مدرسة العباقرة
بقلم : محمود القلعاوى – مصر .
__________________________________________________
ويذهب المؤرخ البريطاني توينبي إلى اعتبار أن العزلة و الاعتكاف شكلا قانونا نفسيا لاكتشاف الحقائق عند الأنبياء و المصلحين . هكذا اعتزل نبينا محمد صلى الله عليه و سلم في غار حراء الليالي ذوات العدد و هكذا انسحب عيسى عليه السلام إلى الخلاء ليصوم أربعين يوما .. ولم يكن موسى عليه الصلاة و السلام ليرجع إلى فرعون بالحجة المبينة لولا تلك الرحلة إلى مدين .
ليس من إنسان يستطيع أن يفتق فكره الشخصي ما لم يلون حياته بالاعتكاف من حين لآخر .
ولهذا كان الاعتكاف .. للالتفات للداخل ، لمراجعة الذات ، فالإنسان يتوجه إلى الخارج دوما .. أما الانعكاف على الذات داخليا لاكتشافها فنادر .. إلا في لحظات ثلاث :- الصلاة و الاعتكاف و المحنة .
بداية فكرة العزلة

ويقول صاحب الرحيق المختوم :- ( وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفًا من تدبير الله له، وليكون انقطاعه عن شواغل الأرض وضَجَّة الحياة وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة نقطة تحول لاستعداده لما ينتظره من الأمر العظيم، فيستعد لحمل الأمانة الكبرى وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ... دبر الله له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، ينطلق في هذه العزلة شهرًا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله )
السلف يحبون العزلة

قال عمر رضي الله عنه :- ( خذوا بحظكم من العزلة ) ..
وقال مسروق رحمه الله :- ( إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنوبه، فيستغفر منها )
ويوصينا ابن الجوزي رحمه الله بالعزلة فيقول :- ( فيا للعزلة ما ألذها ! فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل ، والسلامة من شر المخالطة كفى ) .. ويقول :- ( ولأن أنفع نفسي وحدي خير لي من أنفع غيري وأتضرر.. الصبر الصبر على ما توجبه العزلة ، فإنه إن انفردْتَ بمولاك فتح لك باب معرفته .. )
مدرسة العباقرة

الاعتكاف المطلوب

قال ابن القيم رحمه الله فى كتاب الفوائد :- « إذا طلع نجم الهمة في ليل البطالة، وردفه قمر العزيمة، أشرقت أرض القلب بنور ربها »
وأخيراً :-

ولتجتهد أن تتخرج من مدرسة العباقرة هذا العام .. وليخلو كل واحد منا بنفسه .. يعوض ما فقده .. ويسارع نحو ربه .. ويستدرك ما نقصه .. ويزيد فى صلته بربه .. ويفتح لنفسه أبواباً للتعبد وللقرب من ربه .. وتقول الدكتورة ليلى أحمد الأحدب :- ( الاعتكاف أخيرا يساعدنا على لملمة ذرات أرواحنا التي تتبعثر منا في زحام الحياة الدنيا, وهذا ما يعبر عنه وورد سورث فيقول: (عندما نبعد عن ذواتنا الحقيقية لمسافات بعيدة جدا بالدنيا التي تدفعنا دفعا فنسقط, وقد صرنا مرضى بمشاغلها, ومرهقين بملذاتها, فإننا نجد أن الاعتكاف عندئذ يكون عظيما وعذبا إلى أقصى حد) ..
__________________________________________________ _
تعليق