بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

161- قال r: «من خَبَّبَ (من أفسد) خادمًا على أهله فليس منا» لذا يحرم على المُكَلِّف أن يُحدث عبد الإنسان أو ابنه أو زوجته ونحوهم بما يفسده به عليه ما لم يكن حديثه أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر.
ومن الذُّنُوب العظام إفساد العلاقة بين موظف ومديره أو أخ وصديقه أو أب وابنه، وما أكثر من أفسد ولم يُصْلح!
* * *
162- رفع اللُّقْمة إلى فم ابنك أو ابنتك وزوجتك قبلهما يُشِعُّ في تلك اللحظات الحنان والعطف وإظهار المحبة والبساطة في التعامل .. جرب أن ترفع لقمة لابنك أو ابنتك وسوف ترى الابتسامة التي قلَّ أن تراها! هم يحتاجون لمثل ذلك ونحن نحتاج إلى قلوب تعرف ذلك.
* * *
163- ضابط الإخلاص: أن تكون نِيَّتك في هذا العمل لله لا تريد بها غير الله، لا رياءً ولا سُمعةً ولا رِفعةً ولا تزلفًا عند أحد، ولا تترقب من الناس مدحًا ولا تخشى منهم قَدْحًا، فإذا كانت نِيَّتك لله وحده ولم تزين عملك من أجل البشر فأنت مُخْلِص، يقول الفضيل بن عِياض: "العمل لأجل الناس شِرك, وترك العمل لأجل الناس رياء, والإخلاص أن يُعافيك الله منهما" فأخلص جميع أعمالك له سبحانه ولا تَتَطلع لأحد، وأدخل نفسك في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163].
* * *
164- لم يُثْنِ الله على أحد في القرآن بِنَسَبِه أصلاً، لا على ولد نبي، ولا على ابن نبي، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم، وإذا ذَكر صنفًا وأثنى عليهم، فلِمَا فيهم من الإيمان والعمل، لا لمجرد النَّسَب. [منهاج السنة 4/199].
* * *
165- سُئِل ابن تيمية عن خديجة وعائشة: أُمي المؤمنين أيهما أفضل؟
قال رحمه الله: "بأن سبق خديجة، وتأثيرها في أول الإسلام؛ ونصرها، وقيامها في الدين, لم تُشْركها فيه عائشة، ولا غيرها من أُمَّهات المؤمنين.
وتأثير عائشة في آخر الإسلام، وحمل الدين، وتبليغه إلى الأمة، وإدراكها من العلم ما لم تُشْركها فيه خديجة، ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها". [مجموع الفتاوى 4/393].
* * *
166- ألطاف الله على أوليائه لا تتصورها العقول لا تُعَبِّر عنها الكلمات؛ فأم موسى ألهمها الله أن تُلقيه في اليَّمِّ ثُمَّ بَشَّرها بِرَدِّه، ولولا ذلك لقضى عليها الحزن، ثُمَّ حُرِّمَ عليه أن يرضع من غيرها، فكانت العاقبة أن تُرْضِعه جهرًا وتأخذ عليه أجرًا، وتسمى أُمُّه قدرًا وشرعًا، فاطمأن قلبها وازداد إيمانها، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم. [تفسير ابن سعدي].
* * *
167- تُوُفِّيَ الفذُّ المشهور وصعد على كتفه وجنازته الكثير، أما الصديق الوَفِيُّ حين سُئِل: أنت حافظ سِرِّه وكاتم خبره.. أعلمنا ماذا كان في حياته؟ قال: استأمنني على سِرِّه وباح بمكنون فؤاده فما كنت لأصعد وأرتقي بإفشاء عورته وهتك سَتْره! نوع من الرجال فريد وقليل وعزيز! أين من يرتقون على أكتاف الرجال ولو مَذَمَّة لهم – وهم أحياء ؟
* * *
168- قال الله تعالى في أحسن وصف وأبلغ تعبير لموقف عظيم: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة: 29]، بدأ الميت يطوي قدميه عن الأرض ويجمعهما؛ ليغادر الدنيا التي طالما ركض وسعى في أرجائها، وغبر قدمه في مناكبها، عندها تبدأ مسيرة الآخرة ورحلة الجزاء والحساب ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ[القيامة: 30].
* * *
169- قال سعيد بن جُبَير: ما أُعْطِي أحد في المُصيبة ما أُعطيت هذه الأمة – يعني الاسترجاع (إنا لله وإنا إليه راجعون) – ولو أُعطيها أحد؛ لأُعطيها يعقوب عليه السلام، ألَا تسمع لقوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ [يوسف: 84].
* * *
170- قال ابن تيمية عن السمع والبصر: "إدراك السمع أعمُّ وأشمل، وإدراك البصر أتمّ وأكمل، فهذا له التمام والكمال، وذلك له العموم والشمول، فقد ترجح كل منهما بما اختص به".
* * *
171- (وكَسْرها طلاقها) حزن دائم ودمعة لا تفارق .. لكن إن فعلت: لا تَأْب أن تكون من المُتقين، لا تَأْب أن تكون من المحسنين، ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: 241] ﴿مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 236] قال سعيد بن جبير: "لكل مطلقة متاع". واذكر من فارق امرأته ومَتَّعها ضعف مَهْرِها، مع دعاء لها بالتوفيق، وتعاهد لأُمِّها بالزيارة.
* * *
172- كَمُل من النساء ثلاث: آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد رضي الله عنهن ، وهذا الكمال لرعايتهن وعنايتهن بثلاثة أنبياء عليهم السلام؛ آسية تَبَنَّت موسى، ومريم قامت بعيسى، وخديجة وَاست وثَبَّتت مُحمدًا، والمؤمل من المسلمة أن تُنْجب وتَرعى رجال أُمَّة.
* * *
173- من الذنوب التي تحول بين الإنسان والخير: قطيعة الرَّحم التي قال تعالى عن قاطعها: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد: 23] قال بعض العلماء: "إن الإنسان إذا قطع رحمه أصابه الصمم وعمى البصيرة، والمراد بالصمم: أنه لا تنفع فيه موعظة ولو عُرِضت عليه المواعظ التي تفتت الجبال ... ما أثرَّت فيه، ولو أثرَّت فيه تكون وقتية ثم تزول، ﴿وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ فلا يرون خيرًا ولا يوفقون لطاعة.
* * *
174- أسرة فقيرة مُعْدَمة مغمورة لا يعرفها أحد تقبع في أطراف المدينة النبوية، لكن لمَّا وقع الظلم على الزوجة الضعيفة نزلت الآيات من فوق سبع سموات ردًا لحقها، وجبرًا لخاطرها، وإصلاحًا لحالها: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1].
* * *
175- قال ابن خُزَيمة: سمِعت المزني يقول عن كتابه (مختصر المزني): كنت في تأليف هذا الكتاب عشرين سَنَة، وألفته ثمان مرَّات وغيرته، وكنت كلما أردت تأليفه أصوم قبله ثلاثة أيام وأُصَلِّي كذا وكذا ركعة. [مناقب الشافعي 2/249].
* * *
176- فقدت أبًا أو أمًّا أو حبيبًا أو قريبًا، مع التوحيد والعمل الصالح ظُنَّ بربك خيرًا والْتَمِسْ من الجواد الكريم أن يجمعك بهم في جنات عَدْن، قال ابن عقيل رحمه الله: "لولا أنَّ القلوب تُوقِن باجتماع ثانٍ لتفطرت المرائر لفُراق المحبين".
* * *
177- ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف: 15].
قال الشوكاني: وفي هذا دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سَنَة أنْ يستكثرَ من هذه الدَّعْوات. [فتح القدير 5/18].
* * *
178- خُلُق الكرام شُكْر المعروف والمُكَافأة عليه، لمَّا سقى مُوسى عليه السلام للمرأتين تولَّى إلى الظلِّ، فكانت الدعوة من الرجل الصالح: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص: 25] وفي الحديث: «من صُنِع إليه معروف, فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثَّناء» [رواه الترمذي].
* * *
179- القلوب إذا تفرقت لا تجتمع إلا إذا صَلُحت السرائر وسَمَت النُّفُوس، وإذا تفرقت فهنا مقام: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] ثلاث درجات كلها لأصحاب الهِمَم العالية والأجور العظيمة: كَظْم غيظ وعَفْو وإحسان.
* * *
180- الحُبُّ تضحية وعطاء وليس مجرد غزل وادِّعاء .. الحب بين الأزواج عَقْد وميثاق وأُنْس ووفاق ومودة ورحمة .. أَغرقوا الناس بالرومانسية كل يوم لباس وكل مساء هدية وكل ليلة جُلَّابية!!
الحُبُّ نبض القلوب في بسمة وهمسة، في كلمة، في حفظ آية وسماع حديث، في إغضاء عن هفوة ونسيان زلة .. في طيب مناداة؛ (يا عائش).
* * *

كتاب أطايب الجني
د. عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم