القول الثالث: أن المراد : النفوس النفاثات، وهذا القول أول من علمته ذكره الزمخشري في الكشاف،
وذكره من باب الاحتمال حيث قال:
(النفاثات: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين).
ثم ذكره الرازي ثم ذكره عدد من المفسرين كأحد الأقوال التي قيلت في تفسير الآية،
ورجحه ابن القيم في بدائع الفوائد ومحمد بن عبد الوهاب في اختصاره لتفسير المعوذتين.
قال ابن القيم: (الجواب المحقق أن النفاثات هنا هنَّ الأرواح والأنفس النفاثات لا النساء النفاثات ،
لأن تأثير السحر من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة ،
وسلطانه إنما يظهر منها؛ فلهذا ذكرت النفاثات هنا بلفظ التأنيث دون التذكير والله أعلم) ا.هـ.
والنفث هو: النفخ اليسير مع ريق قليل متفرق في قطرات صغيرة جداً يدفعها النافث بفيه مع الهواء.
فإن كان الريق كثيراً فهو التفل، وإن زاد فهو البصاق، وإن كان بلا ريق فهو النفخ، وكلها تستعمل في الرقية، والأكثر النفث.
والسحرة ينفثون ويعقدون، وفي حديث الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلَّم: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثم نَفَثَ فيها فَقدْ سَحَرَ، ومَنْ سَحَرَ فَقَدْ أشرَكَ، ومَن تَعلَّق شيئا وُكِلَ إليهِ» رواه النسائي وابن عدي والطبراني، ورواية الحسن عن أبي هريرة مختلف فيها، لكن للحديث شاهد من حديث عمران بن الحصين أخرجه البزار.
والشياطين كذلك تنفِث وتعقد،
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يَعْقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأسِ أحدِكمْ ثَلاثَ عُقَدٍ إِذا نامَ، بكلِّ عُقْدَةٍ يضرب عليكَ ليلاً طوِيلاً، فإذا استيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدةٌ، وإذا توضَّأ انحلَّتْ عنهُ عُقْدتانِ، فإِذا صَلَّى انحلَّتِ العُقَدُ، فأَصبَحَ نَشِيطًا طيِّب النَّفْسِ، وَإِلاَّ أصْبَحَ خَبِيثَ النفْسِ كسْلانَ».
"
بقي أن نبيّن أن النفاثات فيها أربع قراءات:
القراءة الأولى: النَّفَّاثات ، وهي القراءة المشهورة وهي قراءة الجماعة.
القراءة الثانية: النافثات ، وهي رواية لرويس عن يعقوب الحضرمي من طريق طيبة النشر.
روى أبو علي الأهوازي في الوجيز عن أبي بكر التمّار أنه قال: (قرأت على رُويس ليعقوب سبع ختمات، وأخذ علي في أربع منها: {ومن شر النافثات}).
القراءة الثالثة: النُّفَاثات ، وهي قراءة رواها أبو الكرم الشهرزوري القارئ عن رَوح.
والنُّفَاثَة هي ما يخرج من الفم بالنفث، واحدتها نفاثة، والجمع نُفَاثات.
القراءة الرابعة: النَّفِثات ، وهي قراءة عزاها ابن الجزري في النشر للحسن البصري وأبي الربيع.
والخلاصة أن الاستعاذة بالله رب الفلق من شر النفاثات في العقد تشمل الاستعاذة من جميع طوائف السحرة من الجن والإنس،
وأنه لا يحلّ عُقَدَ السحر إلا ربّ الفلق جلَّ وعلا.
القول الرابع: {النفاثات} الجماعات التي تنفث، والتأنيث لأجل الجماعة مستعمل في اللغة صحيح،
وأوّل من ذكر هذا القول الزمخشري في تفسيره حيث قال: (النفاثات: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر).
الروابط المفضلة