انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 2 من 2

الموضوع: القيادة السلبية تدمير للقائد وللأمة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2004
    الموقع
    أينما يسمع `الآذان فهوا مدينتى
    الردود
    5,620
    الجنس
    امرأة
    التكريم
    • (القاب)
      • متألقة صيف 1432هـ
      • درة التحفيظ 2
      • إشراقة الروضة
    (أوسمة)

    القيادة السلبية تدمير للقائد وللأمة

    القيادة السلبية تدمير للقائد وللأمة

    - فرعون أنموذجًا -
    5/5/2014 ميلادي - 6/7/1435 هجري


    ذكر القرآن الكريم اسم فرعون 67 مرة، وكانت قصته تتردد كثيرًا في سوره وآياته، وهذا التركيز على فرعون ما هو إلا من أجل أن تتذكره الإنسانية كنموذج عملي لقائد ظالم سيئ، بل أسوء ما يكون من القادة في تاريخ البشرية، أهلك نفسه وأهلك من معه، وأضاع فرصة كبيرة للنجاح في ضوء ما كان يتمتع من إمكانات مالية وبشرية ومعطيات وخيرات وشعب مُطيع، إلا إنه أبى إلا أن يستثمرها استثمارًا سلبيًّا في سبيل اخضاع الناس لشخصه.
    كان فرعون قائدًا وملكًا لأهل مصر، وقد انضم إليهم بعض من بني إسرائيل (أبناء يعقوب عليه السلام) على مدى فترات زمنية طويلة قادمين من أرض كنعان، حيث بدأت طلائع رحلاتهم لمصر في زمن النبي يوسف عليه السلام، وتكاثروا في مصر وأصبحوا جزءًا لا يُستهان به من شعبها، وقد كان فرعون يتمتع بمجموعة من الصفات السلبية، هي التي أهلته لأن يكون في أعلى قائمة القادة السيئين السلبيين في التاريخ، فمن تلك الصفات التي جاء ذكرها في القرآن الكريم:
    1- العلو والاستكبار في الأرض: وهي أولى وأهم الصفات السلبية للقائد السلبي الفاشل، إذ إن ذلك القائد يرى في نفسه أنه أكبر وأعلى مرتبة من بقية البشر، وهكذا كان فرعون، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 4]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 75]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ﴾[ المؤمنون: 46].
    والعلو في الأرض صفة للقائد السلبي هي ضد صفة الإنسانية عند القائد الإيجابي، والعلو صفة ذميمة تدفع القائد لأن يحاول أن يتقمص دور أكبر من مؤهلاته البشرية، وأعلى من صفاته كإنسان، حتى يصل به الحال إلى مرتبة الطغيان، وهي مرتبة يقطع فيها القائد مراحل متقدمة في الظلم، لأن الظلم مراتب ودرجات كما هو معروف، وأعلى وأعظم مراتب الظلم هو الشرك بالله جل جلاله، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [ لقمان: 13].
    أما الاستكبار فهو الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبرًا، والمستكبر هو الذي يرى نفسه عظيمًا وكبيرًا أكبر من الناس، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39]، وقال تعالى: ﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه: 24]، أي تجاوز كل الحدود في الظلم، ثم يتجاوز مرحلة الطغيان إلى مرحلة أكبر وأخطر، وذلك حين ينظر إلى نفسه بأنه ربُّ الناس الذي يدبر لهم شؤونهم، قال تعالى: ﴿ فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾) [النازعات: 23-24]، ثم يأخذ به العلو والغرور إلى ما هو أبعد من ذلك وهو زعمه أنه إله، ينبغي أن يُعبد من دون الله جل جلاله، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، وهنا لا بد من الانتباه إلى أن فرعون لم يحاول أن يجعل من نفسه إلهًا مع الله جل جلاله وذلك هو الشرك، بل تجاوز ذلك حين نفى الألوهية عن رب العالمين جل جلاله، وهو في هذا المفصل قد فاق الأولين والآخرين من المشركين.
    وواحد من أهم أسباب فشل القائد يوم القيامة بشكل خاص، والناس بشكل عام، وخسارتهم الكبرى في أنهم لا يكونون من أهل الجنة، هو العلو، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].
    ولعل الجهل هو السبب المباشر في علو واستكبار القائد السلبي، ذلك أن هذا القائد يغترُّ ببعض الأشياء التي يعتقد أنها تعلو به فوق الآخرين، كغناه أو قوته أو سلطانه أو ذكاؤه، ومن هنا كان الجهل الذي نتكلم عنها، فكل ما ذكرنا مما يعتقده هذا القائد في نفسه إنما هي نعم من الله جل جلاله قد وهبها له، وليس له يد في أيٍّ منها، فعَلامَ العلو والاستكبار؟
    2- الجهل: وهي صفة متلازمة مع القائد السلبي، ويذهب به الجهل مع الوقت بعيدًا، حتى يستفحل فيه، ويعشعش في كل ثنايا جسده وقلبه، ثم يسري منه مسرى دمه، فيصبح ذلك القائد لا يفهم ولا يعي أبسط البديهيات، فمن أمثلة ذلك أن فرعون يسأل موسى عليه السلام سؤالًا غريبًا، قال تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، وقد كان فرعون - حين طرح السؤال - رئيسًا لقومه، قائدًا لهم، فلم يستوِ في هذا المقام مع ذلك الأعرابي البسيط الذي سُئلَ:بم عرفت ربَّك؟ فقال: البعرة تدل على البعير، وآثار الخطى تدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج كيف لا تدل على العلي الكبير)[1].
    وحتى حين تُعرض على ذلك القائد السلبي كل الآيات والبراهين، وتقرأ أمامه الأدلة العلمية الواضحة، فإنه يفسرها ويؤلها بجهل، لكي توافق ما تهواه نفسه، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ [2] آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ﴾ [الإسراء: 101]، وبسبب هذا الجهل فإنه يقع في الخطأ كثيرًا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8]، ونتيجة لهذه الأخطاء المتكررة فإن القائد السلبي يضل شعبه، قال تعالى: ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ [طه: 79].
    3- تمزيق النسيج الاجتماعي لأمَّته: فالقائد السلبي لا يريحه أن يرى شعبه متكاتفًا موحدًا، يؤازر بعضه بعضًا، ويعزُّ عليه أن يراهم لحمة واحدة، يحنو بعضهم على بعض، وهذا التوجس من وحدة صف المجتمع وتماسكه من قبل القائد السلبي إنما هو في حقيقته خوف من وحدة كلمتهم لئلا توظف ضد ظلمه وطغيانه ما يعني أن تكون وحدتهم تهديدًا له ولمنصبه.
    إن القائد السلبي يرى أن تمزيق الشعب إلى فئات وطوائف حسب العرق أو المذهب أو الدين وغير ذلك إنما هو ضمانة لضعفهم وبقاء تسلطه عليهم، ويبدو أنها خطة قديمة تلك التي نسمعها نحن اليوم، فيُقال في هذا الباب (فرِّق تَسُدْ)، وهو مبدأ عمل به فرعون، قال تعالى: ﴿ إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾ [القصص: 4]، ففرقهم على جماعات، شغل كل فرقة منهم بأمر، من أجل أن لا يتفقوا عليه، فحين يريد أن يستفرد بطائفة معينة ويفتك بأفرادها، فإنه يضمن أن بقية الطوائف لن تثور، لأنها ستعتقد أن الأمر لا يعنيها، وهو ما فعله فرعون في بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4]، كما فعلها غير فرعون قديمًا وحاضرًا.
    4- قتل الرعية: القائد الظالم السلبي يكون مستنفر بشكل دائم، فكلما سمع شيئًا يهدد ملكه يفزع إلى قتل الناس من غير رادع و لا وازع، وهكذا كان فرعون، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49]، فقد كان قراره بقتل كل من يولد من بني إسرائيل بالرغم من أنهم من رعيته وجزء من شعبه، قال تعالى: ﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ [الأعراف: 141].
    إنَّ التفريط بالموارد البشرية من أبناء الشعب لهو دليل على العمى الذي يصيب قلب القائد، فهو يفرط بأبناء شعبه بسبب ومن غير سبب، في الوقت الذي ينبغي أن يجاهد في الحفاظ عليهم لأنهم جزء مهم لا غنى عنه لمنعته وقوته، فهم الذين يقارع بهم الأعداء، وهم الذين يقيم بهم المشاريع وبهم تنهض الأمة.
    وفرعون أراد أن يُجلي بني إسرائيل وهم من رعاياه كما ذكرنا، قال تعالى: ﴿ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ [الإسراء: 103]، ويستفزهم يعني يجليهم أو يخليهم، وكيف يجليهم؟، وقد رفض أن يرسلهم مع نبي الله موسى عليه السلام، فهو لم يكن في نيته غير قتلهم وإبادتهم عن بكرة أبيهم، فأي قائد سلبي ذلك الذي يقتل شعبه.
    5- البطانة السيئة: لم يكن لفرعون إلا بطانة سيئة تداهنه وتوافقه على أهوائه، بل وتقدم له المقترحات السلبية التي تهدد ملكه، فكانوا لا يأمرونه بمعروف، ولا ينهونه عن منكر، وكانت نصائحهم السلبية وآرائهم الخاطئة سببًا في انهيار ملكه فيما بعد، فمن المواقف التي جاء ذكرها في القرآن:أشار بطانة فرعون عليه في موضوع الصراع مع موسى عليه السلام بأن يأتي بالسحرة، كي يبارزوا موسى بالسحر، قال تعالى: ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الشعراء: 34 - 37]، فبطانة فرعون تشجعه على الاستعانة بالسحرة، ومن مفارقات هذا الحدث أن فرعون قرر أمام من يستشيرهم بأن موسى عليه السلام ساحر، وهذا الساحر يريد أن يخرجهم من أرضهم، فمن المُسَّلم به أن الساحر تضاهيه السحرة، فكان مقترحهم في هذا المجال، فلنا أن نلاحظ العلاقة المزيفة والشكلية بين القائد والبطانة السيئة.
    دفعوا بفرعون لتبنى فكرة تقتيل بني إسرائيل متبرعين له بالنصيحة السيئة، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127].
    6- الاستخفاف بالناس: ومبدأ الاستخفاف بالآخرين يأتي من أن القائد يرى أن كل أمور رعيته من؛ حياتهم، ومماتهم، ورزقهم، ووظائفهم بيده، ثم أنه يُعجب بما يمتلك من أشياء مادية خص بها نفسه دون بقية البشر، ومن الصلاحيات التي استحوذ عليها للتحكم بشؤونهم، فمن هذا المنطق فإنه يستخف بهم، قال تعالى: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51] وقال تعالى: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف: 54].
    وإنَّ القائد حين يستخف بقومه ستترتب على ذلك مجموعة من الأمور السلبية، ومنها:أنهم سيشعرون أنهم أقل منزلة منه، فينصاعون له ويطيعونه طاعة عمياء، فتصيبهم الرهبة والخشية من إبداء آرائهم وإن كانوا صائبين.
    تقطع وشائج الاتصال فيما بين الناس وقائدهم بسبب الشعور بالفرق الاجتماعي والوظيفي، فتضعف المجموعة.
    نشوء حالة من الحقد والضغينة لدى الرعية بسبب الفروقات المادية والاجتماعية بينهم وبين قائدهم.
    تولد الشعور بالرغبة بالانتقام من القائد، لأنهم يشعرون أنه يحتقرهم ويذلهم، ويقلل من شأنهم، وبل ويهدر كرامتهم.
    7- الظلم: والظلم صفة ملازمة للقائد السلبي، فهي لا تنفك عنه وهو لا ينفك عنها، فهو يظلم كل من يتعامل معه، والظلم هو وضع الشيء في غير محله، وكان فرعون من الظالمين كما وصفه القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنفال: 54].
    والظلم الذي يقع فيه هذا القائد على ثلاثة أنواع:الأول: ظلم لخالقه جل جلاله: ويقع فيه القائد السلبي حين يعتقد أن الأحكام التي أنزلها الله جل جلاله من السماء لا تصلح لأن تسير شؤون الناس في الأرض، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، ومن هذه القناعة الشخصية الباطلة يشرع ذلك القائد بتشريع أحكام وقوانين ويصدر قرارات وأوامر مخالفة لأحكام رب العالمين، بل ومحاربة لها.
    الثاني: ظلم الناس: ويظلم القائد الناس حين لا يضع كل بمقامه، فيذل من ينبغي أن يُعز، ويمنع في مقام العطاء، ويسجن بغير حق، ويصادر الحريات، وكل ذلك يجري من غير بينات، وإنما اعتمادًا على هوى نفسه، أو آراء البطانة السيئة، فمن صور ظلم القائد للناس:أنه لا ينزل الناس منازلهم في توزيع المهام والوظائف، فيعطي الوظيفة التي يراها جيدة، وليس فيها الكثير من الجهد، أو التي يكون أجرها عاليًا لمن يدين له بالولاء، أو من أقربائه، وإن لم يكن مختصًا بها وكفوءًا.
    لا يعطي من يعمل بوظيفة عامة حقه من الأجور، بمعنى أن الرواتب المخصصة للعاملين قليلة، وإن المعيار الذي ينبغي أن يكون لهذه الأجور هو تحقيق الحياة الكريمة للعامل أو الموظف، والذي يحقق المسكن والمأكل والملبس والمركب كحد أدنى.
    لا يحقق العدل في القضاء، فلا يحصل المرء على حقه إذا لجأ للقضاء لسبب أو لآخر.
    التعامل مع دورة الأموال العامة بطريقة خاطئة، من خلال اختصاص البعض بالمنح دون الآخرين، أو إشاعة التعاملات الربوية وإباحتها.
    الثالث: ظلم النفس: فالنفس لها دور في علاقتها مع الله جل جلاله، والمقام الحقيقي لها حين يكون القائد في مقام (العبودية)، فلا ينبغي أن يتجاوز القائد قدره في هذه المنزلة، فمهما علا ومها ملك فهو (عبد) لله جل جلاله وليس أكثر من ذلك، فإن حاول التطاول وتقمص دور الإله فقد ظلم نفسه، والمقام الثاني دوره في الأرض وهو (الخليفة) المكلف بإعمار الأرض وإدارة شؤونها، وهو مقام رفيع كلفه الله جل جلاله به، فينبغي التعامل مع هذه الوظيفة بمستوىً عالٍ و يشغل نفسه بصغائر الأمور وسفاسفها، فالقائد الذي يسعى من أجل الدنيا فقد ظلم نفسه، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 117]، وقال تعالى: ﴿ سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 177].
    إن تمكن صفة الظلم من القائد، واستمرائها من قبله، وملازمتها له، تؤدي إلى نتائج سلبية إضافية، فمن تلك النتائج:إن الله جل جلاله لا يحبه، وهذه من أعظم العقوبات على الظالم، قال تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، لأن من أحبه الله جل جلاله سُدِّد في الدنيا ونجا يوم القيامة.
    أنه يبتعد عن طريق الهداية، فتراه ضالًا، مشتتًا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].
    جحود الآيات والدلائل وإن كانت واضحة بيِّنه، قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) ﴾ [العنكبوت: 49].
    لا يوفق في حياته، فلا ينجح ولا يفلح، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21].
    8- التعامل مع المشعبذين والدَّجالين ومن على شاكلتهم وتقديم شتى أنواع الدعم لتدعيم أركان ملكه: وكل هذا من فرط جهل القائد السلبي، وقلة إيمانه وتعلقه بماديات الدنيا وملذاتها، فلو راجع نفسه وحكَّم عقله، لوجد أن هؤلاء المشعبذين، لا يضرون ولا ينفعون، حالهم من حاله، وهم ليسوا بقادرين على نفع أنفسهم أو دفع الضر عنها، فكيف بالآخرين؟ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [يونس: 79]، وليس ذلك فحسب وإنما يكافأهم ويقدم لهم الأعطيات والحوافز مقابل أعمالهم السلبية تلك، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الشعراء: 41 - 42].
    والسحر: ما خفي ولطف سببه، وهو مصدر للفعل سَحَرَ يَسحَرُ.قال الماوردي: " اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى السِّحْرِ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِخْفَاءُ الْخِدَاعِ وَتَدْلِيسُ الْأَبَاطِيلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:أَرَانَا مُوضِعِينَ لِأَمْرِ غَيْبٍ وَنُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ
    وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا نُسَمِّي السِّحْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْعَضَهَ، وَالْعِضَهُ: شِدَّةُ الْبُهْتِ وَتَمْوِيهُ الْكَذِبِ، وَأَنْشَدَ الْخَلِيلُ:أَعُوذُ بِرَبِّي مِنَ النَّافِثَاتِ وَمِنْ عَضَهِ الْعَاضِهِ الْمُعْضَهِ"[3].
    9- مصادرة الحريات الشخصية: ومصادرة حريات الناس عند القائد السلبي أساسه هو أن شعورًا يتولد لديه مع الزمن بأن هؤلاء الناس يعملون عنده، بمعنى آخر أنهم عبيد له، ورثهم كجزء من ميراث الملك والقيادة، فلا ينبغي أن يبدون آرائهم، بل لا يحق لهم أن ينبسوا ببنت شفه، من وجهة نظره، إلا ما كان يوافق رأيه الشخصي، وهكذا كان فرعون، قال تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾[ غافر: 29].
    ويذهب القائد السلبي إلى أبعد من ذلك؛ حين يقرر للناس قراراتهم المصيرية المتعلقة بإيمانهم، ومعتقداتهم، ويأمرهم بأن لا يتصرفوا إزاء أي أمر إلا بعد الرجوع إليه والاستماع لرأيه، والنظر في قراره في ذلك الأمر، قال تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 123].
    10- يتخذ القرارات الصحيحة أحيانًا ولكن بعد فوات الأوان: وكما أن ليس كل قرارات أو آراء القائد الإيجابية صحيحة بشكل كامل، فإن القائد السلبي قد يتخذ بعض القرارات الصحيحة أحيانًا، ولكنه يحتاج إلى أدلة دامغة، ورغم هذه الأدلة الواضحة فإنه يأخذ هذه القرارات متاخرًا وبعد فوات الأوان، أو يأخذها في الوقت غير المناسب، وقد حصل ذلك مع فرعون في موضوع إيمانه بالله جل جلاله، قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90].
    11- ممارسة الكذب: فالقادة السيئون بشكل عام يقولون في أدبياتهم التي تبنوها من معتقداتهم التي يؤمنون بها: أن السياسة هي فن الممكن، وإنهم انطلاقًا من هذا الاعتقاد يستخدمون كل الوسائل؛ المشروعة منها وغير المشروعة للوصول إلى غاياتهم، وواحدة من تلك الوسائل هو الكذب، فهو يكذب بمناسبة ومن غير مناسبة، مضطرًا أو غير مضطر، قال تعالى: ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ *يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الشعراء: 34-35]، وفرعون يعلم أن موسى عليه السلام لم يكن ساحرًا يومًا ما، لأنه عاش على عينه، وفي بيته، مثلما يعلم أنه ليس بكاذب لنفس السبب.
    ولا يقتصر الكذب على القائد السلبي شخصيًا، بل وكأنه عدوى تنتقل إلى مقربيه، قال تعالى: ﴿ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 109]، إنهم يرددون نفس العبارات التي يقولها فرعون، إنهم يكذبون لا لأنفسهم إنما إرضاءً لسيدهم وهو أشد أنواع الكذب، أن تكذب لغيرك، فيبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم، ويستمتع القائد السلبي في أن يمارس من حوله لعبة الكذب، فلعله صدَّق المقولة: (كذِّب حتى يصدِّقُك الناس)، ثم لا يقف عند كذبه فحسب، وإنما يكذب الآخرين، فهو يُكِّذب موسى علنًا ويتهمه الأشهاد، بالرغم من أنه يرى أن موسى عليه السلام لا يطلب شيئًا لنفسه، وإنما يدعو لعبادة إله واحد أحد، قال تعالى: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38]، وقال تعالى: ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنفال: 54].
    والكذب هُوَ الإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ عَلَيْه، فحين يكون متعمدًا يترتب عليه الإثم والعقوبة الإلهية، وحين لا يكون متعمدًا يعتبر من الخطأ الذي ليس معه إثم، ولا يمكن التمييز بين الكذب المتعمد من غير المتعمد لأنهما مرنبطان بالنوايا، أما في حالة وجود قرائن أو أدلة،فمن الممكن الحكم على الكذب أكان متعمدًا أم لا؟ وحين يمارس القائد الكذب ويستمرؤه فإنه يستمر عليه حتى يسمى بـ (الكذاب)، فعن عبدالله بن مسعود رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا )[4].
    ومع استمراء الكذب فإن القائد السلبي يفقد خلق من أهم أخلاق الفوز والنجاح والرجولة، وهي (المروءة )، فيسير ذلك القائد الكاذب دون مروءة، يقول الأحنف بن قيس رحمه الله: (اثنان لا يجتمعان أبدًا: الكذب والمروءة ).
    لماذا يكذب القائد:هناك مجموعة من الأسباب التي تدفع بالقائد السلبي لأن يكذب، ومنها:جهله بالأشياء، فحين يعرض على القائد السلبي أمر لا علم له به بحضور الملأ من قومه، فيشعر بالحرج ويعتقد أنه من العيب أن يقول لا أعرف، أو لا أدري، فيكذب من أجل أن يقال أنه يعلم.
    يحاول بالكذب تضليل الرعية عن حقيقية من الحقائق، وذلك عندما يشعر أن الناس آمنوا بقضية لها أدلتها على أرض الواقع، ويرى أن إيمان الناس بهذه القضية يسبب له المشاكل ويهدد مركز القيادة الذي يمارسه، فيكذب في محاولة منه لطمس الحقيقة وتغيير قناعات الناس.
    شعوره بالنقص في بعض جوانب الشخصية عنده، كالنقص في الأمور النفسية، أو العلمية، أو الفنية، فيكذب وهو يعتقد أنه يسد النقص أو الخلل الحاصل في شخصيته أو أنه يشعر أنه بالكذب يستطيع أن يرمم الخلل، أو أن يعطي بريقًا لشخصيته أمام الآخرين.
    في حالات النقاش أو المناظرات أو المفاوضات مع الآخرين، فقد يظهر من خلالها قوة حجة الخصم، وأحقية طرحه، وفصاحة لسانه، فيكذب القائد السلبي عند ذاك من أجل دحض حجة المنافس أو المجادل.
    أن يكون الكذب صفة ملازمة له، لأنه مارسها منذ طفولته فكانت دأبه في الحياة ولا يستطيع الإنفلات منها، فيكذب حتى في الحالات التي لا تستوجب الكذب.
    12- الفسوق: القائد السلبي يمارس الفسوق ويستمتع به، نتيجة لما يدره عليه الملك أو القيادة من مال حرام، فهو يستحصل عليه من سوء استخدام الصلاحيات أو استثمارها للكسب الشخصي هو أو أفراد عائلته، قال تعالى: ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [القصص: 32]، وقال تعالى: ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [النمل: 12].
    جاء في تهذيب اللغة للأزهري: (فسق: قال الليث: الفِسق: التَّرْك لأمر الله جل جلاله، وقد فسق يَفسُق فِسقًا وفسوقًا، قال: وكذلك الميْل عن الطاعةِ إلى المعْصية، كما فسق إبليس عنْ أمر ربه، وقال الفرَّاءُ في قوله: ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [الكهف: 50]، خرجَ عن طاعةِ ربِّه. قال: والعربُ تقول: فَسَقتِ الرُّطبة مِن قشرِها لخروجها منه، وكأنَّ الفأْرَةَ سمِّيَتْ فُوَيْسِقَةً لخروجها من جُحرها على الناس. وقال الأخفش في قوله: ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ (قال: عن ردِّه أمْرَ ربه، نحوُ قول العرب: اتَّخَمَ عن الطعام، أي: عن أكلِه الطعام، ولمَّا رَدَّ هذا الأمرَ فسقَ. قال أبو العباس: ولا حاجة به إلى هذا لأنَّ الفسوقَ معناه الخروجُ: فَسَق عن أَمْرِ ربِّهِ، أي خرَج).
    فيتمادى القائد السلبي هو ومن معه في فسوقهم ومعاصيهم، فتُنفق الأموال الطائلة على لياليهم الحمراء في معصية الله جل جلاله، وهذه من الأخطاء الإستراتيجية للقائد، لأنه لا يفسق هنا فقط وإنما يخون الأمانة، قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ﴾ [الحاقة: 9]، قال العز بن عبد السلام رحمه الله في تفسيره: (الخاطئة: الذنوب والخطايا،)[5].
    قال تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ﴾ [يونس: 88].
    13- الغُرور: القيادة تَمنحُ القائد السلطة والمال والرجال، وهذه هي عوامل تؤدي إلى اغترار القائد السلبي بنفسه، حتى يصل به الحال أنه يتحدى كل ما حوله من القوى، بل يتعدى ذلك فيتحدى الله جل جلاله وهو الذي خلقه وصوره، وقد وقع فرعون في هذا الفخ، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]، ففرعون هنا لا يتحدى موسى عليه السلام فحسب، وإنما يتحدى ربَّ العزة جل جلاله، وما ذلك إلا مما أصابه من الغُرور.
    والغرور أيهام يقع في نفس القائد السلبي، يحمله على الإقدام على فعل أشياء أعظم من طاقته، وأكبر من مؤهلاته، فيضر بذلك نفسه ويضر من معه، وغرور الفرد أهون من غرور القائد، لأن غرور الفرد ينتج عنه الضرر لنفسه أو لدائرة ضيقة قريبة منه، وأما غرور القائد فيجر الويل والثبور عليه وعلى أتباعه، وخاصة في قرارات الحرب وغيرها.
    14- حُبُّ التَعظيم: فهو يحب أن يستمع إلى الإطراء، وكلمات المدح والثناء التي لا يستحقها، ويحب أن يقال له بأنه القائد الذي لا يشق له غبار، وأنه الفذ الذي لا مثيل له، وأنه العزيز الذي لا يغلب، وأنه القائد العظيم والكبير، قال تعالى: ﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الشعراء: 44]، وهذا ما يحصل اليوم، فإن الكثير من القادة يحبون أن يستمعوا إلى أمثلة ذلك من الشعارات والعبارات، وإذا طرق سمعه ما يخدش هذا الإحساس لديه تجده ممتعضًا غاضبًا باطشًا، وكنت ممن سمع ورأى من الطغاة المعاصرين من يقول له اتباعه: (من عزم القائد نستمد النصر)، و(قائدنا إلى الأبد )، وغير ذلك من العبارات التي تساق بنفس المعنى الذي جاء في قولهم: (بعزة فرعون).
    15- الإسراف: والإسراف مجاوزة الحد، جاء في أساس البلاغة للزمخشري: (السرف الذي هو مجاوزة الحد في النفقة وغيرها، وقد أسرف في كذا وهو مسرف، وسرفت المرأة ولدها: أفسدته بكثرة اللبن، وذهب ماء البئر سرفًا: ضيعة، ورجل سرف الفؤاد وسرف العقل: فاسده).
    وقال الجرجاني في التعريفات: (الإسراف إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس وتجاوز الحد في النفقة وقيل أن يأكل الرجل ما لا يحل له أو يأكل مما يحل له الاعتدال ومقدار الحاجة وقيل الإسراف تجاوز في الكمية فهو جهل بمقادير الحقوق وصرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي)، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الدخان: 31]، لقد تجاوز فرعون الحد في كل شيء، فقد أسرف في الظلم والقتل والإنفاق في غير مرضاة الله جل جلاله.
    لذلك فإنَّ فرعون لم يهتد، لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ )غافر: 28، وفي فرعون صفتا الكذب والإسراف.
    16- يستثمر الاكتشافات العلمية سلبيًا، فالقائد السلبي ولأنه لا يفكر إلا بنفسه وبدوام ملكه، فهو يوظف كل إمكانات الدولة وقدراتها لهذا الغرض ومنها الاكتشافات والإبداع العلمي، فقد استثمر فرعون صناعة الطابوق من حرق الطين، من أجل بناء صرح ليتحدى به موسى عليه السلام، وهو يتحدى الله جل جلاله في ذلك، قال تعالى: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38]، في حين كان بإمكانه استثمار هذه الصناعة في بناء المساكن التي تؤوي أفراد شعبه وتحميهم من التشرد.
    ونتيجة لهذه الصفات السلبية مجتمعة فأنها في النهاية ستكون سببًا في هلاك القائد السلبي الظالم، وليس هلاكه فحسب بل وهلاك من يعاونه ويسانده في الدنيا، فيُزلزل عرشه، ويدمَّر ملكه، ويُمزَّق كل ما صنع، ولكنه يكون عند ذاك قد ترك أثرًا سلبيًّا كبيرًا من دمار لأمته التي كان يقودها، قال تعالى: ﴿ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137]، ثم أنه ومن معه ومن ناصره سيكون مصيره في جهنم، قال تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46].


    [1] إيثار الحق على الخلق، إبن الوزير، ص52.
    [2] اختلف المفسرون في الآيات التسع، وأرجح الأقوال أنها: (العصا واليد والسنين والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ) وهو قول ابن كثير رحمه الله.
    [3] الحاوي الكبير، الماوردي، ج13، ص 93.
    [4] صحيح مسلم - كتاب البر والصلة والآداب - باب: قبح الكذب وحسن الصدق وفضله.
    [5] تفسير العز بن عبد السلام تفسير القرآن، عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام الدمشقي، ج1، ص355.






    اغتيال الحرية ... انتهى

    عذرا سيدنا يوسف ..
    فعزيز مصر بات ذليلها وبائعها وخائنها ..
    وشرفاؤها سجنوا كما سجنت أنت من قبل ..
    وإخوتك تآمروا علينا من جديد وتركونا للذئاب ..
    اكتملت فصول قصتك سيدي من جديد .. وبقي الفصل اﻷخير ..
    ولن نقول إلا كما قال أبيك سيدنا يعقوب من قبل ..
    "فصبر جميل .. والله المستعان على ما تصفون"

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2014
    الردود
    36
    الجنس
    أنثى
    شكرا لك, افدتني كثيرا

مواضيع مشابهه

  1. أول مشاركة بخمير دبي
    بواسطة ولع دبي في المعجنات والسندويشات والفطائر والخبز
    الردود: 3
    اخر موضوع: 28-04-2009, 03:29 PM
  2. القناعات السلبية
    بواسطة hanotif في المجلس العام
    الردود: 5
    اخر موضوع: 27-02-2009, 04:03 PM
  3. شبيهةالدونات لكن دون تخمير
    بواسطة **ام البنات ** في الحلويات والكب كيك والكيك وحلويات العيد
    الردود: 14
    اخر موضوع: 16-10-2005, 03:06 AM
  4. تدمير مكة نووياً!!!!!!
    بواسطة ليااانو في الملتقى الحواري
    الردود: 9
    اخر موضوع: 22-07-2005, 02:37 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ