حرم الله الظلم على نفسه فجعله محرما بين عباده

إن الله تعالى خلق الانسان وجعله خليفته في الأرض وسخر له ما يحتاجه من أجل تنظيم وإدامة حياته وفق نظام متكامل أُرسِلَ اليه عن طريق أنبيائه ورسله ، ومن ضمن ما حرمه ربه عليه كان الظلم بقوله تعالى كما ورد في حديث قدسي بأنه حرم الظلم على نفسه فجعله محرما بينهم كذلك. ومعلوم أنه إذا وقع الظلم ضاعت الحقوق واختلط الحابل بالنابل وطغت على المجتمع الانساني حالة من الفوضى وعدم الاطمئنان. وإذا طال أمد الظلم فالمظلومون يبحثون عن سبل لرفعه عن كاهلهم. وفي زمن الصراع بين الظالم والمظلوم قد تقع تجاوزات من الجانبين تؤذي أبناء المجتمع. وهنا يأتي دور الخيريين في المجتمع لتدارك الأمر وإبداء النصح للظالم بالكف عن ظلمه من أجل تجنيب المجتمع خسائر إستمرار الفعل ورد الفعل

الإدارة الأمريكية لم تكن عادلا في التعامل مع العديد من القضايا الدولية ، خاصة تلك التي تخص الأمة الاسلامية. وحب الهيمنة على العالم أفقدها الحس بآلام المظلومين ، بل شاركت بشكل أو بآخر في طمس حقوقهم وفرض حلول قسرية عليهم والتي لم تكن في صالحهم. وخير دليل على ذلك قضية فلسطين. أما فيما يخص التعامل مع الحركات الاسلامية في بلدان العالم الاسلامي فإنها لم تنظر اليها بعين العدالة ، بل نظرت اليها بعين الريبة وحرضت ، بل ساعدت حكام دولها على ضربها وإجتثاث جذورها. وذهبت أبعد من ذلك حينما استخدمت أجهزتها الأمنية والمخابراتية لمتابعة الناشطين من أعضائها وإعتقالهم وتسليمهم الى حكومات تلك البلدان كما حصل للمهندس فؤاد طلعت قاسم ـ أبو طلال ـ الذي كان لاجئا سياسيا في الدانمارك وكان محكوما عليه بالاعدام من قبل محكمة عسكرية في مدينة أسكندرية بمصر وذلك بتسليمه الى السلطات المصرية بعد إختطافه من قبل الشرطة الأمريكية في كرواتيا حينما كان في طريقه الى البوسنة

وعلى صعيد الأمن والسلم العالميين ، فخلال السنوات التي تلت سقوط الاتحاد السوفيتي ـ سابقا ـ وخروج الروس من المعادلة الدولية أصبحت أمريكا تقدم نفسها كضامن للأمن والسلم العالميين ، وظهرت بمظهر الناصح الأمين من خلال إبداء النصح وتوجيه الأطراف المتصارعة الى ضبط النفس وتحكيم العقل والمنطق والبحث عن حلول سلمية لمشاكلها بدلا من تصعيد المواقف المتشددة. ولكن يبدو أن سبب التوزان الأمريكي هذا كان يعود الى أن نار الصراعات تلك لم تكن تلتهم أمريكا ومؤسساتها الداخلية وكان على حساب آلام ومعاناة أطراف تلك الصراعات ، خاصة المظلومة منها. ولما وصلت النار الى مؤسساتها ومس الصراع مصالحها في عقر دارها ، وبالتالي هيمنتها على العالم فقدت توازنها وضربت بعرض الحائط كل المعايير والمواثيق الدولية ، علما بأن الأذى الذي تعرضت له لم يصل الى عشر ما تعرض له الأفغان على يد الروس ، والبوسنيون على يد الصرب ، والشيشان على يد الروس كذلك ، والفلسطينيون على يد إسرائيل

توزيع أمريكا للاتهامات يمنة ويسرة ، وتهديد الدول والأنظمة والمنظمات بأنها إذا لم تؤييدها فإنها في الصف المعادي ، والتهديد بضرب المنشآت النووية الباكستانية وضرب أفغانستان بالسلاح النووي أثبت أن العقلية الأمريكية لم تتغيير وإنها هي إمتداد دون تغيير للعقلية التي لم تترد في ضرب مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في وقت كانت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها

هدد العراق قبيل حرب الخليج الثانية عام 1991 مجاملة بإحراق إسرائيل بالأسلحة الكيمياوية المزدوجة ، وأجرت باكستان تجاربها النووية ردا على تجارب نووية هندية ، وطورت إيران صواريخها التقليدية فملأ الأمريكان الدنيا ضجيجا وصراخا بأن هذا تهديد للسلم العالمي ودعوة مباشرة الى حروب نووية. وها هم الآن يهددون في رد فعل هستيري بضرب أفغانستان نوويا. لو قالت ذلك باكستان أو مصر أو السودان أو إيران لعبأ الأمريكان الرأي العام العالمي ضدها وطالبوا بتقديم حكامها الى المحكمة الدولية

مما لاشك فيه أن الظلم الأمريكي وإنحيازها المباشر لمصالحها ومصالح حلفائها وتهميش الشعوب والدول التي لا تسير سيرا ذيليا في فلكها ، بل والضغط عليهم ليكونوا حجر الرحى للمصالح الأمريكية جعل لأمريكا أعداء كثر بحيث بدأت تشك في كل حركة تشهدها الشوارع التي تقع فيها سفاراتها في عواصم العالم. ففي الوقت الذي تزين الأزهار والورود والشجيرات الجميلة واجهات أبنية سفارات العديد من بلدن العالم تحيط بالسفارات الأمريكية كتل اسمنتية وأسيجة حديدية حتى في العواصم الغربية. هل سألت الادارة الأمريكية نفسها لماذا كل ذلك؟ لماذا التشكيك بالشعوب والدول؟ ألا يدل ذلك على أن هناك خلل في السياسة الأمريكية لابد من تداركه؟ ماذا لو إستمع الأمريكان للشعوب المضطهدة؟ ماذا لو تخلى الأمريكان عن تأييد الأنظمة الظالمة التي تضطهد شعوبها وتقمع الحريات فيها؟ ماذا لو تخلى الأمريكان عن تعقب أناس ليس لهم أي ضرر على الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية؟ ماذا لو تخلى عن تسليمهم الى دولهم وهم يعرفون حق المعرفة بأنهم سيعدمون حال تسليمهم؟

نحن نعتقد بأن أمريكا ليست خالية من الأصوات المنادية بتطبيق العدالة والمساواة والحرية للجميع والتخلي عن الظلم وإن كانت تلك الأصوات خافتة ومنخفضة اليوم. فعلى الادارة الأمريكية التي أصمت أذنيها عن سماع نصائح الغير أن تستمع الى تلك الأصوات الداخلية لأن الظلم منقطع لامحالة طال الزمن أم قصر