بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و أصحابه أجمعين

أمين هذه الأمة

(( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) المجادلة -22-

هذه الآية الكريمة أتعرفون يا إخوتي الكرام فيمن نزلت

نزلت في الصحابي الجليل أبو عبيدة ابن الجراح أمين هذه الأمة

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " سنن الترمذي

في يوم بدر كان أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه واحداً من المقاتلين الشجعان الذين وقفوا إلى جانب رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتاله ضد المشركين , و انطلق أبو عبيدة على صهوة جواده يصول و يجول بين الصفوف, لا يهاب الموت, و لا يخشى السيوف و الحراب, و فجأة ظهر أمامه ما لم يكن يتوقعه, فقد رأى والده عبد الله بن الجراح يقاتل مع جيش المشركين, فإذ بأبي عبيدة يبتعد عن أبيه ليشقَّ طريقاً آخر, و لطالما آثر أبو عبيدة رضي الله عنه التنحي عن طريق أبيه حتى لا يواجِهه , و لكنَّ والد أبي عبيدة جعل يبرز لابنه في كل مكان يريد قتله , و كان أبو عبيدة يخشى إن قتل والده أن تقول العرب إنَّ المسلمين يقتلون آباءهم , و لمَّا لم يكن بدٌّ من أن يتجابه الاثنان ضرب أبو عبيدة رأس والده ضربةً خرَّ على أثرها صريعاً بدمائه على أرض المعركة فنزل قول الحق سبحانه في أبي عبيدة

نعم أبو عبيدة القوي الأمين

عندما قدم وفد نجران من اليمن مسلمين , و سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبعث معهم من يعلمهم أمر دينهم , فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم (( ائتوني في الظهر, أبعث معكم القوي الأمين )) , سمع سيدنا عمر بن الخطاب ما دار بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و وفد نجران , فراح إلى صلاة الظهر مبكراً , و هو يقول في نفسه , ليت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرسلني مع القوم فأحظى بأن أكون القوي الأمين , فلمَّا صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر , جعل ينظر عن يمينه و عن شماله , و كان عمر بن الطاب رضي الله عنه يتطاول حتى يراه الرسول صلى الله عليه و سلم , فلما رأى أبا عبيدة رضي الله عنه , دعاه و قال له : (( اخرج معهم فاقض بينهم بالحقِّ فيما اختلفوا فيه ))

يقول سيدنا عمر بن الخطاب محدثاً عن نفسه في هذه الحادثة فيقول : ما أحببت الإمارة حبِّي إياها يومئذٍ رجاء أن أكون صاحب النعت .

هذا الأمير الذي ليس كالأمراء

عندما أصبح أبو عبيدة أميراً على بلاد الشام , و قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام , خرج عظماء الناس يستقبلونه و يدعونه إليهم , و لكن عمر رضي الله عنه يسأل مستقبليه : أين أخي ...؟؟

فيقولون من : ... ؟؟

فيجيبهم : أبو عبيدة ابن الجراح

و يأتي أبو عبيدة ابن الجراح , فيعانقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... ثم يصحبه إلى بيته , و يتعجب عمر عندما يرى أن البيت ليس فيه شيء من الأثاث , و كل ما فيه: سيف و ترس و راحلة.

فيقول الخليفة عمر لأبي عبيدة الأمير : ألا اتخذت لنفسك ما اتخذ أصحابك ... ؟؟؟

فيجيب أمين هذه الأمة : هذا يكفيني ...

نعم هذا الأمير أبو عبيدة ابن الجراح واحد من العشرة المبشرين بالجنة

كم بحاجة نحن إلى هكذا أشخاص تبني أمة

تورث أخلاق

تعلم أجيال

و لكن أنى لنا بأمثال أبو عبيدة رضي الله عنه

دهم بلاد الشام طاعون ما عرف الناس مثله قط , فراح يحصد الناس حصداً ...

و لما سمع عمر بن الخطاب بالخبر خشي على أبي عبيدة , فكتب له كتاباً و فيه : (( إني بدت لي إليك حاجة لا غنى لي عنك فيها , فإن أتاك كتابي ليلاً فلا تصبح حتى تركب إلي , و إن أتاك نهاراً , فلا تمسِ حتى تأتي إلي )) .

و لما أخذ أبو عبيدة الكتاب عرف أن عمر رضي الله عنه إنما أراد أن يخرج أبا عبيدة من الشام خشيةً عليه من الطاعون , فكتب إلى أمير المؤمنين عمر كتاباً و فيه :

(( يا أمير المؤمنين , إني قد عرفت حاجتك إلي , و إني في جند المسلمين , و لا أحب أن أنجو عن الذي يصيبهم ... و لا أريد فراقهم حتى يقضي الله فيَّ و فيهم أمره ...

فإذا أتاك كتاب هذا فحلِّلني من عزمك , و ائذن لي بالبقاء )).

فلما قرأ عمر كتاب أبي عبيدة - رضي الله عنهما- بكى و دمعت عيناه , ثمَّ ما لبث أبو عبيدة أن أصيب بالطاعون فمات بالأردن , و عمره ثمانٍ و خمسون سنةً , و صلى عليه معاذ بن جبل رضي الله عنه .

رَحِمَكَ اللهُ يا أمينَ هذهِ الأُمَّةِ , و هَنيئاً لكَ الجنَّة .

غاليتي بورك فيك وفي قلمك المبدع

ونحن بانتظار المزيد من قلمك المتميز

اسعدك الله

ووفقك الله