تويت
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (آل عمران 102).
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب70-71).
أما بعد ...
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد
صلى الله عليه وسلم، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-( خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلمه ) روّاه البخاري
هذه بعض الفوائد والنصائح والقواعد التي تُعين على التأثُر بكتاب الله وحفظه، أسأل الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بها في الدارين، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملى هذا خالصاً لوجهه:
1- توحيد الله وطاعته والبُعد عن الشِرك الظاهر والخفي
والمعاصي وعن الغفلة والحسد والغيبة والنميمة والغِل والكذب
لما جلس الإمام الشافعي بين يديّ الإمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فِطنته وتوقُد ذكائه وكمال فهمه
فقال: إنى أرى أن الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تُطفئه بظلمة المعصية
وقال وكيع شيخ الإمام الشافعي – رحمهما الله-:
(استعينوا على الحفظ بترك المعصية)
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله-:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي.....فأرشدنى إلى تركِ المعاصي
وقال لي إنَّ العلمَ نــــورٌ.....ونورُ اللهِ لا يُهدى لعاصي
وقال ابن القيم – رحمه الله-:
(وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المُضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله منها: حرمان العلم فإنَّ العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور)
2- كثرة الاستغفار ومُداومة الذِكر
والإكثار من الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم- وكلمة التوحيد
3- التأدُب مع مُعلمي القرآن الكريم وتوقيرهم وإكرامهم
لأنهم أشراف الأمة أُولى الإحسان الذين هم أهل الله وخاصته، من أكرمهم أكرمه الله عز وجل
قال الإمام ابن الجزري – رحمه الله-في طيبة النشر:
وليلزم الوقارَ والتأدُبــا.....عند الشيوخِ إنْ يُرِد أنْ يَنْجَبا
4- الحفظ بنظام خمساً خمساً من الآيات القرآنية
وقد قال بعض مشايخ الأزهر:
(من حفظ القرآن بالخمس لم ينسَ)
5- تلقِى ما يُراد حفظه من مُحفظ مُتقن ذو سند مُتصل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-
فيقرأ الشيخ ويستمع إليه الطالب ويُردد خلفه ما يسمعه 5 مرات بكل دقة ثم يطوى الطالب المصحف ويُردد ما سمعه غيباً من شيخه
6- كتابة ما تُريد حفظه بيدك وذلك بنقله من المصحف بنفس رسم المصحف بكل دقة
فقد أورد الخطيب البغدادي بسنده عن أبى هريرة-رضي الله عنه-قال: كان رجل يشهد حديث النبي – صلى الله عليه وسلم- فلا يحفظه فيسألنى فأحدثه فشكي قِلة حفظه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال له: (استعِن على حفظك بيمينك)
وكتابة ما يُراد حفظه هي الطريقة المُثلى للحفظ
7- استخدام الكمبيوتر في تسهيل الحفظ
وذلك من خلال عرض الآيات المُراد حفظها على الشاشة وسماع صوت القارئ عدة مرات
8- تعهُد التلاوة والمُراجعة والتسميع المُتتابع
لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-:
(تعاهدوا هذا القرآن فوالذى نفس محمد بيده لهو أشد تفلُتاً من الإبل في عقالها ) مُتفق عليه
أى أن القرآن يتفلت من صاحبه الذي لم يتعهده مثل الجمل الذي ضُمت رجله إلى فخذه ورُبطت ركبته بحبل كعقال الرأس قبل أن يُذبح فلما رأى أخاه يُذبح ويفور الدم من نحره تفلَت أى استطاع أن يفك عقال ركبته وجرى كالريح وهكذا يكون تفلُت القرآن من صاحبه الذي أهمله ولم يتعهده
9- استغلال أوقات وأماكن إجابة الدعاء في الدعاء لنفسك ولغيرك بأن يرزقكم الله حفظ القرآن
مثل زيارة المسجد الحرام والشُرب من ماء زمزم ويوم عرفة وفى أيام شهر رمضان المبارك وفى ليلة القدر وفى الثُلث الأخير من الليل وعند الآذان وبين الآذان والإقامة وفى السجود وبعد الصلاة على النبي وعند نزول المطر وعند لقاء العدو
10- أن تُعلِم غيرك ما حفظته وجوَّدته فإن ذلك يُثبت الحفظ عندك
قال سفيان الثوري-رحمه الله-:
(تعلموا هذا العلم فإذا علمتموه فاحفظوه فاعملوا به فإذا عملتم به فانشروه)
وقيل :
يا طالباً للعلمِ كي تحظى به.....ديناً ودنيا حظوةً تُعليه
اسمعه ثم احفظه ثم اعمل به.....للهِ ثم انشره في أهليه
11- قيام الليل بالمحفوظ من القرآن
فقد ثبت في صحيح مُسلم من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً:
(إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقم به نسيه)
12- المُحافظة على طبعة واحدة للمصحف الذي تحفظ فيه
فهذا مما يُعين على إحكام الحفظ وإتقانه والتثبُت فيه وذلك لأن الحفظ يكون بالنظر كما يكون بالسماع فصور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في ذهن القارئ مع كثرة التلاوة والنظر في المصحف
وهكذا يفعل القُراء المجيدون والحُفاظ المُتقنون
أما إذا غيَّر الحافظ مصحفه الذي يحفظ فيه وعاود الحفظ في مصاحف مُتغيرة الطبعة ومُتغيرة لعدد السطور ومواضع الآيات بالصفحة فإن حفظه يصعب ويتشتت
13- الإطلاع على تفسير معاني الآيات القرآنية المطلوب حفظها
والتعرُف على أوجُه الإعراب فيها وأسباب النزول وكل ما يتعلق بها وفهم ما حوته الآيات من أمور فقهية وقصص وأحكام شرعية
فكل ما سبق يُسهل الحفظ ويُثبته في الذاكرة
14- الإلتزام بحق التلاوة
وسيأتى توضيحه فيما بعد
15- استعمال السِواك وشُرب العسل بالماء
واستعمال زيت الزيتون في الطعام وحبة البركة والإكثار من أكل الزبيب ومضغ اللبان المر وأكل الجلاب (قمع العسل الأسمر)
16- البُعد عن كل ما يُغضب الله عز وجل وعن كل ما يشغل القلب والعقل
17- عدم الإفراط في النوم وعدم الإقلال منه
حق التلاوة:
قال تعالى:
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
البقرة121
حق التلاوة ست أشياء:
1- تلاوة اللسان
وهى تجويد الحروف ومعرفة الابتداء والوقوف
2- تلاوة الجسم
وهى اشتغال الجوارح بالطاعات والبُعد عن المُخالفات على حسب الأوامر والنواهي الإلهية في القرآن الكريم بأن تُحل حلاله وتُحرم حرامه
3- تلاوة النفس
هي إبدال الصفات الرذيلة بالصفات الحميدة والتخلُق بأخلاق الله الجائزة في حق العباد من قبيل (تخلقوا بأخلاق الله)
4- تلاوة القلب
وهى الإخلاص والفِكر والتدبُر
5- تلاوة الروح
وهى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد
6- تلاوة السر
وهى الأدب مع الله عز وجل المُتصِف بكل صفات الكمال والمُنزَه عن جميع صفات النقص
ثم الأدب مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم-
ومع العلماء والوالدين وصِلة الأرحام
ثم الأدب مع جميع الأنبياء والمرسلين وأولياء الله الصالحين والوالدين والأقربين
ثم الأدب مع جميع خلق الله
فإن قُمت بين يديّ الله عز وجل بهذه التلاوة كُنت من الذين يتلونه حق تلاوته وكتبك الله في سجل التالين لكتابه وسهَّل عليك حفظ القرآن الكريم
وروى ابن جرير في تفسيره عن أبى العالية قال: قال ابن مسعود-رضي الله عنه-:
(والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يُحل حلاله ويُحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ولا يُحرف الكَلم عن مواضعه)
تعليق