يُخيِّبُك ، وأنَّ لَكَ رَبًّا هو مُنتهََى الشَّكوَى ، وأنَّ لَكَ رَبًّا يسمعُ السِّرَّ وأخفَى ، وأنَّ لَكَ رَبًّا يرحمُكَ ويُحبُّكَ ، ويُحِبُّ أن تُنادِيَه ، وتلتجِأَ إليه وتدعوه ، ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ النمل/62 .

    ذَكَرَ اللهُ البلاءَ عن أيوب ، فقال سُبحانه : ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ الأنبياء/83 ، ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، ناداه وقـد عَظُمت شكواه ، وعَظُمَ بلاؤه ، وعَظُمَ ضُرُّه ، فنادَى اللهَ سُبحانه وتعالى بأسمائِهِ وصِفاتِهِ ، قال : ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ، الحالُ والشأنُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ، ولكنْ أنتَ أرحمُ الرَّاحمين ، ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ الأنبياء/83-84 .

    قال بعضُ العُلَماءِ : ﴿ ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ : أيْ أنَّ أيوبَ دعا رَبَّه بيقين ، فإنَّ اللهَ يستجيبُ لِكُلِّ مَن أُصيبَ ببلاءٍ فدعاه بيقين .
    ﴿ ذِكْرَى : هـذه الذِّكرى تتذكَّرُها في كُلِّ بلاء ، وفي كُلِّ خَطْبٍ وكَرْب ، في أهلِكَ ومالِكَ وولَدِكَ .

    تكونُ في رَغَدٍ مِن العيش وأنتَ آمِنٌ في سِرْبِكَ ، مُعافىً في بدنِكَ ، عندكَ قُوتُ يومِكَ فلا تلبثُ أنْ شاءَ اللهُ بلاءَك ، فنزلت بِكَ المصائِب ، وحلََّت بِكَ المَتاعِب ، فأحاطت بِكَ الديونُ مِن كُلِّ جانب ، وأصبحت بعـد رَغَدِ العيش في ضِيقِهِ وفي صعوبتِهِ ، فالبِنتُ تشتكي ، والابنُ يشتكي ، وتُصبِحُ في هَمٍّ وغَمّ وكَرْب ، فيأتيكَ ضلعُ الدَّيْن ، وهَمُّ الدَّيْنِ ، والمَغْرَم ، والمأثَم ، فعندها تضيقُ بِكَ الأرضُ بما رَحُبَت ، لكنْ لا يُوَسِّعُها إلَّا يقينُكَ باللهِ جَلَّ جلالُه ، ولا يُبَدِّدُ هـذه الهُمومَ ويُذهِبُها إلَّا يقينُكَ بأنَّ اللهَ أرحمُ بكَ مِن نَفْسِكَ التي بين جَنبيكَ .

    يا هـذا ، إنْ صدقتَ مع اللهِ صَدَقَك .

    مَن هـذا الذي وقف ببابِ اللهِ فطردَه ..؟! حاشاه .

    مَن هـذا الذي صَدَقَ مع اللهِ فخَيَّبَه ..؟! حاشاه .

    ما وجدناه إلَّا حليمًا رحيمًا ، ما وجدناه إلَّا كريمًا عظيمًا ، يفتحُ لَكَ أبوابَ الفَرَجِ مِن حيثُ تحتسِب ومِن حيثُ لا تحتسِب ، وما مِن عبدٍ يدعوا في كَرْبٍ ويَصْدُقُ مع الرَّبِّ إلَّا أعطاه اللهُ إحدى الحُسْنََيَيْن ؛ إنْ كان عَلِمَ سُبحانه أنَّ كَرْبَه يُفَرَّجُ فَرَّجَ عنه عاجِلاً ، وإذا عَلِمَ سُبحانه أنَّه سيُؤخَّرُ عنه الفَرَجُ رَزَقَهُ اليقينَ والإيمانَ والتسليمَ ، حتى أنَّ البلاءَ يعودُ عليه نِعمةً وسرورًا .
    جعلنا اللهُ وإيَّاكم ذلك الرَّجُل .

    إذا كُنتَ واثقًا باللهِ وناديتَه وناجيتَه صادِقًا مُؤمِنًا مُتَوكِّلاً عليه ، إمَّا أنْ يُفَرِّجَ كَرْبَكَ ، وإمَّا أنْ يُفرِغَ عليكَ مِن الصبر واليقينِ ، حتى يُصبِحَ العذابُ لَكَ رحمة ، وتعلو درجتُكَ ، ويَعظُمَ أجرُكَ ، ويُغفَرَ ذنبُكَ ، ويُقضَى دَيْنُك ، ويُبَدَّدَ هَمُّكَ وحُزنُك .

    ولذلك في البلاءِ ، وفي الشِّدَّةِ والعَناءِ ، سُرورٌ بمُناجاةِ الله لا يَعدلُه سُرور .

    ما أسعـدها مِن لَحظاتٍ ، وما أسعـدها مِن ساعاتٍ طيِّباتٍ مُباركاتٍ إذا خَلَوْتَ برَبِّكَ ، وبَثثتَ إليه أحزانَكَ ، واشتكيتَ إليه أحزانَكَ ، وبَثثتَ إليه ما تجدُه مِن الكَرْبِ ومِن الهَمِّ والغَمِّ ، فسألتَه وناجيتَه ودعوتَه ووثقتَ به سُبحانه وتعالى ..!

    أسعـدُ الناسِ مَن جعل شكواه إلى الله ، ولم يشتكِ اللهَ إلى خَلْقِهِ .

    أسعـدُ الناس مَن جعل يقينَه باللهِ ، ولم يجعل يقينَه في زيدٍ وعَمرو .

    تَصَوَّر لو أنَّ رجلاً يُحِبُّ رجلاً ، فجاء يشتكي إليه في دَيْنِهِ ، فقال له : لَأُكَلِّمَنَّ فُلانًا الغَنِيَّ يقضي دَيْنَكَ الساعة ، وهو صادِقٌ أنَّه لو كلَّمَ الغَنِيَّ لَقَضى له ذلك الغَنِيُّ دَيْنَه في حِينِهِ ، ولا يُعجِزُ الغَنِيَّ شئٌ .

    تَصَوَّر لو قال لكَ صاحِبُكَ : سأُكلِّمُ لَكَ فُلانًا الغَنِيَّ الثَّرِيَّ ، ودَيْنُكَ شئٌ يسيرٌ عند هـذا الغَنِيِّ الثَّرِيِّ ، وأنتَ تعلمُ أنَّ الحاجةَ ستُقضَى ، كيف سيكونُ يقينُكَ بقضاءِ دَيْنِكَ وتفريجِ كَرْبِكَ ..؟! فما بالُكَ بمَلِكِ الملوك ومَن بيده خزائنُ السَّماواتِ والأرض ..؟! ما بالُكَ بالكريم الذي يدُه سَحَّاء الليل والنهار ، لا تغيضُها نفقة ..؟! اللهم اجعل فقرنا إليكَ ، واجعل غِنانا بِكَ .

    كُن غنيًّا بالله ، كُن واثِقًا مع الله .

    إنَّ انصرافَ الناسِ عنك نعمةٌ مِن الله يُريدُ أن يصرفَكَ إليه .

    المخذولُ مَن ينصرفُ عن الله إلى غير الله .

    المَخذولُ مَن يتعلَّقُ بالناس ، ويُحِسُّ أنَّ كُروبَه كُلَّما أصابه ضُرٌّ أو اشتدت عليه شِدَّة ، ذهب إلى فُلانٍ وعِلاّن ، وانتهى أمرُه . ولكنْ أنتَ تقرعُ الأبوابَ فلا تُفتَحُ لَك ، وتسألُ الناسَ فلا يُعطوك ، وتأتي إلى الناسِ فيُهينوكَ ويُذلُّوك ، ولَرُبَّما سَبُّوكَ وشتموكَ وعابوك . (( رُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمرين مدفوعٍ بالأبوابِ لو أقسم على اللهِ لَأَبَرَّه )) .

    وما يُدريكَ أنَّ هـذا البلاءَ يُعرِّفُكَ باللهِ معرفةً لا يُصيبُكَ بها هَمٌّ ولا غَمٌّ إلَّا بُدِّد .

    أسعـدُ الناس مَن إذا قال : يا رَبّ ، استجابَ اللهُ دُعائَه .

    واللهِ ليست السعادةُ في الأموال ، ولو كانت في الأموال ، لكان أسعـدَ الناسِ قارون . فإذا به أشقى الناس ، وهو يتجلجلُ في الأرض ، ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ القصص/81 ، نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية .

    المالُ ليس هو السعادة ، وليست السعادةُ أنَّكَ إذا سألتَ الناسَ أعطوك ، وليست السعادةُ أنَّكَ إذا جِئتَ إلى فُلان وعِلاّن تيسَّرت أمورُك .

    السعادةُ والفضلُ والزيادةُ أنَّكَ إذا قُلتَ : يا الله ، فُتِّحَت لَكَ أبوابُ السماء ، وإذا قُلتَ : يا رَبِّ ، واشتكيتَ إلى الله ، سَمِعَ اللهُ دُعاءَك ، وفَرَّجَ اللهُ كَرْبَك .

    إنَّ مِن الناس مَن تَعظُمُ عليه البلايا ، ويَعظُمُ عليه الكَرْبُ والخَطْبُ ، وهو يَعرفُ فُلاّنًا وعِلاّنًا ، لم يشتكِ اللهَ إلى أحد .

    ومِن الناس مَن يتيسَّرُ له أنْ يُكَلِّمَ فُلانًا الغَنِيَّ وفُلانًا الثَّرِيَّ ، فيقولُ : أستحيي مِن اللهِ أنْ يراني أسألُ غيرَه ، فرَضِيَ باللهِ ، وأنزلَ حاجتَه بالله ، وتعلَّقَ بالله ، وصَدَقَ مع الله ، فجعل اللهُ له مِن __ أطباق السَّماواتِ والأرض فَرَجًا ومَخرجًا .

    هل رأيتَ رَبَّكَ خَذَلَ عبدًا صَدَقَ معه في عُبوديته ، لا واللهِ .
    وما هـذا الذي قَصَّه في كتابه .

    قَصَّ اللهُ في كتابه القَصَصَ ؛ لِكي نَفِرَّ منه إليه .

    أسعـدُ الناس مَن إذا أصابته البلايا في ماله يقولَ : أنا المُقَصِّر ، أنا المُذنِب ، أنا المُسيء ، ما شكرتُ اللهَ على نعمتِه ، أنا الذي قَصَّرتُ يا رَبِّ ، ما ذكرتُكَ حَقَّ ذِكرك ، ولا شكرتُكَ حَقَّ شُكرك ، فاغفِر لي تقصيري في شُكر النّعَم ، فيعودُ على نفسِهِ بالاستغفارِ ، والتوبةِ ، والإنابةِ ، فإذا بالضِّيق يتَّسِعُ يتَّسِع ، وإذا بالاستغفارِ رحمةً يتبدَّدُ بها حُزنُه ، ويذهبُ بها غَمُّه .

    أسعـدُ الناسِ مَن عَرَفَ اللهَ في البلايا .

    وإذا كان الإنسانُ تُحيطُ به الهُمومُ والغمومُ ، ويَعظُمُ دَيْنُهُ وكَرْبُه ، فلا يَزدادُ إلَّا تعلُّقًا بغيرِ اللهِ والعِياذُ بالله ، ولا يَزدادُ إلَّا شكوى إلى الناس ، والتجاءً إلى فًلانٍ وعِلاّن ، فهـذا مِن الخذلان والعِياذُ بالله ، هـذا مِن الخّذلان .

    فأُوصيكَ ثُمَّ أُوصيكَ بالثِّقَةِ بالله ، والتَّوَكُّلِ على الله ، وحُسنِ الظَّنِّ بالله ، وأن تُكثِرَ مِن الاستغفار ، وأنْ تعلمَ أنَّ ما أصابكَ إنَّما هو بسبب الذنوب ، فتكرهُ الشيطانَ والنَّفْسَ الأمَّارة بالسُّوء ، وتستغفرُ اللهَ ، وتتفقَّدُ حالَكَ : هل ظلمتَ أحدًا مِن المسلمين ..؟ هل أكلتَ مالَ أحد ..؟ هل انتهكتَ عِرْضَ أحد ..؟ هل سببتَ أخاكَ المُسلم ..؟ هل شتمتَه ..؟ فتتحلَّلُ مِن المظالِم والمآثِم .

    مَن فعل ذلك ، صار البلاءُ خيرًا له ، وصار البُعـدُ قُربًا له .

    هـذا هو الذي أُوصيكَ به : أنْ تصدُقَ مع الله ، وأن تلتفِت إلى ما يُصلِحُ حالَكَ مع الله عَزَّ وجلَّ ، وأن تحرِصَ كُلَّ الحِرص على أن يكونَ عندكَ يقينٌ أنَّ الفَرَجَ آتٍ ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا الشرح/5-6 .

    ما أنزل اللهُ عُسرًا على مُؤمنٍ إلَّا جعل معه يُسْرَيْن .

    فكُن واثِقًا باللهِ عَزّ وجلَّ ، واعلم أنَّكَ إذا خِفتَ من عواقبِ المُستقبل ، وأضرارِ المُستقبل ، وما يكونُ في المُستقبل ، فإنَّه إذا حدَّثتكَ نَفْسُكَ بهـذا ، فاعلم أنَّه شيطانٌ يقرعُ قلبَكَ ، ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ البقرة/268 .. الشيطانُ لا يَعِدُكَ إلَّا كُلَّ شَرٍّ ، وكُلَّ بلاءٍ ، وكُلَّ ضُرَّ .

    فكُن مع اللهِ ولا تُبالي ، وكُن صادقًا مع الله .

    التوبةُ ، والاستغفارُ ، واليقينُ باللهِ بالفَرَج ، والأخذُ بالأسبابِ ، وحُسنُ الظَّنِّ بأَنَّ اللهَ سيُفَرِّجُ عنك ، مِن أعظمِ ما تُوصَى به في هذا البلاء ، مع كثرةِ الدُّعاءِ في مَظانِّ الإجابة : كأوقاتِ النِّداءِ ، وبين الأذان والإقامة ، وحالَ السّجود ، والأسحار ، وقـد جُرِّبَ بالأدعية المأثورة عن النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – في قضاءِ الدَّيْن .

    ذَكَرَ لي البعضُ أنَّه كان دَيْنُه قرابة المليون ، وذكرتُ له هـذا الحديثَ (( اللهم إني أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَن ، والعَجز والكَسَل ، والجُبنِ والبُخل ، وضلع الدَّيْن ، وغَلَبة الرِّجال )) رواه البُخاريُّ ، فاتَّصَلَ عليَّ بعـد ثلاثةِ أيام ، وهو ليس مِن أهل الغِنَى ، قال لي : واللهِ ما مكثتُ يومًا إلَّا وقـد فُتِحَ عليَّ بابُ الفَرَج ، فسَدَّدتُ المليون خلال يومين ..... فمَن صَدَقَ مع اللهِ صَدَقَ اللهُ معه .

    وإيَّاكَ أن تستعظِمَ شيئًا على الله .. اللهُ أكبر ؛ أيْ : أعظمُ مِن كُلِّ شئ .

    اللهُ أكبرُ كبيرًا على كُلِّ هَمٍّ ، وكُلِّ غَمٍّ ، وكُلِّ كَرْبٍ ، فيما بيننا وبين لِقاءِ الله ، حتى نلقى اللهَ وهو راضٍ عَنَّا .

    اللهم بَدِّد هُمومنا ، ونَفِّس غُمومَنا وكُروبَنا .
    اللهم اجعل لنا مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرجًا ، ومِن كُلِّ بلاءٍ عافية .
    اللهم إنَّا نستنصِرُ بكَ فانصرنا ، ونستعينُ بكَ فأَعِنَّا .
    اللهم لا تخذُلنا ، اللهم لا تخذُلنا ، اللهم لا تخذُلنا .
    اللهم بارِك أرْزَاقَنا ، وبارِك أموالَنا ، وأولادَنا ، وبارِك لنا في كُلِّ ما رَزْقْتَنا وأعطيتَنا .
    اللهم إنَّا نسألُكَ أن تجعلَ الخيرَ لنا في أمورنا كُلِّها ، عاجِلِها وآجِلِها ما عَلِمنا منها وما لم نعلم .
    نشكو إليكَ غَلَبَةَ الدَّيْن ، وقَهرَ الرِّجال .
    اللهم إنَّا نشكو إليكَ فَقرنا ، فأغنِنا مِن واسِعِ فَضلِكَ يا ذا الفضلِ العظيم .
    اللهم اجعل فقرَنا إليكَ ، وغِنانا بِك ، اللهم اقضِ عَنَّا الدَّيْنَ ، وأَغنِنا مِن الفقر ، واجعل ما وهبتنا عونًا لنا على طاعتِك ، ومَحَبَّتِكَ ، ومَرضاتِكَ ، يا حَيُّ يا قَيُّوم .
    اللهم اغفر لنا ، ولآبائِنا ، وأُمَّهاتِنا ، وأزواجِنا ، ومشائِخنا ، ومُحِبِّينا ، ومَن أوصانا واستوصانا ، وحضر معنا ، وغاب عَنَّا ، وأحبَّنا فيكَ .
    اللهم اغفر لنا أجمعين ، وهَبْ المُسيئين مِنَّا للمُحسنين ، وتولَّانا برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمين .



    |[ لِمَن ضَاقَت بِهِ الدُّنيا ]|
    الشيخ / محمد بن محمد المُختار الشنقيطي
    تفريغ / الساعية إلى الجنة


    للتحميـل

    [ هُنا ]
    التعديل الأخير تم بواسطة السهى; 06-09-2012, 01:37 PM. سبب آخر: تعديل رابط
  • الثمال
    رئيسة الأركان التعليمية-مشرفة ركني الروضة ودار لك للتحفيظ -محررة في موقع لكِ
    • Mar 2002
    • 44054

    #2
    بارك الله فيك اختي وفي جهودك
    وبورك في الشيخ

    تعليق

    • بسمـة
      بصمة عطاء
      • Sep 2010
      • 2049

      #3

      آمين ، ولكِ بالمِثل .

      أتمنى تعديل الرابط الأخير :

      [ هُنا ]

      تعليق

      • om_yosef22
        كبار الشخصيات
        • Jun 2008
        • 7245

        #4
        جزاك الله خيرا على التذكرة وبارك الله فيك



        اللهم عليك بكل من ساهم وشارك وايد ودعم الانقلاب العسكري على شرعية رئيسنا المنتخب محمد مرسي
        لن نسامحكم في الدنيا وسنقف نخاصمكم في الاخرة عن كل قطرة دم وعن كل ظلم وقع علينا
        وفي رقبة الجميع من داخل مصر وخارجها من الدول الداعمة للانقلاب دماء المصلين الساجدين الركع
        ودماء الشهداء الاطفال والرضع
        وحسبي الله ونعم الوكيل في الجميع من الداخل والخارج
        الاعلان الخاص بالتبرع لمصر على قناة ابو ظبي بعد الانقلاب وبعد رئيسنا مرسي تحولت مصر من مكتفية ذاتيا الى من يتسول لها بزكاوات شعبها
        هذا ما يرضي من دعم الانقلاب ان تصبح ام دنيا في حالة تسول دائم
        حسبي الله ونعم الوكيل
        لن نسامح الدول الداعمة للعسكر


        اللهم انصر اخواننا في سوريا وبورما وعليك باعدائك واعداء الاسلام

        رابط قرأن ورقية شرعيه وادعيه مختارة وقران خاشع ومجود ومرتل يتلى 24 ساعه




        تعليق

        • naglaa22
          مساعدة مشرفة روضة السعداء
          • Mar 2012
          • 3366

          #5

          بارك الله فيكى اختنا الغاليه بارك الله فيكى وجعله فى ميزان حسناتك دائما تأتينا بكل ما هو مفيد وقيم

          اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	ربى.jpg 
مشاهدات:	2 
الحجم:	64.8 كيلوبايت 
الهوية:	19425231
          دورة تعليم الامهات اللغه الانجليزيه المستوى الاول
          http://www.lakii.com/vb/a-87/a-804863/



          أدعوك يا إلهي دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته
          دعاء الغريق الملهوف المكروب المشغوف الذى لا يجد لكشف مانزل به إلا أنت ولا إله إلا أنت
          فارحمنا ياأرحم الراحمين واكشف عنا مانزل بنا من هؤلاء القوم الظالمين الباغين .
          اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا و هواننا على الناس.
          أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا.
          إلى من تكلنا يا رب؟ إلى بعيد يتجاهمنا أم إلى عدو ملكته أمرنا. إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالى )

          تعليق

          • بسمـة
            بصمة عطاء
            • Sep 2010
            • 2049

            #6
            آمين ، ولكما بالمِثل .

            تعليق

            • السهى
              كبار الشخصيات
              • Jun 2007
              • 11941

              #7
              ::

              تذكرة قيمة ومهمة ،،
              جزيتِ خيرا أختي الكريمة ..

              ..~

              ربيُ إنِ بين‘ ( ضلوعِـِـِـِيّ ) . . آمنيةةِ ,
              . . . . . . . يتمنإهآ : قلبيُ وَ روححيْ وَ عقليِ !
              ربيَ آن " أمنيتيْ " تنبضض‘ بين قلبَ هوِ ملڪكّ . . . ‘
              فلآ تحرمني منِ فرحهہِۧ تحقيقههإ’ :/
              فأنتْ آلوحييد , إلذيُ آذإ قققآلَ لشيُ : ڪنِ "

              فيڪڪونّ ‘






              غاليتي:
              ما أروع أن تزرعي كلمة جميلة تكن تاريخاً لكِ في هذهِ الدنيا
              الفانية







              تعليق

              • الثمال
                رئيسة الأركان التعليمية-مشرفة ركني الروضة ودار لك للتحفيظ -محررة في موقع لكِ
                • Mar 2002
                • 44054

                #8
                تذكرة قيمة ورائعة
                جزاك الله بالجنان

                تعليق

                يعمل...