الـضـحـك عـلـى أشـلاء الـمـوتـى !!!

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تدور رحى الحرب .. فإنها لا تفرق بين صغير أو كبير .. ولا تفرق بين جندي أو مدني .. ولا بين رجل وأمرأة .. فهي تقتل وتقتل .. ولا تمل ولا

تكل ولا تشبع من القتل .. فهي كالنار كلما أُلقي فيها الحطب زادت توقداً وكأنها تطلب المزيد ..

في الحروب لا تسمع إلا دوي إنفجارات القنابل التي لا تصم الآذان .. بل إنها تفجرها تفجيراً .. في الحروب لا ترى إلا المشاهد البشعة .. المشاهد الفضيعة .. المشاهد المرعبة .. المشاهد البالغة القسوة إلى الحد الذي لا يمكن وصفه ..

أم تنوح على ابنها .. وهي تضم ما تبقى منه إلى صدرها .. وقد تقطع أشلاءً .. يد هنا ورجل هناك .. ووجهه البريء الطفولي .. قد عبثت به كمية لا تُعد ولا تحصى من الشظايا .. وشوهته وأخفت ملامحه البريئة التي كانت تدخل الفرح والسرور والبهجة عليها حين تراه .. تموت هذه الأم ألف مرة وهي تنظر إليه .. تتمنى لو كانت حياتها أمر تملك التحكم والتصرف فيه .. لقسمت منها قسماً ووضعته بين جنبات هذا الطفل .. بل تتمنى لو تهبه حياتها كلها .. لتموت هي .. وهو يعيش ..

هذه مجرد صورة مصغرة لما يحدث في الحروب من مآسي .. وإلا فإن مآسيها .. يقف اللسان عاجزاً عن وصفها ..

بإختصار .. في الحروب من الدواهي والمصائب ما يشيب له الولدان .. فنسأل الله أن يجنبناها .. وأن يحفظنا بحفظه ..

ولكن .. العجب العجاب .. والأمر المحير إلى حد " الهستيريا " .. والمحزن إلى حد الموت كمداً .. هو عندما تجد من يضحك بملء شدقيه وسط هذه الأجواء الرهيبة العصيبة .. والمميت حقاً .. أن تُتخذ هذه الحرب كوسيلة لإضحاك الناس !!! .. هل يُعقل هذا ؟؟!! ..

نعم يُعقل .. بل ويحصل .. بل وحاصل فعلاً .. أتدرون كيف ؟؟

تطالعنا الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها ( مرئية " وهي أقلها " ، مسموعة ، مقروءة ، وعن طريق الإنترنت " وهي أكثرها " ) .. أقول تطالعنا بين

الفينة والأخرى .. بما يستجد في الساحة من " نكت وطرائف " تتداول من بعض الحمقى حول الحرب .. نعم .. والله .. حول الحرب .. ولا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ دعاية عن " نكتة " أو طرفة جديدة .. ثم يتم تداولها بنطاق واسع في الوسائل الإعلامية ..

يا الله رحمتك .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..

ألهذا الحد .. نحن أمة لا مبالية .. أمة لا يهمنا إلا الضحك .. حتى ولو كان في زمن الحرب .. حتى ولو كان على جثث الموتى وأشلائهم ؟؟ ..

تُرى علام يدل هذا ؟؟ هل يدل على الشجاعة ؟؟ أم هل يدل على النخوة والشيمة والعزة ؟؟ أم هل يدل كرم الخلق ونبله ؟؟

لا والله .. لا يدل على أي من ذلك .. وإنما يدل على شيء واحد لا غيره .. إنه دليل على ضعف الإيمان في قلوب بعضنا .. وعندما يضعف الإيمان في القلب .. توقع من صاحبه أي شيء .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

أمير المؤمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه .. عندما كان الإيمان يعمر قلبه .. خطت الدموع خطين أسودين على خديه .. وهو الذي قال مقولته الشهيرة ( لو أن شاة تعثرت بالعراق .. لظننت أن الله سائلي عنها يوم القيامة ) أو كما قال .. سبحان الله .. شاه .. أرأيتم الإيمان .. ونحن نرى المسلمين يُنحرون ويذبحون كما تُذبح النعاج .. ثم لا نحرك ساكناً .. لا بل .. ونضحك بملء أفواهنا .. ونبتدع ونتسابق على ابتداع النكت والطرائف حول ذلك ..

أي نوع من البشر نحن .. بل هل نحن بشر أصلاً ؟!

عند الموت .. يتلاشى الداعي للضحك .. ويختفي الضحك من قاموس من أُصيب بهذا المصاب الجلل .. فهما نقيضان .. لا يتقابلان .. ولا يتفقان .. ولا يجتمعان .. إلا في حالة واحدة فقط .. ألا وهي " الجنون " ..

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..

وأخيراً .. أوصيكم ونفسي بالتوبة إلى الله والإنابة إليه .. " يانفس توبي .. قبل ألا تستطيعي أن تتوبي " .. والإكثار من الدعاء لأخواننا المستضعفين في كل مكان .. والإخلاص في ذلك .. والإلحاح فيه .. وعلينا أن نحسن الظن بالله سبحانه وتعالى .. وأن نسلّم الأمر له .. فهو وحد من يملك أمر الكون كله .. وهو المصرف فيه .. فما أمره إلا أن يقول للشيء كن فيكون .. جلت قدرته .. وتعالت أسماؤه ..

والله تعالى أعلم وأحكم ..

تحياتي ..