بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

- قال ابن تيمية رحمه الله:" من يعزم على ترك المعاصي في شهر رمضان دون غيره فليس هذا بتائب مطلقًا، ولكنه تارك للفعل في شهر رمضان، ويثاب إذا كان ذلك الترك لله، وتعظيمًا لشعائر الله واجتنابًا لمحارمه في ذلك الوقت، ولكنه ليس من التائبين الذين يغفر لهم بالتوبة مغفرة مُطْلقة، ولا هو مُصِرّ مطلقًا» [الفتاوى: 10/743].
* * *
102- الجنة – يا أُخيَّة – لا تنال بالسعي في الأسواق، ولا تُطَال بالجري وراء الموديلات .. بل الجنة سلعة الله الغالية، فبادري إليها بالعمل الصالح وسابقي إلى الخيرات، وابتعدي عن مواطن الزّلل وعثرات الطريق.
قال الشيخ عبد الله بن حبرين رحمه الله عن حكم ذهاب المرأة إلى الأسواق: "لا يجوز الذهاب في كل الحالات إلا لضرورة شديدة بألَّا تجد من ينوب عنها في شراء حوائجها الخاصة أو لا يعرف ما تريده غيرها...".
* * *
103- فرِّغْ نفسك من لقاء الناس وكثرة الحديث، وتفَرَّغْ لأمر آخرتك، فإنك لا تدري أتدْرِكُ رمضان مرة أخرى أم لا؟ كم من مُؤمل وهو تحت أطباق الثَّرى اليوم؟! احفظ لسانك وأعمالك ولا يكن حديث المجالس أن الإمام تأخر وزاد، وأطال علينا، وليته ما فعل .. احذر غيبة الأئمة والاستهزاء بهم، ولا تجعل لسانك يفري في أعراض المسلمين وغيبتهم وازدرائهم، وتجنب فُحْشَ الكلام وبذاءته فأنت في شهر عظيم؛ وإن استطعت أن تتجنب المجالس في رمضان فأنت على خير.
* * *
104- قال ابن رجب عن مقاصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته، وأنه أهل أن يُطاع فلا يُعصَى ويُذكَّر فلا ينسى ويُشكَر فلا يُكفَر" [جامع العلوم والحكم 2/255].
* * *
105- الوقف من أعظم الأبواب وأوسعها نفعًا؛ اجعل لك وقفًا في هذا الشهر العظيم، اجعل لك مثلاً: مصحفًا أو ثلاثة أو عشرة، في بعض المساجد خارج البلاد يتم توزيع المصاحف ورقة ورقة على المصلين لعدم وجود مصاحف لديهم، ثم قبل دخول الخطيب يتم جمعها وحفظها، قال r: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا عَلَّمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه به من بعد موته» [حسنه الألباني].
* * *
106- أيام العبادة وساعاتها هي رحلة العمر القصيرة على هذه الأرض، وينبئك عن سرعتها دقَّات القلب وتلاحق الأنفاس .. تَمُرَّ مَرَّ السَّحاب ونحن لا نشعر.
تقرب إلى الملك الكريم بالاهتمام بأمر الجيران، وتفقد أحوالهم، وإرسال الطعام لهم حتىَّ وإن كانوا أغنياء. سأل رجل النبي r: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [رواه البخاري].
* * *
107- الزكاة عبادة مالية يُثَاب المرء على إخراجها، ويُعاقب على تركها، وفيها تثبيت أواصر المودة بين المسلمين، وتطهير للنفوس وتزكيتها من البخل والشُّح، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 102]. وفي إخراج الزكاة استجلاب البركة والزيادة والخَلَف من الله ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: 39] وقد جاء الوعيد الشديد في حَقِّ من بخل بها، أو قصَّر في إخراجها.
* * *
108- كان بعض السلف يختم القرآن في رمضان في كل يوم، وبعضهم في كل ثلاثة أيام، وبعضهم في كلِّ خمسة أيام.
قال ابن رجب: "إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلِّ من ثلاث على المداومة على ذلك، فأمَّا في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها؛ فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا لفضيلة الزَّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم".
* * *
109- قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "صلاة النَّوافِل في البيت حتى في مكة والمدينة أفضل من صلاتها في المسجد وهو فضل قَدْر لا عدد".
* * *
110- قال ابن تيمية رحمه الله: "وحقيقة الأمر أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة مَنْ شاء فعله، ومَنْ شاء تركه، كما يُخير الرجل أن يوتر بثلاث، أو خمس، أو سبع، وكما يُخير إذا أوتر بثلاث إن شاء فصل، وإن شاء وصل". وكذلك يُخير في دعاء القنوت إن شاء فعله، وإن شاء تركه، وإذا صلى بهم قيام رمضان فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن، وإن لم يقنت بحال فقد أحسن". [مجموع الفتاوى 22/271].
* * *
111- لا يرد القضاء إلا الدعاء كما قال عليه الصلاة والسلام؛ وفي الدعاء من الذل والانكسار لله عزَّ وجلَّ معنى عظيم من أنواع العبودية وتخليص القلب وتفريغه من التعلق بغيره، والدعاء من أكرم الأشياء عند الله كما روى ذلك الترمذي: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» [رواه الترمذي] وفي الدعاء ادخار الأجر والمثوبة عند الله إذا لم يجب الداعي في الدنيا، وهذا أنفع وأحسن.
* * *
112- الريال لا يضرك إخراجه، وهو ينفع الفقير ويسد حاجته!
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه".
* * *
113- الاعتكاف من السنن المهجورة التي قلَّ العمل بها وغفل عنها كثير من الناس، قال الإمام الزُّهْري: "عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف مع أن النبي r ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عَزَّ وجَلَّ" فبادِرْ أخي المسلم إلى إحياء هذه السنة العظيمة وحثّ الناس عليها والترغيب فيها؛ وابدأ بنفسك فإن الدنيا مراحل قليلة وأيام يسيرة، فتخلص من عوائق الدنيا وزخرفها ولا يفوتك هذا الخير العظيم، واجعل لك أيامًا يسيرة تتفرغ فيها من المشاغل والأعمال، وتتجه بقلبك وجوارحك إلى الله عَزَّ وجَلَّ في ذُلٍّ وخضوع وانكسار ودموع؛ لتلحق بركب المقبولين الفائزين.
* * *
114- قال ابن عباس في قوله سبحانه: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4] يُكْتب من أمِّ الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر، حتى الحُجَّاج، يقال: يحج فلان ويحج فلان. وقال سعيد بن جُبير في هذه الآية: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق، وقد وقع اسمه في الموتى، وهذا التقدير السنوي في ليلة القدر كالتفصيل من القدر السابق.
* * *
115- قال عبد الله بن داود: كان أحدهم إذا بلغ أربعين سَنَة طوى فراشه، أي: كان لا ينام طوال الليل، يصلي ويسبح ويستغفر .. يستدرك ما مضى من عمره ويستعد لِمَا أقبل من أيامه؛ وكان الإمام الشافعي يختم في رمضان ستين مَرَّة، وذكر هذه الأيام أن امرأة تقرأ فيما بين المغرب والعشاء ثلاثة أجزاء.
* * *
116- قال ابن بطال: في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة وتدبير لطيف؛ لأنه لو علم وكان ناجيًا أُعجب وكَسِل، وإن كان هالكًا ازداد عُتَّوًا، فحجب عنه [فتح الباري 11/330].
* * *
117- الاستغفار في الأسحار هو شعار الأخيار، فقد أثنى الله عليهم: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 18].
قال الشيخ السعدي رحمه الله:" للاستغفار بالأسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره" وهي مظن إجابة الدعاء، والله تعالى ينادي عباده: "من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" [رواه البخاري].
* * *
118- وأَثَر الصدقة واضح على النفس، وفي بَرَكة الأموال والأولاد، ودَفْع البلاء، وجَلْب الرخاء، كما أن المتصدق كُلمَّا تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره.
وعليك أيها المُنفق بقول جعفر بن محمد لسفيان الثوري: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله وتصغيره (في عينك حتى وإن كان كبيرًا) وستره[حلية الأولياء 3/198].
* * *
119- من الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها للدَّاعي: ليلة القدر، وفي جوف الليل، ودُبُر الصلوات المكتوبة، والدَّعاء بين الأذان والإقامة، والدُّعاء حال السجود، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة، والصائم والمسافر، والوالد، ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، وغيرها، فاحْرِصْ على استغلال هذه الأوقات، وأَكْثِرْ من الدعاء لنفسك بالهداية والتوفيق، وقبول التوبة والتجاوز عن الخطيئة، والعفو عن التقصير والزلل، واسأل الله أن يحييك على الإسلام ويميتك عليه، وأن ينجيك من النَّار، واسأله الخاتمة الحسنة والدرجة العالية في الجنة، ولا تغفل عن ذريتك، واجعل لشباب المسلمين نصيبًا من دعائك، وخُصَّ علماء ودعاة الأمة وولاة أمرها بالدعاء والتوفيق والسداد.
* * *
120- أَهَلَّ الهلال ثم اكتمل بدرًا وبدأ بالأفول، بَدَأْتَ بالصيام وساق الله لك القرآن وحبب إليك القيام وأعانك على الصدقة والبر والإحسان.
جَوَّادٌ كَرِيمٌ يُبْلِغُك المراد ويعينك على الإتمام ثم هو يغفر الذنب ويتجاوز عن التقصير .. أتَمَّ الله عليك الشهر بشكره ومعرفة فضله ومنَّته، وختمه بمغفرة ورضوان، وجنة فيها نعيم مقيم.
* * *
كتاب أطايب الجني
د. عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم