قصة الإفك
الإفك هو الكذب والبهتان والظلم
كانت حادثة الإفك محنة كبرى لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
وظلم كبير لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ولوالديها
وأختبار أكبر للمؤمنين وأظهار المنافقين على حقيقتهم ليميزالله الخبيث من الطيب
والمؤمن من المنافق
قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
النور : 11
لقد كانت زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة بنت أبى بكر هو عن حب شديدا لها ولأبويها وكانت الوحيدة التى تزوجها من بين نسائه بكرا (عذراء)
اللآتى كن جميعا ثيبات أى سبق لهن الزواج وكانت أمهات المؤمنين
يعلمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب عائشة حبا جما
وكن يتنازلن عن ليلتهن مع رسول الله ليكون مع عائشة لإسعاده
مثل سودة بنت زمعة وغيرها
ان النبى إنسان له قلب يحب ولا ينكرالحب وقد ملك حب عائشة قلب رسول الله فقد كان يدللها
ويلعب معها لأنها كانت صغيرة فى السن حتى لاتحس بالوحشة
وهذا لا يعنى أن النبى كان لا يعدل بين زوجاته فى كل شئ ولكن قلبه كان يميل أكثر لعائشة
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل في القسم بين نسائه وكان يقول :
{ اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما لا أملك }
يعني زيادة المحبة فى القلب
أخرجه أصحاب السنن الأربعة
وكانت السيدة عائشة ذات ذكاء وذاكرة حافظة مما جعلها تحفظ الكثير من احاديث رسول الله
وكانت النساء تأتى عائشة لتسئلها فيما بخص فقه النساء
فتسأل الرسول وترد عليهن ولقد بلغت منزلة ومكانة لدرجة أنعن أبي أَبِي بُرْدَةعن أبي موسى الأشعري -رَضِي الْلَّه عَنْه- قال:
قال عنها ابو موسى الأشعرى :
[مَا أُشكلَ عَلَيْنَا أَصْحَاب رَسُوْل الْلَّه -صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم- حَدِيْث قَط فَسَأَلْنَا عَائِشَة -رَضِي الْلَّه عَنْهَا- إِلَا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْه عِلْمَاً].
حديث حسن صحيح رواه الترمذي في سننه
ورغم هذا الحب الكبيرالذى ربط بين قلب رسول الله الطاهر وبين السيدة عائشة حبيبة رسول الله وبنت الأكرمين إلا إنه قد مرت بحياتهما الزوجية كارثة كبيرة
ألا وهى حادثة الإفك
وقصة حادثة الإفك تتلخص فيما يلى :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يخرج فى الغزوات يأخذ معه آحدى زوجاته
وحتى لاتغضب احدهن كان يختار بالقرعة
ثبت في "الصحيحين" عن عائشة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا أراد سَفرًا أقرَعَ بين نسائه
فأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهمُها خرج بها معه، وكان يَقْسِم لكلِّ امرأةٍ منهن يَومَها وليلتَها))
وكانت عائشة من فازت بالخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
(غزوة بنى المصطلق)
في طريق العودة من غزوة بني المصطلق حين نزلت من هودجها لبعض شأنها
فلما عادت افتقدت عقدا لها فرجعت تبحث عنه
وحمل الرجال الهودج ووضعوه على البعير وهم يحسبون أنها فيه
وحين عادت لم تجد الركب فمكثت مكانها تنتظر أن يعودوا إليها بعد أن يكتشفوا غيابها
ويعود احدهم ليأخذها فجلست وغلبها النوم فنامت
مر بها أحد أفاضل أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو صفوان بن المعطل السلمي ـ رضي الله عنه
فرأى سودا على الأرض فنادى فاستيقظت
فعرفها الرجل وكان ذلك من قبل ان تنزل آية الحجاب فسألها فحكت له ما حدث
فأناخ لها الجمل وركبت ولم يتكلم معها كلمة واحدة وأوصلها إلى المدينة
وعندما عادت للمدينة مرضت مرضا شديد منعها من الخروج شهرا
ولم تكن تخرج ولم تسمع من أحد ماذا يقول الناس عنها ولاحتى رسول الله فاتحها فيما يسمع
كان رؤوس النفاق بالمدينة المنورة يروجون شائعة عنها وانها تأخرت عن الجيش لأنها كانت
تفعل فعل شائن مع الرجل الذى أتى بها
استغل المنافقون هذا الحادث ونسجوا حوله الإشاعات الباطلة وتولى ذلك
عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق
وأوقع في الكلام معه ثلاثة من المسلمين هم:
مسطح بن أثاثة
وحسان بن ثابت
وحَمنة بنت جحش
فاتهمت أم المؤمنين عائشة بالإفك
ولاحظت عائشة الزوجة المحبة أن زوجها ليس كعادته معها عندما تكون مريضة
ولكنه يدخل فيقول كيف الحال وفقط ثم ينصرف عنها
وعندما شفيت وبدأت تقابل النساء أحست أن هناك شئ لاتعرفه
وعرفت ما يقال عنها فزدادت مرضا على مرضها
ولما رجعت وعاد رسول الله قالت له أريد الذهاب الى بيت أهلى فوافق لها
وانقطع الوحي شهرا عانى الرسول صلى الله عليه وسلم خلاله كثيرا
حيث طعنه المنافقون في عِرضه وآذوه في زوجته
ولما ذهبت الى أهلها وجدتهم فى هم وغم مما يقال عنها
هونت عليها أمها وقالت هذا من فعل الضرائر لأن زوجك يحبك اكثر منهن
وكانت تردد سبحان الله هل يتحدث الناس هكذا على زوجة النبى !!
وظلت عائشه تبكى وتدعوا الله ان يظهر برائتها
فى نفس الوقت جمع الرسول بعضا من الصحابه يسألهم ليتشاور معهم فى طلاق عائشة
فكان الجميع يقولون له أننا لانعلم فيها إلا الخير
فقال الرسول أذن ما يقال عنها إفتراء من المنافقين لضرب الرسول
والقضاء على سمعته وهدم الدعوة والردة عن الإسلام
وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة فى بيت ابيها صديقة الصديق وقال لها :(لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ )13
ياعائشة لقد بلغنى عنك ما كذا وكذا وان كنت بريئة فسيبرئك الله
وإن كنت فعلت ذنبا فستغفرى الله وتوبى إليه فإن العبد إذا أعترف بذنبه
ثم تاب تاب الله عليه
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم والحزن يملئ قلبه على حال عائشة
اللتى كانت تبكى ليلا ونهار وترجوا من الله ان يرى الرسول فى منامه شئ يدله على برأتها
وقالت لأبيها وأمها
أنا أعرف انكم سمعتم عنى ما سمعتم وإن كنتم صدقتم وقلت لكم انى بريئة فلن تصدقونى
وإن أنا أعترفت لكم بأمر لم أفعله فهل تصدقونى؟
والله لااقول لكما إلا ما قال أبى يوسف تقصد (سيدنا يعقوب)
( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
يا ترى هل ظهرت براءة السيدة عائشة ؟ وكيف ظهرت ؟
كان التعب والألم والحزن قد نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم فداه أبى وأمى
وكان يدعوا الله ليلا ونهارا أن يذهب عنه الهم والحزن ويظهر الحقيقة له
فنزل كلام الله سبحانه وتعالى ليسرى عنه ويعرف الحقيقةو ظهرت براءة الطاهرة المبرءة من فوق سبع سموات زوج رسول الله عائشة بنت أبى بكر الصديققال تعالى:
بقرآن يتلى على مر الزمان حتى قيام الساعة
لقد أنزل الله السميع البصيرالعليم الحكيم آيات عظام
نزل به الروح الأمين على خاتم الأنبياء والمرسلين
جاءت فى سورة النور
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ )11
(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ )12
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )14(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )21
(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )15
(وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) 16
(يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) 17
(وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 18
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) 19
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )20
فرح النبى كثيرا وذهب عنه الهم والحزن وذهب لعائشة يبشرها ان الله برءها من فوق سبع سماوات
فعادت الفرحة والسرور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولزوجته الحبيبة أمنا عايشة رضى الله عنها
وكان أبي بكر رضي الله عنه ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره
فلما أنزل الله براءة عائشة رضي الله عنها قال أبو بكر :
" والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال في عائشة فأنزل الله تعالى:
{ وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم ٌ}
(النور:22)
فقال أبو بكر : "بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي"
فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه..
لقد كانت حادثة الإفك حلقة من سلسلة حلقات الإيذاء والمحن التي لقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان من فضل الله ورحمته أن كشف زيفها وبطلانها وأبقى دروسها وفوائدها
لتكون عبرة وعظة للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
وكل ذلك من الخير الذي كشفه الله في ثنايا هذا الحادث مع ما فيه من ابتلاء وآلام
إن هذه الحادثة مع ما فيها من آلام شديدة ولكنها تركت وراءها العديد من الحِكم الجليلة
ومن الفوائد الكثيرة التي ينبغي الاستفادة منها في واقعنا كأفراد ومجتمعات منها :
1
أن أشد الناس إبتلاء هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل
2
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج بنبوته ورسالته وفضله وعلو منزلته عن كونه بشرا
فلا ينبغي لمن آمن به أن يتصور أن النبوة قد تجاوزت به حدود البشرية فينسب إليه ما لا يجوز نسبته إلا إلى الله وحده
3
أكدت هذه المحنة إنه على إنسان أن يتثبت من الأقوال قبل نشرها والتأكد من صحتها حتى
لا يقع الإنسان في الكذب والظلم ويكون سببا في نشر الإشاعات والفواحش
4
عدم رمى المحصنات من النساء لأن هذا عقابه عند الله عظيم
5
قد تحدث لك أزمة فى حياتك وتكون كذبا وافتراء فترى البعض يصدقها مع انه يعرفك تماما
وذلك ليظهر لك الله من يحبك مماهو يخفى خلاف ذلك كما كان موقف المنافقين من حادثة الإفك
6
الحب بين الزوجين شيئا عظيم ويستوجب معه الثقة التامة بين الطرفين
7
عدم التسرع فى الحكم على الاحداث لأن ذلك قد يسبب هلاك المجتمع فلو أن رسول الله طلق عائشة
فور سماعه بالخبر لكان خسر زوجة صالحة وخسرت هى نبى الله وحبيبها محمد
8
على الأنثى عدم التحرك لأى مكان دون أخطار ولا التواجد فى أى مكان يشتبه به لأنه قد يحدث لها مالم يكن فى الحسبان
9
القصص فى القرآن والسيرة النبوية جاءت لتعلمنا وترشدنا إلى ما فيه صلاح حياتنا الدينية والاجتماعية
10
من ضمن ما تعلمنا هذه القصة أن الرجل المتزوج من اكثر من زوجة عليه العدل بينهن فى كل شئ مع احتفاظه بحبه لواحدة منهن فى قلبه وليس فى معاملته
أخيرا
الإنسان يجب أن يخرج من المحنة أشد و أقوى وهذا ما حدث مع امنا عائشة التى سطع نجمها
ارتفعت منزلتها رضي الله عنها
وقد كانت تقول كما روى البخاري :
" ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى"
ومن ثم فمن اتهمها بعد ذلك بما برأها الله به فهو مكذب لله ومن كذب الله فقد كفر
تم الاستعانة بكتاب الله
وبعض كتب التفسير المعتمدة
الروابط المفضلة