سالم الـ..............!!! (قصة)

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وفاء العميمي
    كبار الشخصيات
    • May 2001
    • 1824

    سالم الـ..............!!! (قصة)

    لم أكن قد تجاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي، ما زلت أذكر تلك الليلة، كنت سهران مع الشّلة في إحدى الشاليهات، كانت سهرة حمراء بمعنى الكلمة، أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد، بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه، أجل كنت أسخر من هذا وذاك، لم يسلم منّي أحد حتى شلّتي. صار بعض الرّجال يتجنّبني كي يسلم من لساني وتعليقاتي اللاذعة.
    تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق، والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه ليتعثّر. تعثّر وانطلقت ضحكتي التي دوت في السّوق.
    عدت إلى بيتي متأخراً، وجدت زوجتي في انتظاري. كانت في حالة يرثى لها.
    - أين كنتَ يا راشد؟!
    - في المريخ (أجبتها ساخراً) عند أصحابي بالطبع..
    كانت في حالة يرثى لها، قالت والعبرة تخنقها:
    - راشد… أنا تعبة جداً… الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكاً…
    سقطت دمعة صامته على جبينها، أحسست أنّي أهملت زوجتي، كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي خاصة أنّها في شهرها التاسع…
    قاست زوجتي الآلام يوم وليلة في المستشفى، حتى رأى طفلي النور… لم أكن في المستشفى ساعتها، تركت رقم هاتف المنزل وخرجت، اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم.
    حين وصلت المستشفى طُلب منّي أن أراجع الطبيبة… أي طبيبة؟! المهم الآن أن أرى ابني سالم… لابد من مراجعة الطبيبة… أجابتني موظّفة الاستقبال بحزم.
    صُدمت حين عرفت أن ابني أعمى!!!! تذكّرت المتسوّل… سبحان الله كما تدين تدان!!! لم تحزن زوجتي. كانت مؤمنة بقضاء الله راضية. طالما نصحتني… طالما طلبت منّي أن أكف عن تقليد الآخرين… كلاّ هي لا تسميه تقليداً بل غيبة… ومعها كل الحق.
    لم أكن أهتم بسالم كثيراً، اعتبرته غير موجود في المنزل، حين يشتد بكاءه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه. لحظة لا تظنوا أنّي أكرهه، أنا لا أكرهه لكن لم أستطع أن أحبّه!.
    أقامت زوجتي احتفالاً حين خطا خطواته الأولى، وحين أكمل الثّانية اكتشفنا أنّه أعرج!!!!!!!!.
    كلّما زدت ابتعاداً عنه ازدادت زوجتي حباً واهتماماً بسالم حتى بعد أن أنجبت عمر وخالد.
    مرّت السنوات كنت لاهٍ وغافل، غرّتني الدنيا وما فيها، كنت كاللعبة في يد رفقة سوء مع أنّي كنت أظن أنّي من يلعب عليهم. لم تيأس زوجتي من إصلاحي، كانت تدعو لي دائماً بالهداية، لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، أو إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.
    كبر سالم، ولم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحد المدارس الخاصة بالمعاقين.
    لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء. عمل ونوم وطعام وسهر!!! حتّى ذلك اليوم.
    كان يوم الجمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً، ما يزال الوقت باكراً لكن لا يهم، أخذت دشّاً سريعاً، لبست وتعطّرت وهممت بالخروج.
    استوقفني منظره، كان يبكي بحرقة! إنّها المرّة الأولى التي أرى فيها سالم يبكي مذ كان طفلاً. أخرج… لا كيف أتركه وهو في هذه الحالة؟! أهو الفضول أم الشفقة؟! لا يهم… سألته… سالم لماذا تبكي؟!.
    حين سمع صوتي توقّف، بدأ يتحسّس ما حوله… ما بِه يا ترى؟! واكتشفت أن ابني يهرب منّي!!!… الآن أحسست به… أين كنت منذ عشر سنوات؟! تبعته… كان قد دخل غرفته… رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه، وتحت إصراري عرفت السبب…
    تأخّر عليه أخيه عمر الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد، اليوم الجمعة خاف ألاّ يجد مكاناً في السطر الأوّل، نادى والدته لكن لا مجيب، حينها…
    حينها وضعت يدي على فمه كأنّي أطلب منه أن يكف عن حديثه، وأكملت: حينها بكيت يا سالم…
    لا أعلم ما الذي دفعني لأقول له: سالم لا تحزن… هل تعلم من سيرافقك اليوم إلى المسجد؟! أجاب: أكيد عمر… ليتني أعلم إلى أين ذهب؟! قلت له: لا يا سالم أنا من سيرافقك! استغرب سالم، لم يصدّق، ظنّ أنّي أسخر منه، عاد إلى بكائه، مسحت دموعه بيدي، وأمسكت بيده. أردت أن أوصله بالسيّارة رفض قائلاً: أبي المسجد قريب، أريد أن أخطو إلى المسجد.
    لا أذكر متى آخر مرّة دخلت فيها المسجد ولا أذكر آخر سجدة سجدتها. هي المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية.
    مع أن المسجد كان مليئاً بالمصلّين إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصليت بجانبه. بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً... استغربت كيف سيقرأ وهو أعمى؟! هذا ما تردّد في نفسي، ولم أصرّح به خوفاً من جرح مشاعره. طلب منّي أن أفتح له المصحف على سورة الكهف، نفّذت ما طلب، وضع المصحف أمامه وبدأ في قراءة السورة، يا الله!! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة وعن ظهر غيب!!! خجلت من نفسي، أمسكت مصحفاً، أحسست برعشة في أوصالي، قرأت وقرأت، قرأت ودعوت الله أن يغفر لي ويهديني. هذه المرّة أنا من بكى حزناً وندماً على ما فرّطت، ولم أشعر إلاّ بيد تمسح عنّي دموعي، لقد كان سالم!.
    عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم!!.
    من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد، هجرت رفقاء السوء وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم، عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو قيام. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر وأنا نفس الشخص الذي هجرته سنوات!!! رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس.
    أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي، اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي، الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم، من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً وصلّيت له كثيراً على نعمه.
    ذات يوم قرر أصحابي أن يتوجّهوا إلى أحد المناطق البعيدة للدعوة، تردّدت في الذهاب، استخرت الله واستشرت زوجتي، توقعت أن ترفض لكن حدث العكس!! فرحت كثيراً بل شجّعتني. حين أخبرت سالم عزمي على الذهاب، أحاط جسمي بذراعيه الصغيرين فرحاً، ووالله لو كان طويل القامة مثلي لما توانى عن تقبيل رأسي. بعدها توكّلت على الله وقدّمت طلب إجازة مفتوحة بدون راتب من عملي، والحمد لله جاءت الموافقة بسرعة، أسرع ممّا تصوّرت.
    تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت لهم كثيراً… كم اشتقت لسالم!! تمنّيت سماع صوته، هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم. كلّما أحدّث زوجتي أطلب منها أن تبلغه سلامي وتقبّله، كانت تضحك حين تسمعني أقول هذا الكلام إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة، تغيّر صوتها… قالت لي: إن شاء الله.
    أخيراً عدت إلى المنزل، طرقت الباب، تمنّيت أن يفتح سالم لي الباب لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.
    حملته بين ذراعي وهو يصيح… بابا يا بابا يا… انقبض صدري حين دخلت البيت، استعذت بالله من الشيطان الرجيم.
    سعدت زوجتي بقدومي لكن هناك شيء قد تغيّر فيها، تأمّلتها جيداً، إنّها نظرات الحزن التي ما كانت تفارقها. سألتها ما بكِ؟! لا شيء.. لا شيء هكذا ردّت. فجأة تذكّرت من نسيته للحظات، قلت لها: أين سالم؟! خفضت رأسها لم تجب، لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد الذي ما يزال يرن في أذني حتى هذه اللحظة… بابا ثالم لاح الجنّة عند الله.
    لم تتمالك زوجتي الموقف أجهشت بالبكاء وخرجت من الغرفة.
    عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين، أخذته زوجتي إلى المستشفى، لازمته يومين وبعد ذلك فارقته الحمى حين فارقت روحه جسده.
    أحسست أن ما حدث ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى… أجل إنّه اختبار وأيّ اختبار؟! صبرت على مصابي وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه.
    ما زالت أحس بيده تمسح دموعي، وذراعه تحيطني.
    كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج!!! لم يكن أعمى، أنا من كنت أعمى حين انسقت وراء رفقة سوء، ولم يكن أعرج، لأنه استطاع أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء.
    سالم الذي امتنعت يوماً عن حبّه!! اكتشفت أنّي أحبّه أكثر من أخوته!!! بكيت كثيراً… كثيراً، وما زلت حزيناً…كيف لا أحزن وقد كانت هدايتي على يديه؟!
    متأكّد لو أنكم عرفتم سالم ستحبّونه أكثر ممّا أحببناه!.

    (ملاحظة: هذه القصة ليست منقولة من أحد المنتديات إنّها خطوة من خطواتي في كتابة القصّة)

    شمس الضحى
    التعديل الأخير تم بواسطة وفاء العميمي; 30-07-2001, 09:26 PM.
  • الجمان
    كبار الشخصيات "درة التحفيظ 2"
    • Dec 2000
    • 9839

    #2
    ماشاء الله تبارك الله....
    أحسنت أخيتي قصة رائعه...






    اللهم اجعل لي من كل همٍ فرجاً
    ومن كل ضيق مخرجاً
    وارزقني من حيث لاأحتسب

    تعليق

    • فيض النور
      عضو نشيط
      • Jul 2001
      • 274

      #3
      أختي شمس
      بارك الله فيك
      قصه رائعه ومؤثره بالفعل، تابعي أخيه وبالتوفيق ان شاء الله
      أختك فيض النور

      تعليق

      • ام سعيد
        عضو
        • May 2001
        • 62

        #4
        ما شاء الله القصة هادفة والاسلوب جميل ،بارك الله فيك، والى الامام دوما......

        تعليق

        • وفاء العميمي
          كبار الشخصيات
          • May 2001
          • 1824

          #5
          وأنتن كذلك.

          أخواتي الغاليات،،
          الصراحة أحرجتوني بردودكن وتشجيعكن لي، والحمد لله أن القصة عجبتكن،،
          عزيزاتي،،
          سالم موجود بيننا، وبعد أن عرفتن قصته أتمنّى ألاّ تقلّلن من شأن أي معاق، والمعاقين بحاجة إلى شحنة من التشجيع قبل الحنان، والله سبحانه وتعالى يضع سرّه في أضعف خلقه.

          في جعبتي الكثير من القصص، كل ما عليكن فعله هو زيارة ركن القلم باستمرار لمعرفة المفيد والجديد فيه.

          المحبّة لكن في الله
          شمس

          تعليق

          • ام وديمه
            كبار الشخصيات
            • Feb 2001
            • 4635

            #6
            ما شاء الله عليك يا شمس الضحى قصه رائعه.......
            وهاتي ما في جعبتك.........
            اتمنى لك التوفيق......
            من تواضع الى الله رفعه .....
            حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةََ قالَ : مَا عَابَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً قَطُّ ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ
            صحيح البخاري

            تعليق

            • مليكة الطهر
              كبار الشخصيات
              • Oct 2000
              • 3614

              #7

              اعذريني اختي شمس.....
              فكلمة راااااائعة قليلة بحق قصتك...
              والتي جمعت بين جمال الأسلوب وتنوعه...والمعنى الجميل الذي يصف الواقع....

              بوركت أخية وبورك قلمك...أسأل الله لك التوفيق والسداد...


              تعليق

              • وفاء العميمي
                كبار الشخصيات
                • May 2001
                • 1824

                #8
                الغاليتنان حنين وأم وديمة
                تسلمون لي إن شاء الله

                أخواتي
                كل ما أحتاجه الآن هو الدعاء
                فلا تبخلن به عليّ.

                شمس

                تعليق

                • نور السنا
                  عضو جديد
                  • Jul 2001
                  • 15

                  #9
                  القاصة الواعدة . . شمس الضحى
                  تقف عاجزة كل ما املك من كلمات اليوم للرد عليك

                  تعليق

                  • بنت العوضي
                    عضو نشيط
                    • Aug 2001
                    • 277

                    #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    بارك الله فيك اخيتي شمس الضحى وداومي على الكتابة فمشوار الالف ميل يبدا بخطوة .. وهذه خطوة رائعة اقدمت عليها فانت فعلا راااااااااااااااااائعة ..

                    تعليق

                    • التاج
                      كبار الشخصيات
                      • Oct 2000
                      • 2744

                      #11
                      ماشاء الله

                      الاخت الغاليه شمس الضحى:
                      صراحه ماشاء الله عليك القصه جدا رائعه وهادفه واسلوب اروع .
                      بارك الله فيك أخيه والي الامام دائما.
                      اختك التاج
                      "لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"

                      تعليق

                      • الحنان
                        عضو نشيط
                        • Jun 2001
                        • 458

                        #12
                        ما شاء الله تبارك الله
                        ننتظر منك المزيد يا شمس
                        بارك الله فيك ..

                        تعليق

                        • أسيرة الغربة
                          درة العطاء - المشرفة العامة
                          • Sep 2000
                          • 23982

                          #13
                          لا شلت يمينك أختي الغاليه .......... اسلوب رائع وطرح جميل والأجمل العبر التي تحملها هذه القصة .
                          بارك الله فيك ووفقك الله لما يحبه ويرضاه .
                          اللهم احفظ اليمن من كيد الحوثيين واجمع شملهم ووحد صفوفهم
                          اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل شر واكفِنا شر أعدائنا

                          اللهم تقبل الشهداء عندك
                          اللهم اجمع قلوب أمتنا من جديد وألّف بين إخواننا ولا تشمت بنا العدو

                          تعليق

                          • راسيل
                            Registered User
                            • Aug 2001
                            • 693

                            #14
                            الاخت ...شمس الضحى.
                            سلم الله يراعك اخيه..وانار لك طريقك.
                            انت فعلا مبدعه ..جعلتينا نعيش(( سالم))وكأنه حقيقه موجوده.
                            ننتظر ان تتحفينا بالمزيد من ابداعاتك...

                            تعليق

                            • المتأملة
                              عضو جديد
                              • Aug 2001
                              • 6

                              #15
                              لحظات عشناها كالحقيقة

                              جزاك الله خير والصراحة كتابتك للقصه كان مؤثرا جدا في القلب

                              تعليق

                              يعمل...