أكتب لكم هذه الرسالة آملاً أن توضع في الاعتبار بغض النظر عن دين كاتبها ولون بشرته وموقعه من تصنيفكم الجديد لبني آدم بين متحضر موافق لكم في كل ما ترون وهمجي لا يكون كذلك .
فهذه الرسالة من نوع قد يكون غريباً عليكم فأنا أكتب إليك بصفتي وارثاً من ورثة الأنبياء الكرام وقد علمنا الأنبياء أن نخاطب المستكبرين في الأرض لعلهم يتذكرون أو يخشون رب العالمين : هكذا خاطب موسى عليه السلام فرعون وهامان وقارون ، وخاطب عيسى عليه السلام والي الرومان ورئيس كهنة اليهود وخاطب محمداً صلى الله عليه أبا جهل في مكة وهرقل وكسرى وليس من شرط ذلك أن يستجيب المخاطب أو أن يسمع لكنه إبلاغ لرسالة الله وإعذار إليه .
أكتب إليك وأنا فرد من أمة مستضعفة مضطهدة في مثل الحال التي كان عليها عيسى عليه السلام حين كان يتعرض لعدوان اليهود من جهة والرومان من جهة أخرى.
ومن المؤسف أن تكون الولايات المتحدة وهي البلد الذي أسسه المهاجرون المضطهدون قد أحلت نفسها محل الإمبراطورية الرومانية التي اضطهدت أتباع المسيح عليه السلام وتواطأت مع أعداء الرسل وقتلة الأنبياء وقتلة أتباعهم في كل زمان ومكان وهم كفار بني إسرائيل .
في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية الرومانية تدعي أنها رمز الحرية والقيم الحضارية – مثلما ألمحتم عن أمريكا في أول خطاب لكم بعد الحادث – وقد كانت القوة العظمى في العالم ووريثة الحضارة اليونانية ولها مجلس شيوخ وديموقراطية شكلية وكان الفرد الروماني حراً في عقيدته وسلوكه الشخصي وهذا ما يجعلها خيراً من الإمبراطوريات المستبدة في مناطق أخرى من العالم، ولكن التاريخ الإنساني لا يذكر تلك الدولة بخير بسبب الجريمة البشعة التي تلطخت بها وهي اضطهاد المسيحيين. لقد فقدت تلك القوة العظمى كل ميزة قيمة حين استضعفت طائفة مؤمنة بالله الذي لـه القوة المطلقة والعزة المطلقة والعدل المطلق وهو شديد العقاب الذي يملي للظالم، ولكنه ينتقم منه يوماً.
وهكذا فعل … فقد سلط والسودان وغيرها كثير –.
إلا أن ما حدث في فلسطين بعد تدنيس المسجد الأقصى على يد أكبر مجرم إرهابي في هذا العصر "شارون" طغى على ذلك كله .
وكان من سوء حظكم بعد نجاحكم الشاق في الانتخابات أن تعاصروا هذا المجرم وتستمروا في الحلف الاستراتيجي الأبدي مع دولته، تلك الحليف الغريب الذي يحصل على كل شيء منكم وقت الرخاء، فإذا جاء وقت الحاجة طلبتم منه الحياد وكافأتموه عليه!! .
لقد حرصنا نحن المسلمين على انتخابكم ونحن نملك الأدلة على أن غالبية الأصوات المرجحة لفوزكم هي أصواتنا، وأنا شخصياً نصحت المسلمين بذلك، وكان بعضهم يأمل بأن تكونوا أقرب إلى العدل من الديمقراطيين مع أن بعضهم الآخر كان صريحاً في أن الأمر لا يعدو اختيار أهون الشرين ولم نفعل ذلك نسياناً منا لجرائم حزبكم ووالدكم في كل أرض إسلامية . ولكن لأننا أمة عدلٍ وعقلٍ ألجمنا مشاعرنا واخترنا ما رأيناه الأفضل لنا ولأمريكا أيضاً، وتوقعنا منكم أن تقابلونا بشيء من الرد للجميل، ولكن ما فعلتموه كان العكس تماماً فقد زايدتم على سلفكم في نـزعة شريرة بل شاركها في ذلك العالم كله. العالم الذي طردكم من منظمة حقوق الإنسان وحشد في وجهكم 3000 منظمة شعبية في مؤتمر "دربان" وعانى أكثر من أربعين شعباً منه من حصاركم الظالم وعقوباتكم الاقتصادية فضلاً عن غزوكم العسكري، حتى البيئة أثبتُّم للعالم أنكم أعدى أعدائها، ولكم في كل مؤتمر من مؤتمراتها موقف مخالف للعالم كله.
وقد كانت صدمة الناس بخطابكم الأول أكثر من صدمة الحدث نفسه فقد تضمن التطابق – بل التماهي- بين أمريكا وبين الحرية والعدل والقيم النبيلة كما تضمن الوعيد الشديد بالانتقام وليس الوعد بالتعامل بعدل، وقد حاولنا التماس العذر لكم بهول الصدمة ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي، ولكن كلامكم بل أفعالكم كلها تتابعت على نفس المنوال وقطعت كل احتمال.
لقد كانت المجازفة في الاتهام والتسرع في الانتقام مأساة حقيقية لأمريكا وامتحاناً حقيقياً لقيمها وتحضرها، فقد هرعت أجهزتكم الأمنية – التي كانت تـزعم أنه لو مر ذباب فوق البنتاجون لضبطته، ولو قام انقلاب في إحدى قبائل الإسكيمو لعلمت به قبل وقوعه – إلى أقرب معهد للتدريب على الطيران وأقرب فندق واستخرجت من قوائمها كل اسم دارس أو نـزيل عربي أو مسلم وأعلَنت أنهم هم الإرهابيون المعتدون !!
تصور أيها الرئيس … لو كنت جالساً بين أهلك وقبيلتك على بعد آلاف الأميال وسمعت أو رأيت الخبر عن قيامك بعملية انتحارية في طائرة ؟ أو سمعت أن أخاك المتوفى من سنة هو الفاعل ؟ ألا تشكر الله على أنك لا تنتمي إلى هؤلاء المتحضرين ولا تؤمن بما يدعون من قيم وعدل؟ لاسيما وقد استجاب شعبكم المتحضر جداً لهذه الرسائل منكم ومن وزرائكم وأجهزتكم، فأخذ يهاجم البرابرة الغزاة في كل ركن من أركان الحرية والحضارة في بلادكم.
لقد اكتشفت أنا وأبناء بلادي كم كنا برابرة حين قامت عصابة من الغربيين – ولا أقول من الإرهابيين لأن بشرتهم بيضاء وعيونهم زرقاء!! – بسلسلة من التفجيرات في مدننا ، ورأيناهم وهم يدلون باعترافاتهم الخطيرة ومع ذلك لم يتحرك منا شعرة لمهاجمة أي إنسان غربي في أي مكان من بلادنا، لم نقتلهم ولم نجردهم من ملابسهم في مطاراتنا ولم ندخلهم الزنازين الانفرادية؛ فضلاً عن أن نحرض العالم كله لإنشاء تحالف عليهم . لا … لاشيء من ذلك الذي فعله المتحضرون بأبنائنا وأبناء المسلمين عامة فعلناه.
لكن الذي دفعنا – أيها الرئيس – إلى هذا السلوك ( غير المتحضر ) هو ديننا وأخلاقنا ونشكر الله الذي أعطانا ذلك .
وهنا أسألكم أيها الرئيس :
لو أن العالم خوّلكم إعطاء جائزة تقديرية للشعب الأرقى خلقاً وقيماً والأحسن تعاملاً فلأي الشعبين كنت ستعطي الجائزة ؟ لشعبك أم لنا ؟
.
وفي هذا سر إلهي عظيم يذكرنا بما حدث لفرعون الجبار على يد بني إسرائيل المستضعفين فاسمعه من كتاب الله الكريم { طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبأِ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين * ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } [ القصص : 1- 6 ]
لا تقل أين أنا من فرعون ؟ فقد طلبتم من المسلمين ما لم يطلبه فرعون من موسى عليه السلام وبني إسرائيل، وهو أن لا يكرهوكم بقلوبهم – مهما فعلتم وتجبرتم – وإلا فستنتقمون منهم، وهذا من خصائص الألوهية، فالله تعالى وحده هو القادر على أن ينتقم من كل من لا يحبه ، ونحن لا نعلم إمبراطورية ديكتاتورية في التاريخ القديم تتعامل مع ما تُكِنّه القلوب وتخفيه الضمائر ، فضلاً عن دولة ديمقراطية في القرن الواحد والعشرين .
قد تقولون : إننا نقصد استئصال كل ما يثير كراهية في الخطب ومناهج التعليم ومقالات الصحافة وأحاديث الإعلام . فنقول: إن كانت هذه هي ديمقراطيتكم فلا عليكم أن تطلبوا ما شئتم، ولكن ثقوا تماماً أنكم لن تنجحوا، فإن الذي يعلمنا كره الظلم ومحبة الحق هو ديننا وقرآننا وهو أقوى من كل وسائلكم وأثبت من جبالكم . وإذا أبيتم إلا غطرسة القوة وجنون العظمة فليس لديكم من وسيلة إلا إبادة المسلمين كلهم بالسلاح النووي أو البيولوجي أو ما شئتم من ترسانتكم الجهنمية ؟
قد تقولون: لماذا كلهم وفيهم من يحبنا ؟ فأقول – تأكدوا – أنه لا يوجد مسلم على الأرض يحبكم حتى وإن تبرع لكم بالدم وأنشأ لكم مراصد استخباراتية أو فوضكم وضع المناهج التعليمية لشعبه . فكل من يدعي محبتكم في الأرض – وليس في المسلمين من يستطيع أن يدعيها – إنما يحبكم محبة الفريسة الخائفة للوحش الغاشم .
وقد تقول: سوف نعطي الشعوب الإسلامية الثقة من خلال تغيير أنظمة الحكم لتكون متسامحة وديموقراطية!!
فنقول: كفوا عنا شرّكم وكفى. فبهذا الوعد الزائف أهلكتم الشعب العراقي وغيره. وأي حرية أو ديموقراطية منكم فلا نريدها، ولن نقبلها، فعدو الحرية لا يعطي الحرية.
أيها الرئيس …
أنصحكم وأخوفكم بالله أن تقفوا وتَكُفّوا عن العدوان وتتعاملوا مع القضية بعدل وأناة وسوف تجدوننا معكم بلا تحفظ . إن عودتكم الآن وأنتم في أول الطريق أسهل عليكم وأفضل للعالم وإلا فإن البدايات السهلة غالباً ما تستتبع نهايات بالغة الصعوبة، ولذلك أرجو أن تفكر أيها الرئيس فيما لو دمرت كل بلد تصنفه في قائمة الإرهاب هل ستكون هذه هي النهاية أم أنها البداية ، اللهم إلا إذا كنت تريد أن تدخل التاريخ من باب "آرمجدون" الملعونة !! فحينئذٍ لن يكون هناك تاريخ أصلاً .
ولهذا أكرر لك النصيحة وأقول : إتق الله وفكر جيداً . والسلام على من اتبع الهدى .