انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
الصفحة 1 من 13 1234511 ... الأخيرالأخير
عرض النتائج 1 الى 10 من 126

الموضوع: (الــــــــــــوشم) رواية بقلمى .. رشا محمود

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى

    موضوع متميز (الــــــــــــوشم) رواية بقلمى .. رشا محمود

    السلام عليكن ورحمة الله وبركاته
    أخواتى الغاليات
    كم افتقدتكن وافتقدت وجودى فى فيض القلم
    لا أدرى إن كنتن ستذكروننى
    لكنى قررت العودة لبيتى الغالى
    لأنشر به روايتى الرابعة بعدما نشرت رواياتى الثلاث السابقة هنا
    روايتى باسم (الوشم)
    أحداث الرواية تتأرجح بين الحاضر والماضى
    لذا سأكتب أجزاء الماضى باللون الموف حتى لا تتداخل الأحداث

    فمن سيسعدنى بالمتابعة؟
    أهلاً بكن

    رشا محمود

    ********

    مطبوعة أنا
    فوق قلبك
    بين ثنايا عقلك
    على صفحة عينيك
    يتلون جلدك
    فيصطبغ بى
    شئت أم أبيت
    أنا وشمك الأبدى

    ***

    صباح آخر!
    قمت من فراشى بتثاقل وعقدت حاجبىّ فى وجه أشعة الشمس التى تسللت من النافذة وأجبرتنى على الاستيقاظ .. توجهت نحو المرآة أرمق ذلك الوجه الذى لا أعرفه .. تلك الملامح المجهدة والشعر الطويل الأسود الذى فقدت الرغبة فى الاهتمام به .. عينان بلون السماء الرمادية حزينتان لمعتهما تنبىء عن استعدادهما لانهمار الدموع منهما كالأمطار فى أى لحظة .. بقايا جمال يصر على الظهور رغم كل تجاهلى له وانصرافى عن العناية به
    كيف استطعت الحياة ليوم جديد !
    هذا هو ما تهمس به نفسى كل صباح

    استعددت للخروج للعمل دون إفطار كالعادة .. لا شهية أبدا .. فقدت الكثير من وزنى .. من يهتم

    مررت فى طريقى بتلك الحديقة التى تعيد لى ذكريات تأبى أن يطويها النسيان .. تظل تخمش عقلى وقلبى دون رحمة .. تعيدنى تلك الطفلة التى تعدو كل إشراقة شمس فى تلك الحديقة الواسعة وضحكتها تملأ المكان فيزداد إشراقا .. كانت لديها حياة .. والآن لا أعرف كيف تسربت من بين يديها لتحيلها جثة تتنفس على قيد الوجع

    وصلت للمطعم .. وبخنى مديرى لتأخرى عدة دقائق .. ابتلعت توبيخه اليومى كوجبة إفطار جبرية وبدأت العمل .. تلك الذكريات تستهلك وقتى وتستنزفنى بالكامل
    ليت ذاك الألم ينتهى

    ****

    - تعال هنا يا شقية
    صوت ضحكات يعلو ثم تظهر تلك الطفلة الجميلة ذات الثوب الأبيض والشرائط الملونة وهى تجرى بخفة نحو رجل فى منتصف العمر ذو هيبة واضحة وحنان طاغى مزيج عجيب يستحق الاعجاب

    - نعم يا عمى
    - ألن تكفى عن تلك المقالب؟
    ضحكة صافية ثم قالت
    - عادل يضحكنى كثيرا حين يقع بها
    - لكنه قد يتأذى فى احدى المرات من تلك المقالب
    - أليس رجلا صغيرا هو .. فكيف يتأذى من شىء؟
    - نعم يا حبيبتى لكنه ما زال صغيرا كذلك
    - حاضر يا عمى .. كما تريد
    - هل ستتوقفين عن المقالب إذن؟
    صمتت قليلا ثم قالت
    - بل سأعد له مقالب أخف أثراً بعد ذلك
    ثم بادرت بالهرب فوراً وتركت الرجل يبتسم بسعادة وحب لتلك الصغيرة الحلوة التى ملأت حياته بالحيوية ورسمت الابتسامة على وجهه وقلبه معاً



    ***

    انزلق أحد الأطباق من يدى إلى الأرض وتناثر إلى قطع .. ظللت أحملق فيه ببلاهة وأنا أتخيل وجه المدير العابس فوق كل قطعة .. تلك النوبات التى تجتاح ذاكرتى كالطوفان ستتسبب فى طردى من العمل يوما ما .. لملمت آثار جريمتى وسارعت بإخفاء معالمها .. من يصدق أننى أعمل فى مطبخ أحد المطاعم المتوسطة .. أغسل أطباق الزبائن بعدما كنت فيما مضى لا أرتاد إلا المطاعم الفاخرة ولا يعدو هذا المدير فى نظرى أكبر مكانة ممن أترك له البقشيش على الطاولة .. ياللحياة الغادرة

    انتهى يوم العمل الشاق .. خرجت من المطعم .. وتوجهت للحديقة .. عمداً أفتح بابا للنيران لتصب فى أعصابى لتصهرنى مع كل لحظة تجترها ذاكرتى الجائعة لتلك الأيام



    #يُتبع
    إن شاء الله





    آخر مرة عدل بواسطة &أم محمد& : 28-07-2015 في 12:44 AM السبب: تستحقينها يا ملكة القصص

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الموقع
    غزة ..أرض الإباء والعزة
    الردود
    17,518
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    8
    التكريم
    • (القاب)
      • أميرة العيد
      • متألقة صيفنا إبداع 1431 هـ
      • مبدعة صيف1429 هـ
      • قلم الإخاء الفوّاح
      • حوارية مثقفة
      • بصمة أمل
      • عاشقة الوطن
      • متألقة ركن الديكور
    (أوسمة)
    وعليكم السلام ورجمة الله وبركاته
    أهلا يا رشا
    ملكة القصص
    لقب جميل لـِ قلم أجمل
    حياكِ الله ومرحبا بعودتك
    و"من أطال الغياب...عاد بـِ البشاير"
    بداية جميلة للقصة
    سرد سلس ورسم صورة تعبيرية جميلة بكلماتك
    متابعة بإذن الله
    ومرة أخرى...أهلا بعودتك
    ::
    يا رب إن أعداءك قد جمعوا جمعهم ضد المسلمين
    فيـا رب يا مجرى السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم واجعل الدائرة عليهم.

    ::

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى
    تعقيب كتبت بواسطة &أم محمد& عرض الرد
    وعليكم السلام ورجمة الله وبركاته
    أهلا يا رشا
    ملكة القصص
    لقب جميل لـِ قلم أجمل
    حياكِ الله ومرحبا بعودتك
    و"من أطال الغياب...عاد بـِ البشاير"
    بداية جميلة للقصة
    سرد سلس ورسم صورة تعبيرية جميلة بكلماتك
    متابعة بإذن الله
    ومرة أخرى...أهلا بعودتك

    شكراً لكِ غاليتى أم محمد
    وشكراً لترحيبك وكلماتكِ الرقيقة
    أنا فقط تعجبت من حال فيض القلم الذى كان شديد النشاط والحماس
    ومتفاعلاً مع كاتباته
    أتمنى أن يعود كما كان قريباً
    شكراً لكِ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى


    (2)

    مازلت أذكر كل التفاصيل
    بيت كبير .. حديقة واسعة .. أثاث فخم .. حياة فاخرة .. كبرت لأجدنى أنتمى لها ولا أذكر حياة أخرى عشتها من قبل .. يحبنى الجميع ويدللنى بشدة .. عمى الحبيب بمثابة أبى الذى لا أذكر عنه شىء .. عمى فقط هو كل ما أعرف من أهلى .. بعدما عرفت أن أمى وأبى توفيا أثر حادث سيارة وأنا بعمر العامين فقط .. ولدا عمى هما عاصم وعادل .. لا أخوات لديهم .. وزوجة عمى توفاها الله قبل انتقالى للعيش معهم .. صرت أنا سيدة هذا البيت فى سنى الصغيرة .. كنت أتابع كل التفاصيل وألقى الأوامر على خدم البيت واهتم بكل شؤون عمى حتى صار لا يستغنى عن رأيى فى كل أموره حتى فى عمله.. وإن كان كثيرا ما يخفى عنى ضحكة تكاد تفر هاربة من آرائى الطفولية الصغيرة التى تكاد أن تخرب بيته لو طبقها !

    بحر من الحنان هو .. لا أعرف كيف أصف ذلك الشعور نحوه .. أذكر أول مرة ناديته (أبى) كيف دمعت عيناه وضمنى بشدة وهو يرجونى ألا أكف عن مناداته بها طوال حياته

    أبى .. دنيتى كلها .. حفظك الله لى يا أغلى الناس .. لعل حبه الشديد لى قد جلب علىّ غيرة ولديه .. فلم يتلقيا نصف الدلال الذى أحصل عليه .. ربما لأنهما رجلين صغيرين كما يقول أبى .. ذلك ما دفع عادل لصداقتى وتحسين علاقته بى حتى ينال رضا أبى ومعه جانب مما يخصنى به وحدى من كنوز الأطفال .. أما عاصم الذى يختلف كثيرا عن شقيقه الأصغر ويعتد بنفسه بشدة فلم يفعل مثله ولم يتنازل من أجل الحصول على بعض الكنز من حلوى وألعاب

    فقط كان ينظر لنا بتعال ويبتعد .. كان يناصبنى العداء على ما يبدو .. لا يلعب معى .. ولا يتجاوب حين أشاكسه وأثير غضبه .. كان ينظر لى نظرة شخص كبير لطفلة لا تعى ما تفعل .. كان كبرياءه يغيظنى .. كيف لم يتقرب لى كعادل؟ .. كيف يجرؤ على تجاهلى هكذا ؟

    كنت أعد له المقالب واحدا تلو الآخر دون جدوى .. حتى أننى شكوته لأبى من سوء معاملته لى وناله حظا من التوبيخ فلم يفتح فمه ومضى نحو غرفته بصمت تشيعه ابتسامتى الشامتة .. لكن هذا لم يجدى أيضا .. لم يستسلم بعد .. لم ينحن لأميرة هذا القصر .. والأميرة لن تنس له هذا .. ستخضعه يوما ما .. ستجد الطريقة حتما


    ***

    صوت ضكات طفلة أخرجنى من ذكرياتى .. تابعتها بعينى وهى تعدو بسعادة أعرفها جيدا .. أشعر بها تحرقنى .. تلك الصغيرة بداخلى تكاد تمزق تلك الملامح الباهتة .. تحطم ذلك الكيان الكبير الخاوى لتخرج من بينه بوجهها الجميل الذى لا تفارقه الابتسامة وحيويتها المتدفقة .. تهرب من حطامى لتلهو هنالك فى تلك الحديقة الجميلة

    نظرت للطفلة الأخرى وهى تعدو نحو الحياة وتكاد تعانقها لفت نظرى تلك الشريطة الملونة التى تتطاير خلفها .. تتماوج مع نسمات الهواء وتتماوج معها الموجودات حولى .. وأغيب مرة أخرى فى عمق الذكريات حتى ذاك اليوم



    ***


    كنت ألهو فى الحديقة بألعابى حين مر عاصم مرفوع الرأس شامخ الأنف وتجاوزنى بصمت دون أن يلتفت إلىّ أو إلى كم الألعاب المنثورة حولى .. شعرت بالغيظ كالعادة .. لمحت أبى جالسا يقرأ على أحد المقاعد .. قمت من مكانى ونزعت شريطة شعرى وأدعيت البكاء بحرقة وأنا أعدو نحوه وأخبره بحروف متقطعة عن كل الفظائع التى فعلها عاصم ومددت يدى بشريطة شعرى وأنا أخبره أنه يتعمد جذبها وخصلات شعرى معها كلما رآنى
    - عاصم
    ناداه أبى بقوة
    أتى بخطوات واثقة وقال
    - نعم يا أبى
    لم يوبخه كالعادة بل مد يده بشريطة شعرى نحوه بعدما التقطها من يدى وأمره أن يربطها لى
    توقعت أن يرفض عاصم .. لكنه أخذها ببساطة وتقدم نحوى

    تلك النظرة لا أنساها .. لقد فزعت وكدت أهرب لكنه أدار كتفى بأطراف أصابعه لأوليه ظهرى ثم لملم شعرى المنثور بيديه باحتراف يثير العجب والرجفة معا.. كان قربه منى يوترنى .. صوت أنفاسه المنتظمة واضطراب أنفاسى المتقطعة .. لديه هالة تثير التوتر وربما الذعر .. ليتنى انتقيت لنفسى عقابا أقل وطأة .. وما هى إلا ثوان وعادت الشريطة تقبض على خصلاتى بقوة وربما بغل تسرب إليها ممن عقدها لى رغم أنفه

    - هل هناك شيئا آخر يا أبى؟
    هز أبى رأسه نفيا وعاد لمطالعة الجريدة
    وظللت هناك أرمق خطواته المبتعدة .. ظهره العريض .. قامته الطويلة بالنسبة لعمره .. خطواته الواثقة .. وذلك الشعور العجيب الذى يتملكنى الآن

    أظننى توقفت عن إثارة المشاكل معه منذ ذلك اليوم



    #يُتبع
    إن شاء الله

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الموقع
    غزة ..أرض الإباء والعزة
    الردود
    17,518
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    8
    التكريم
    • (القاب)
      • أميرة العيد
      • متألقة صيفنا إبداع 1431 هـ
      • مبدعة صيف1429 هـ
      • قلم الإخاء الفوّاح
      • حوارية مثقفة
      • بصمة أمل
      • عاشقة الوطن
      • متألقة ركن الديكور
    (أوسمة)
    سردٌ جميل ومتناغم مع الأحداث
    ترسمين صورة رائعة نعيش من خلالها أحداث القصة
    واصلي بارككِ المولى
    أنا فقط تعجبت من حال فيض القلم الذى كان شديد النشاط والحماس
    بالفعل حال الفيض ينتظر التغيير والنشاط بعودة أحبته بإذن الله وأنتِ منهم
    ::
    يا رب إن أعداءك قد جمعوا جمعهم ضد المسلمين
    فيـا رب يا مجرى السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم واجعل الدائرة عليهم.

    ::

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى
    تعقيب كتبت بواسطة &أم محمد& عرض الرد
    سردٌ جميل ومتناغم مع الأحداث
    ترسمين صورة رائعة نعيش من خلالها أحداث القصة
    واصلي بارككِ المولى


    بالفعل حال الفيض ينتظر التغيير والنشاط بعودة أحبته بإذن الله وأنتِ منهم
    شكراً لكِ غاليتى أم محمد
    سعيدة بمتابعتك
    دمتى بخير

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى

    (3)


    أفقت على تلك الدموع الساخنة التى تغسل وجهى .. وأنا أشهق من بينها وأغمم
    سامحنى يا عاصم .. أرجوك سامحنى .. بل تعال ووبخنى .. إجذب خصلات شعرى بيدك واربط لى شريطتى الملونة .. لا تتركنى وحدى فأنا خائفة .. أنا وحيدة وحزينة .. أنا أموت يا عاصم .. تعال وانقذنى

    حل الظلام .. ارتجفت من لسعة البرد .. قمت أجر قدمىّ حتى البيت .. حيث لا ينتظرنى أحد سوى الوحدة

    دخلت للفراش .. زمجرت معدتى فأخرستها بكوب ماء .. دفنت رأسى فى الوسادة وعبثا حاولت النوم قبل أن يبدأ العذاب الليلى .. لكنى كنت واهمة ككل ليلة

    ***

    تمر السنوات تحفر بصماتها فوقنا .. ينسحب ربيع الطفولة الناعم ويتوهج صيف الشباب الحارق .. كبر ثلاثتنا .. عادل الشاب المرح الظريف الذى لا تفارق الابتسامة وجهه ولا يحمل للدنيا هما .. وعاصم الشاب المتزن الهادىء الغامض كثيرا .. الذى ما زال يثير غيظى بكبرياءه العنيد الذى لم أستطع ترويضه بعد .. وأنا أميرة القصر الجميلة التى يتمنى الجميع رضاها .. ولا يجرؤ أحد على إثارة غضبها بأى شكل .. وهى لا تهتم فى قرارة نفسها سوى بالوحيد الذى لا يكف عن إشعالها غضبا وقهرا و... أشياء أخرى

    أيام وتبدأ الدراسة من جديد .. لا أعرف كيف مضت الأجازة بتلك السرعة .. ستعود أيام التعذيب وإلزمى غرفتك وذاكرى دروسك .. أبى لا يتهاون فيما يخص الدراسة وهو يقول أنه مسؤول عن مستقبلى ويود أن يطمئن علىّ بحصولى على شهادة جامعية محترمة .. وحقا لا أود أن أخذله أبداً خاصة أنها سنة التخرج

    أنا احترم قرارات أبى .. لكن أن يصر على أن يقوم عاصم بتوصيلى للجامعة كل يوم .. هذا أمر لا يطاق أبدا .. فشلت تماما فى تغيير رأيه بهذا الموضوع .. عاصم آخر من تسعدنى رؤيته فى بداية يومى .. هذا كثير .. كثير جداً

    ***

    أرتجف .. ترتعش أطرافى .. أبحث عن ذلك الغطاء الخفيف الذى يدعى كذباً أن مهمته هى تدفئتى لكن العكس هو ما يحدث .. أرتجف تحته أكثر .. أتكوم على نفسى وتدور مقلتىّ تحت جفنين مغمضين أتابع بحسرة شريط العرض الذى يمر أمامى الآن رغماً عنى

    ***


    كنت أرتب بعض أغراضى حين دوت الطرقات على باب حجرتى .. أجفلت لحظة قبل أن يطل رأس عادل من فرجة الباب وهو يبتسم ابتسامة ابتلعت ملامحه كلها .. قطبت جبينى وأنا أصيح به

    - كيف تفتح الباب قبل أن تستأذن؟
    - ماذا؟! .. لقد كاد الباب ينخلع من طرقاتى فوقه
    - لكنك لم تسمعنى وأنا أدعوك للدخول
    خطا للداخل ببساطة وجلس على طرف مكتبى وقال وهو يلوك شيئا ما
    - لا تختلقين شجارا معى .. ما الذى يضايقكِ؟
    ابتعدت بوجهى عنه وأنا أردد
    - لا شىء
    - بل هناك أشياء .. أنتِ فى مزاج سىء
    - هل عاد أبى؟
    - لا عاصم هو من عاد و...
    قاطعته بحدة
    - وهل سألتك أنا عن عاصم؟! .. لا يعنينى كونه عاد أم لم يعد
    اتسعت ابتسامته وهو يقول
    - هو عاصم إذن .. ماذا؟ .. شجار جديد
    - اخرج الآن يا عادل لا أريد التحدث لأحد
    - حسنا حسنا .. سأخرج الآن لكنك من ستأتين إلىّ وتبكين ثم تخبرينى بكل شىء .. لا تنس طرق باب غرفتى .. لا تقتحمينها كالعادة أيتها المزعجة

    أغلق الباب بسرعة قبل أن تناله الوسادة الطائرة نحو وجهه .. إن عادل هو شقيقى الحقيقى وصديقى الوحيد فى هذا البيت

    أنهيت فطورى وتوجهت للخارج بسرعة كنت أتمنى لو تعللت بتأخر عاصم ولذت بالفرار من تلك التوصيلة الجبرية .. لكنى صُدمت بانتظاره لى فى سيارته .. قمت بفتح باب السيارة الخلفى بغيظ قبل أن يصل صوته لمسامعى وهو يقول

    - اجلسى بجانبى .. لست سائقكِ الخاص

    أغلقت الباب بغل وجلست جواره بقهر .. فتحرك بالسيارة بغتة مما دفعنى دفعا للارتطام بزجاج سيارته

    تأوهت وأنا أنظر له بغضب فقال ببرود

    - تمسكى جيداً
    - تعلم أنت قيادة السيارات أولاً
    - أنا أقود السيارات منذ كنتى بضفيرة ذات شريط وردى

    سكت فجأة .. أتراه ما زال يذكر واقعة الشريطة الوردية تلك .. يالقلبه الأسود!

    أوقف عاصم السيارة أمام الباب الخارجى حيث تجمعت بعض الزميلات اللاتى ما أن رأيننى حتى أشرن لى بسعادة وهن يتفحصن فى عاصم الجالس بجوارى فى برودة ثلاجة

    - متى ستنهين محاضراتكِ؟
    - وما شأنك؟
    - لأنى سأقوم بتوصيلك
    - لا شكراً .. يمكننى العودة وحدى
    - هذا ليس قرارك .. إن أبيكِ يصر على أن أقوم بتوصيلك ذهاب وعودة شئتى أم أبيتى
    زفرت بغيظ
    - هذا لا يطاق
    ابتسم بلزوجة
    - شكراً للمجاملة .. متى ستنتهى محاضراتك؟
    - فى الرابعة
    - بل فى الثالثة
    - مادمت تعرف لم تسأل؟
    - لأتأكد كونك لم تكفى عن الكذب بعد .. هيا انزلى فزميلاتك أصبن بالحول من كثرة التحديق نحونا

    نزلت وصفعت باب السيارة وتوجهت بخطوات غاضبة تدق الأرض نحو زميلاتى اللاتى أمطرننى بالأسئلة عن عاصم .. ولم أكن بمزاج يسمح لى بالرد عليهن .. لقد سممت يومى كله يا عاصم

    لم تتوقف مضايقات عاصم لى طوال الوقت

    - (الجيب) قصيرة
    - لا شأن لك
    - لا تردى علىّ هكذا .. حتى لا ينقص لسانك بضع سنتيمترات

    ***

    - رائحة عطركِ نفاذة
    - لا تشمها إذن
    - كيف وهى تكاد تخنقنى
    - يمكنك أن تنزلنى هنا وسأستقل تاكسى
    - اصمتى ولا تضعى هذا العطر مرة أخرى

    ***

    - لم شعركِ مبعثر هكذا؟
    - إنه كيرلى
    - وما هذا؟
    - يتم تجعيد الشعر ليظهر هكذا
    - سخيف جدا
    - لم تضايقنى؟
    - ولم لا تبدين كطالبة عادية؟ .. لست ذاهبة لعرض أزياء
    ابتسمت بزهو وأنا أتحسس خصلاتى الملتوية
    - وهل أبدو لك كعارضة أزياء
    - بل تبدين كميدوسا بتلك الخصلات الملتوية برأسكِ كالأفاعى
    - أنت .. أنت ..
    - ها .. لا تغلطى .. أحمل مقصاً صغيراً بجيبى

    ***

    ما زال يظننى تلك الطفلة التى تخشاه .. لا يقتنع بكونى كبرت بما يكفى .. وأوشك على التخرج من الجامعة .. فكرت فى أن أشكوه لأبى .. لكن هذا سيعيدنى طفلة الشريط الوردى مرة أخرى .. لن يخرجنى من قالب الطفلة الصغيرة دائمة الشكوى .. لا حل لهذا العاصم أبداً

    لكنى ارتديت البنطال الطويل .. وتوقفت عن نثر العطر فوقى بسخاء .. ولم أصفف شعرى بطريقة الكيرلى التى تجعلنى فاتنة كميدوسا!

    كيف يجبرنى على فعل ما يريده بتلك البساطة .. حقا لا أدرى


    دقات خفيفة على باب حجرة عادل اسمع بعدها صوته عاليا يقول

    - ادخلى يا مزعجة
    فتحت الباب ودخلت بخطوات بطيئة وأنا أقول
    - هل غيرت اسمى بالمزعجة
    - هو يليق بكِ أكثر
    - امممممم
    - ما الجديد .. لا تتحدثين بذلك الانكسارعادة
    جلست على المقعد المقابل لمكتب عادل وعبثت بأصابعى فى بعض الأوراق أمامه بصمت
    - ما الذى يضايقكِ؟
    - أنت لطيف معى
    - وهل هذا ما يضايقكِ .. يمكننى تغيير ذلك
    - لا أرجوك .. يكفينى عاصم واحد فى هذا البيت
    - عاصم
    - لم يكرهنى بنظرك؟
    - ماذا .. يكرهكِ .. لم تقولين هذا؟
    - لا يكف عن مضايقتى أبداً
    - هى طبيعته .. عاصم لا يعرف كيف يكون لطيفا مع أحد .. لكن هذا لا يعنى أنه يكرهك
    - لكنى أشعر بذلك طوال الوقت
    قام عادل من خلف مكتبه واقترب منى وهو يقول
    - أنتِ يا صغيرة دلوعة البيت وأختنا المشاكسة التى نحبها جداً .. لا تقولى هذا الهراء مجدداً
    - شكراً لك عادل
    ابتسم وهو يجذبنى نحو باب الحجرة ويقول
    - اذهبى الآن إلى ألعابكِ ولا تعودى للشكوى من شقيقكِ الأكبر مرة أخرى

    سمعت الباب يُغلق خلف خطواتى التى تخطته وتلك الكلمة تدوى فى أذنى
    شقيقكِ الأكبر .. من قال أن عاصم شقيقى الأكبر .. إنه عذابى الأكبر .. عادل هو الشقيق الوحيد الذى أعرفه .. أما هذا العاصم لا أجد له صلة قربى أقرب من ابن العم
    و .. وذلك الشىء الذى لا أجد له تعريف فى قاموسى بعد

    #يُتبع
    إن شاء الله

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الموقع
    غزة ..أرض الإباء والعزة
    الردود
    17,518
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    8
    التكريم
    • (القاب)
      • أميرة العيد
      • متألقة صيفنا إبداع 1431 هـ
      • مبدعة صيف1429 هـ
      • قلم الإخاء الفوّاح
      • حوارية مثقفة
      • بصمة أمل
      • عاشقة الوطن
      • متألقة ركن الديكور
    (أوسمة)
    ازداد شوقنا أكثر لمعرفة الأحداث
    جميل جدا
    ::
    يا رب إن أعداءك قد جمعوا جمعهم ضد المسلمين
    فيـا رب يا مجرى السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم واجعل الدائرة عليهم.

    ::

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2003
    الموقع
    في مكان ما...على سطح كوكب
    الردود
    51,980
    الجنس
    امرأة
    التدوينات
    184
    التكريم
    • (القاب)
      • صاحبة همسة متميزة
      • ضياء الفيض
      • درة صيفنا إبداع 1432هـ
      • متألقة صيفنا إبداع 1431 هـ
      • نبض وعطاء
      • درة مطبخ لك
      • ناصحة متألقة
    (أوسمة)
    قبل أن أبدأ بقراءة الرواية
    اسمحي لي بأن ارحب بك من جديد
    فقد اشتقنا لحروفك يا عسل

    وفقك الله

    بالإنتظـــــــــار



  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الموقع
    مصــــــــــر
    الردود
    1,626
    الجنس
    أنثى
    تعقيب كتبت بواسطة &أم محمد& عرض الرد
    ازداد شوقنا أكثر لمعرفة الأحداث
    جميل جدا
    شكرا لكِ غاليتى
    دمتى بكل الخير
    تحيتى

مواضيع مشابهه

  1. قبح وجمال أول رواية لابنة الفيض رشا محمود
    بواسطة ≈ احـتِـوٍآءْ ≈ في فيض القلم
    الردود: 13
    اخر موضوع: 09-02-2013, 05:20 AM
  2. ×O ×[رواية الغــد المشرق] ×O × معاناة خمس صديقات.., بقلمي^_^
    بواسطة همه تنآطح السحآب~ في فيض القلم
    الردود: 120
    اخر موضوع: 25-07-2009, 02:14 PM
  3. ×O ×[رواية الغــد المشرق] ×O × معاناة خمس صديقات.., بقلمي^_^
    بواسطة همه تنآطح السحآب~ في مواضيع فيض القلم المتميزة
    الردود: 12
    اخر موضوع: 03-04-2009, 12:39 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ