بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

221
اليوم يوم البر والخير وصلة الأرحام، وتَرْك التباغض والتحاسد والكراهية وتطهير القلوب منها، يوم العطف على الفقراء والمساكين والأيتام، يوم الفرح والسرور والسعادة والحبور .. يوم عبادة وشكر وأكل وذكر.
* * *
222- قال r: «ما العمل في أيام أفضل من هذه العَشر» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» [البخاري]. قال ابن رجب: "لمَّا كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباه المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره وجعل مَوسم العَشر مُشتركًا بين السائرين والقاعدين".
* * *
223- سُئِلَ فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هل يُقدم التكبير على الاستغفار والذكر المشروع أدبار الصلوات؟
فأجاب: "إن الاستغفار عقب الصلاة مباشرة؛ لأن المصلي لا يتحقق أنه أتقن الصلاة؛ بل لا بد من خلل".
* * *
224- قال r: «ما مِنْ أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العَشر, فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» [رواه الطبراني].
* * *
225- كان سعيد بن جُبير: «إذا دخلت العَشر اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يقدر عليه» [رواه الدارمي].
ورُوِيَ عن سعيد بن جُبير: «لا تطفئوا سَرْجكم ليالي العَشر» كناية عن القراءة والقيام.
قال ابن حجر: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عَشَر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمَّهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".
* * *
226- قال الإمام أحمد بن حنبل: "حججت خمس حجج، منها ثلاث حجج رَاجِلاً (من بغداد) أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهمًا". [تهذيب التهذيب لابن حجر].
* * *
227- قال r: «من حَجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [متفق عليه]. فهنيئًا لمن وُفِّق لهذا الخير العظيم.
* * *
228- قال الحريري: أحرم أنس بن مالك من ذات عِرْق، فما سمعناه مُتكلمًا إلا بذكر الله عَزَّ وجَلَّ حتى أحل، فقال لي: «يا بن أخي هكذا الإحرام» [البداية والنهاية 9/100].
* * *
229- قال الحسن: إني لأستحي من ربي عَزَّ وجَلَّ أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرَّة من المدينة على رجليه.
* * *
230- الموفق يكثر من تعدد النيات في العمل الواحد فإن أراد الوضوء فله نية طاعة أمر الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6] وله نية في متابعة أمر الرسول r: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وله نية أن تتساقط ذنوبه مع آخر قطرة من الماء كما ذكر ذلك النبي r، وله نية رفع الحدث حتى تصح صلاتك، وهكذا في جميع الأعمال.
قال بعض العلماء: وددت لو كان من الفقهاء من ليس له شُغل إلا أن يُعَلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلى مِنْ تضييع ذلك.
* * *
231- قال r: «وأعظم الأيام عند الله يوم النَّحْر، ثم يوم القر» [رواه أبو داود]، و(يوم القَرِّ) هو: اليوم الذي يلي يوم النحر وهو الحادي عشر من ذي الحجة.
قال ابن القيم: "وخير الأيام عند الله يوم النَّحر، وهو يوم الحج الأكبر".
* * *
232- سورة النور سورة عظيمة تحوي جملة من الأحكام والآداب، وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى الآفاق: «وعلِّموا نساءكم سورة النور». قال القرطبي رحمه الله: "مقصود السورة ذكر أحكام العَفاف والستر".
* * *
233- لا يزال الآباء يحرصون على أبنائهم ويتابعون مسار حياتهم؛ أمَّا الأنبياء فبلغ بهم الحرص إلى أن سألوهم وتفقدوهم- حتى لحظات الاحتضار – عن أعظم أمر وأخطره وهو التوحيد. ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 133].
* * *
234- ما قسمه الله أتى إليك وحَطَّ رحاله بين يديك، ونصيبك في الرزق مقسوم لن يذهب لغيرك! دع الناس ولا تَتْبع أحوالهم ولا يكن قلبك كارهًا لمَا في أيديهم فتعترض على الحَكم العدل: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 54].
* * *
235- لا يخلو بيت من مكتبة حتى وإن كانت صغيرة، هي للزوج وللزوجة وللأبناء .. تنمي فيهم حبَّ القراءة والاطلاع .. كتب شريعة ولغة وتاريخ ومعارف عامة! ولن يضيق منزل بِرَفٍّ واحد طوله ثلاثة أمتار ليكون نواة لمكتبة أسرية! (طول أَرْفُف أكبر مكتبة في التاريخ تبلغ 600كم).
* * *
236- قال محمد بن إسماعيل الصائغ: مَرَّ بنا أحمد بن حنبل ونعلاه في يديه، وهو يركض في دروب بغداد ينتقل من حلقة لأخرى، فقام أبي وأخذ بمجامع ثوبه، وقال له: يا أبا عبد الله إلى متى تطلب بالعلم؟ قال: إلى الموت. [شرف أصحاب الحديث 68].
* * *
237- قال تعالى: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37] قال وهب بن منبه: أدب الاستماع: سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع لِمَا يحب الله ويرضاه.
* * *
238- أن تكون أسرتك متميزة عن سائر الأسر ليست أنانية وحُبّ ذات، بل هو أمل كل مسلم، وهو مطلب شرعي نَبَّه الله سبحانه وتعالى إليه، عندما قال حكاية عن زكريا: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: 5-6]، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74].
239- ذكر المؤرخون في العصور الأولى من انبلاج نور الإسلام أن أهل المغرب الأقصى كانوا يَسيرون إلى البيت الحرام بعد عيد الأضحى بأيام ليُدركوا الحج القادم .. ويستغرق سفرهم هذا إلى مكة وإقامتهم وحجهم سنة كاملة؛ فيها من مشقة السفر، وخوف الطريق، وانقطاع المَؤنة ما الله به عليم.
ومِنْ نِعَم الله علينا في هذه البلاد تيسر السُّبل، واستتاب الأمن ورغد العيش، فمن فاته حج هذا العام فليعقد النِّية للعام القادم.
* * *
240- جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله فقال: من أين أُحرم؟
قال مالك: من الميقات الذي وَقَّت رسول الله r.
قال الرجل: فإن أحرمت من أبعد منه (أي: قبل الوصول إليه).
قال مالك: لا أرى ذلك.
قال الرجل: وأي فتنة في ازدياد الخير؟!
قال مالك: إن الله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
* * *

كتاب أطايب الجني
د. عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم


* * *