

قال تعالى فى محكم التنزيل :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ,
قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا )
الكهف :2:1
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه
وصلاة وسلاما على من بلغنا عن الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قال الله تعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
الحجرات: 13
إن هذه الآية العظيمة جاءت في سورة الحجرات
فبعد أن ذكر الله تعالى جملةً من الآداب العظيمة والخلال الكريمة ونهى عن جملة من الأخلاق الرذيلة والطباع السيئة
قال الله سبحانه بعدها مقرراً الأصل الجامع الذي تنطلق منه الأخلاق الحسنة وتضعف معه أو تتلاشى الأخلاق السيئة
وأنه معيار التفاضل والكرامة عند الله:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
الحجرات: 13
إنها لآية عظيمة تبرز ميزان العدل الذي لم تظهر تفاصيله كما ظهرت في هذا الدين
لن يتبين لنا موقع هذه الآية الكريمة إلا إذا استعرضنا شيئاً من الموازين التي كان يتعامل بها عرب الجاهلية
في نظرتهم لغيرهم من غير قبائلهم سواءٌ كانوا من قبائل أخرى أقل منها درجة في النسب أو في نظرتهم للأعاجم أو في تعاملهم مع العبيد والموالي
و هذا الموقف الذي وقع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحدّث به الصحابي صادق اللهجة:
أبو ذر رضي الله عنه:
إني كنت ساببتُ رجلاً وكانت أمُّه أعجميةً فعَيَّرتُه بأمِّه فشكاني إلى رسولِ اللهِ فقال :
(يا أبا ذرٍّ, إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ . قال: إنهم إخوانُكم فضَّلَكم اللهُ عليهم ، فمن لم يلائمْكم فبيعوه ولا تعذبوا خلقَ اللهِ)
الراوي: أبو ذر الغفاري - المحدث:الالبانى - المصدر: صحيح أبى داود
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فهذا أبو ذر مع صدق إيمانه وسابقته في الإسلام لامه النبي صلى الله عليه وسلم وعاتبه لما خالف
هذه القاعدة القرآنية العظيمة وعيّر الرجل بمنطق أهل الجاهلية
وليس هذا الموقف الوحيد الذي ربى فيه النبي صلى الله عليه وسلم على الاهتداء بهدي هذه القاعدة
بل كررها بعدة أساليب وسوف نكتفي بهذين الموقفين الذين لا يمكن أن تنساهما العرب ولا قريش أبد الدهر:
الموقف الأول:
فهو يوم فتح مكة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يصعد فوق الكعبة ليرفع الأذان
في مشهد ما ظن بعض المسلمين أن يعيشوا ليروا هذا العبد الحبشي يقف كهذا الموقف
ولكنه الإسلام والهدي النبوي الذي يربي بالفعل والقول.
وفي ذات اليوم ـ فتحِ مكة ـ يدخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبةَ ويصلي فيها
ولك أن تتفكر من هي الشخصيات المتوقعة التي حظيت بشرف مرافقته في دخوله هذا
والذي أغلق عليه الباب بعد دخوله ومن معه؟! لعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؟ كلا
إذن لعله صهره وزوج ابنتيه ذي النورين: عثمان، وابن عمه علي رضي الله عنهما؟ كلا
إذن لعله دخل بعض مسلمين الفتح من أكابر قريش؟ كلا
بل لم يدخل معه سوى: أسامة بن زيد ـ مولاه ابن مولاه ـ
وبلال الحبشي وعثمان بن طلحة المسؤول عن مفتاح الكعبة
أي برهان عملي على إذابة المعايير الجاهلية أكبر من هذا؟
مع أن في الحضور من هو أفضل من بلال وأسامة كالخلفاء الأربعة وبقية العشرة المبشرين
الموقف الثاني:
فإنه وقع في أعظم مشهد عرفته الدنيا في ذلك الوقت إنه مشهد حجة الوداع
ففي بعض مشاهد تلك الحجة وبينما الناس مستعدون للنفير من عرفة وإذا بالأبصار ترمق الدابة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يركبها
ويتساءلون: من الذي سيحظى بشرف الارتداف مع النبي صلى الله عليه وسلم؟
فلم يرعهم إلا وأسامة ـ ذلك الغلام الأسود: مولاه وابن مولاه ـ يركب خلف النبي صلى الله عليه وسلم والناس ينظرون
فعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي خطب ظهر ذلك اليوم خطبته العظيمة التي قرر فيها أصول التوحيد والإسلام
وهدم فيها أصول الشرك والجاهلية وقال كلمته المشهورة:
"إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي هاتين موضوع"
هذان الموقفان قطرة من بحر سيرته العطر صلى الله عليه وسلم
أما سيرة أصحابه رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان فالمواقف فيها كثيرة وعظيمة
أكتفي منها بهذا الموقف الذي يدل على نبلهم وفضلهم وشرف أخلاقهم حقاً
جعلهم أهلاً لأن يكونوا خير من يمثل عالمية الإسلام وعالمية الرسالة.

إن من عظمة هذا الدين أنه لم يربط مكانة الإنسان ومنزلته عند الله بشيء لا قدرة عليه به
فالإنسان لا يختار أن يكون شريف النسب وإلا لتمنى الكل أن يتصل بالسلالة النبوية
ولم يربطه بطول ولا قصر ولا وسامة ولا دمامة ولا غير ذلك من المعايير التي ليست في مقدور البشر بل ربطه بمعيار هو في مقدور الإنسان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وليس في كتاب الله آية واحدةٌ يمدح فيها أحداً بنسبه، ولا يَذُمُّ أحداً بنسبه، وإنما يمدحُ الإيمانَ والتقوى، ويذمَ بالكفرِ والفسوقِ والعصيان"
ومما يشهد لما قاله شيخ الإسلام:
أن الله تعالى أنزل سورة كاملة في ذم أبي لهبٍ لكفره وعداوته للنبي صلى الله عليه وسلم
ونهى اللهُ نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يطرد المؤمنين من ضعفة أصحابه وإن كان القصدُ من ذلك:
الرغبة في كسب قلوب أكابر قريش فقال سبحانه:
{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِين}
الأنعام: 52
وقال له في الآية الأخرى:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
الكهف: 28

إن مما يؤسف له في واقعنا هذه الايام وجود أمثلة كثيرة مخالفة لهذه القاعدة الشريفة:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
تمثلت بصور من عودة العصبية الجاهلية للقبيلة والتي لم تتوقف عند حد التعارف بين أفراد القبيلة الواحدة فحسب
ولم تتوقف عند التمادح المباح بل تجاوز ذلك إلى الغلو في المدح والموالاة المفرطة للقبيلة بل والتلويح تارة بنبز القبائل الأخرى
والتي ذوبانِ المعايير الشرعية عند البعض بسبب بعض شعور البعض بأنه الافضل أو الاحسن لوصوله لمناصب واهية زائلة
فى بعض الوظائف أو المناصب أو المنتديات مثلا فأصبح ينصب نفسه فوق الكل يمنح هذا ويمنع عن هذا
ويتعالى ولا يكلف نفسه احيانا بالرد على دعوتك لتقرأ موضوعاته و لا حتى بالنقد
لشعوره بأنه الاعلى و الافضل وان ما دونه هم الاقزام
وهذا مخالف لهذه القاعدة القرآنية الكريمة
فليتق الله من يسمع ويقرأ قول ربه:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وليحذر كل مسلم ومسلمة من التفاخر المذموم وليعلم المؤمن أن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه
أخوتى فى الله
جاء فى السنة المشرفة
أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خطبَ النَّاسَ يومَ فتحِ مَكَّةَ، فقالَ:
(يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وتعاظمَها بآبائِها فالنَّاسُ رجلانِ:
برٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللَّهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّهِ، والنَّاسُ بنو آدمَ، وخلقَ اللَّهُ آدمَ من الترابِ
قالَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
الراوي: عبدالله بن عمر - المحدث: الالبانى - المصدر: صحيح الترمذى
خلاصة حكم المحدث: صحيح
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من أخلاق أهل الجاهلية
وأن يرزقنا التأسي برسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورنا
ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
تمت الإستعانة ببعض المواقع الإسلامية مع الاختصار و التنسيق
متجدد تابعونى


تعليق