انتقلت منتديات لكِ النسائية إلى هذا الرابط:
منتديات لكِ النسائية
هذا المنتدى للقراءة فقط.


للبحث في شبكة لكِ النسائية:
عرض النتائج 1 الى 1 من 1

الموضوع: الطريقة المثلى.. الفرعونية !

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2004
    الموقع
    أينما يسمع `الآذان فهوا مدينتى
    الردود
    5,620
    الجنس
    امرأة
    التكريم
    • (القاب)
      • متألقة صيف 1432هـ
      • درة التحفيظ 2
      • إشراقة الروضة
    (أوسمة)

    الطريقة المثلى.. الفرعونية !

    الطريقة المثلى.. الفرعونية..!!

    في ثنايا ذلك الحوار الصعب بين طرفين غير متكافئين من ناحية القوة المادية والبشرية المنظورة:
    أحدهما: نبي الله موسى - عليه السلام - يساعده أخوه هارون - عليه السلام.
    وثانيهما: (فرعون) بكل جبروته وجيوشه وشرطته، وأجهزة أمْنه السِّرية، وحرسه الخاص،
    وأمواله الطائلة التي أعلن عنها هو صراحة وبلا (سرِّية
    قائلاً: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51].
    في ثنايا هذا الحوار، احتدمت لغة الحوار، كما تحتدم عادة بين الطُّغاة وبِطانتهم، ومن يخططون (يكيدون) لصالحهم من جانب، وبين الهُداة المستضعفين
    الخائفين من جانب آخرَ!
    ولئن كان الحوار في بعض مراحله مواجهة ثنائية بين الطاغية المستعلي (فرعون) وموسى
    (نبي الله الخائف الذي يَصدَع بالحق مع كل ظروفه)
    - فإنه - أي الحوار - كان في بعض مراحله بين فريقين: فرعون وبِطانته، وموسى وأخيه هارون؛ أي: إنه يأخذ شكل مواجهة بين (الفكر الفرعوني)، و(الفكر الديني)، بين من يعبدون فرعون ويؤمنون بشعاره الفرعوني العجيب: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]،
    وبين من يؤمنون بالله الواحد الأحد الذي ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]!
    في بعض هذه المراحل يتكلم فرعون باسم الشعب المسحوق المفروض عليه أن يَعبُد هذا الفرعون، أو هذا (الصنم الآدمي)،
    فيقول لموسى - عليه السلام -:
    ﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ
    [طه: 57 - 58].
    ولنلاحظ هنا بعض الكلمات التي وضعنا خطوطًا تحتها، إن فرعون يتكلم باسم الشعب، وكأنَّ الشعب له إرادة، وكأنه شعب حرٌّ يمتع بالشورى اللائقة
    بإنسانية الناس وعقولهم، مع أنه نفسه يعترف بأنه (دكتاتور)، وأنه (صنم يُعبد)، وذلك عندما قال للشعب: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي
    [القصص: 38].

    وزاد الطين بلَّة أنه صادَر عقول كل الشعب، وقال لهم بوضوح يليق بالفراعنة: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].
    لكن الفراعنة دائمًا يستخفُّون بعقول الشعب، ويتناقضون مع أنفسهم، ويعتمدون بالأكاذيب على هَدهدة عواطف الناس والسخرية بوعْيهم وعقولهم!
    ولو صحَّت البيانات والإحصاءات والوعود التي يُطلقها الفراعنة في بعض المناسبات والاحتفالات وأيام الزينة، لكانت شعوبهم في القمة على كل المستويات!
    ولكنهم - من منطلق الثقة في ضَعف شعوبهم وعجزها، والثقة في جبروتهم وأجهزتهم القمعية - يُسرفون في الوعود والتصريحات البرَّاقة، بينما أحوال شعوبهم والأوطان التي وقعت تحت قَبضتهم تنحدِر في كل يوم، وتنهار على كل المستويات!
    وأيًّا كان الأمر، فإن (فرعون) اختزل الشعب في نفسه، وتكلَّم باسم الشعب الذي يراه عبيدًا له، وبالتالي فهو لا يَأْبَه به ولا بإرادته؛ ولهذا واجه موسى بهذه الصِّيغ التي تدل على إلغائه لإرادة شعبه، بل وزعَم أن موسى هو (عدوُّ الشعب)، وأنه جاء ليخرج الشعب المصري من أرضه، مع أن أكبر أهداف موسى أن يَخْرج هو وبنو إسرائيل من مصر، لكنه منهاج الفراعنة في قلب الحقائق، وفي الدفاع عن فرعونيَّتهم بكل الوسائل!

    في المشهد التالي يَحتدِم الحوار على نحو أكبر، فيجمع فرعون بِطانة المكر والتزييف التي تُحيط به، وهذه البطانة هي أكبر صانع للفراعنة والطواغيت،
    وهي أكبر خائن للأوطان وبائع لها؛ من أجْل مصالحهم التي تتحقق من وجودهم حول فرعون، ومن تثبيته - بكلامهم المزوَّر - على الفرعونية،
    بل وتعميقها في فرعون، ولا سيَّما مع طول بقائه في موقع السلطة، لدرجة أنه بعد عقدين من الزمان تقريبًا ينفصل تمامًا عن إنسانيَّته ومشاعره،
    وصِلته بشعبه صلة إنسانية قائمة على أساس البشرية، ويُصبح مستعدًّا في سبيل الحفاظ على فرعونيَّته أن يَبيع دين شعبه ووطنه،
    ويُساوم على مقومات شعبه الحضارية!
    في هذا المشهد الذي يحتدم الحوار فيه، يَجمع فرعونُ بطانته - كما أشرنا - على النحو الذي يصوِّره القرآن؛
    ﴿ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ﴾ [طه: 60]، ويرد موسى - عليه السلام -
    على هذا التجمُّع الكيدي قائلاً لفرعون وبِطانته: ﴿ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ [طه: 61].
    وهنا يتَّجه فرعون وبطانته إلى التآمُر والمكر، بدلاً من أسلوب الحوار: ﴿ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
    [طه: 62]، وانتهوا - (فرعون وبطانة السوء) - إلى المواجهة الحاسمة، بدلاً من أسلوب الحوار:
    ﴿ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾ [طه: 63].

    والعجيب أن (فرعون وبطانته) في مرحلة من مراحل الفرعونية المتضخمة، لا يستطيعون أن يقوموا بتحليل الأقوال أو الأفعال تحليلاً عقليًّا أو علميًّا،
    فالعقل والعلم يُصبحان في مرحلة التضخم هذه نوعًا من العبث والترف الذي يلجأ إليه الضعفاء والثرثارون، وأدعياء الثقافة،
    بل قد يصبح العقل والعلم وأصحاب العقول والعلوم، أعداءً ثابتين للفرعونية في هذه المرحلة المتضخمة؛
    ولهذا تحرص الفرعونية على حِرمان شعبها من (البحث العلمي الحقيقي)، وتَمنح وسائل اللهو والعبث، وطبقات اللاعبين والعابثين والمنحرفين -
    أضعاف ما تَمنحه لأصحاب العقول والعلوم، أو ما ترصده في ميزانيَّاتها للبحث العلمي الحقيقي!

    ولو لم يكن فرعون قد وصل إلى هذه المرحلة التي انقطعت صلته فيها بلغة العقل والعلم، لَمَا تجرَّأ على القول بأن هذه الطريقة الفرعونية الطغيانية الاستعبادية الشمولية هي (الطريقة المثلى)، بل ويَنْسبها (الطريقة المثلى).
    في هذه اللحظات الحاسمة من صراعه مع موسى - عليه السلام - نراه يعزو طريقته إلى البطانة والجماعة كلها، فلم يتكلم بضمير المفرد
    (هذا المُتأله الكذوب)، فيقول مثلاً: (طريقتي الفرعونية المثلى)، بل نسب الطريقة للجماعة كلها، شأنه في ذلك شأن الفراعنة جميعًا في الساعات الحرِجة،
    حين يحاولون الادِّعاء بأنهم لا يعبِّرون عن أنفسهم وَحْدهم، وإنما يعبِّرون عن الشعب والوطن!

    وإني لأتساءل هنا:
    أية طريقة مُثلى تلك التي يتحدث عنها فرعون يا تُرى؟ وأيُّ دينٍ؟ بل أيَّة مذهبية سياسية أو إنسانية؟
    بل وأي تحليلٍ عقلي أو علمي - عبر كل العصور - يقرُّ هذه الطريقة الفرعونية، أو يقرُّ إطلاق صفة (المثلى عليها)؟

    وإذا كانت الفرعونية هي الطريقة المثلى، فبماذا نَصِف يا تُرى مناهج الأنبياء - عليهم السلام - ومناهج المصلحين العادلين،
    والحُكام الرُّحماء الآخذين بالشورى والمقدرين لإنسانية شعوبهم، ولحقوق الإنسانية؛ حتى تعمل وتُنتج، وتُخلص في حماية العقائد والأوطان،
    فضلاً عن أن تحرص على تقدُّم الأوطان وتحقيق ازدهارها؟!
    أجَل، بماذا نصف هذه الطريقة الكريمة العادلة اللائقة بإنسانية الإنسان؛ الإنسان الفرد، والإنسان الجماعة والوطن؟!
    وماذا يبقى لهذه النُّظم الإنسانية الراقية من نعوت إذا كانت طريقة فرعون هي الطريقة المثلى؟!
    لكن من المعروف عبر التاريخ أن الطريقة الفرعونية تقوم دائمًا على الكذب وقلب الحقائق، والعبث باللغة والعقول، وإطلاق الشعارات البرَّاقة
    التي تُخفي وراءها أبشع صور الجَور والظلم، ومصادرة حقوق الإنسان والإنسانية!

    وكم عانى الناس عبر التاريخ من هؤلاء الذين يَلوكون ويُثرثرون، ويصرخون في كل مناسبة وبغير مناسبة بشعارات الحرية، والإخاء، والمساواة،
    وتحقيق الرفاهية للشعب، وتحقيق التقدم، إلى آخر هذا السيل من الشعارات (الماسونية) التي ذاق الناس في عهود مُروِّجيها والصارخين بها
    أتعسَ صورة الحياة، وأسودها، وأكثرها قهرًا!

    لقد رُوقِبت حتى أنفاسهم وحياتهم الشخصية، ولقد عاشوا في رعب وخوفٍ من كل ما يحيط بهم، وذلك مع دَوِي الشعارات صباحًا ومساءً من أبواق التزوير الإعلامي، وكأنما يضيف هذا الصراخ بهذه الشعارات همًّا إضافيًّا إلى ما يكابدونه، ولا سيما وهم لا يستطيعون أن يرفضوا هذا الزيف،
    أو يقاوموه بأدنى صور المقاومة!
    إنها في النهاية الطريقة الفرعونية المثلى، ولو أُبيدَ الشعب كله، والمهم أن يبقى فرعون وبطانته!


    وهنا تسوقنا الأحداث إلى المشهد الجديد (الدرامي)، بعد أن تحدَّد (يوم الزينة) للمعركة، وبما أن فرعون كان يشيع عن موسى وأخيه هارون
    - عليهما السلام - أنهما مجرد ساحرين يريدان إخراج الناس من وطنهم، فالأمر الطبيعي أن تستنفرَ الأمة كلها؛ حتى لا تخرج من أرضها،
    وأن يُجمَعَ أمْهَر السحرة من كل أنحاء مصر، عن طريق الإعلام الفرعوني القادر على الوصول إلى كل المدائن، بحيث يُؤتَى بكل ساحر عليمٍ
    باحثٍ عن المجد والثراء؛ حتى يتحقق النصر المبين على هذين الساحرين الكبيريْن اللَّذين يدَّعيان النبوَّة؛ ولأنه - من البديهي والمعروف -
    أنه لا يَفلُّ الحديد إلاَّ الحديد، فكذلك لا يستطيع أن يُحبط كيد الساحر إلا ساحر أقوى منه،
    إذا كان سحرةُ فرعون أمهرَ السَّحرة على مستوى الوطن كله؟!

    إن النتيجة في هذه الحالة مضمونة، كما يعتقد فرعون وبطانته؛ ولهذا فقد أبَوا أن يكون (لقاء التحدِّي) إلاَّ في يوم مشهود هو (يوم الزينة
    وأن يُحشر الناسُ في وقت الضحى، وهو وقت الذِّروة!

    وكما هو الشأن في السلوك الفرعوني الذي لا يعرف إلاَّ لغة المصلحة والإغراء بالمنْصب والجاه والمال؛حيث لا تربطه بأية طائفة من شعبه علاقة
    حبٍّ أو ولاءٍ، فقد أمر فرعون بعقد اجتماع خاص مع السحرة،
    وفي هذا الاجتماع بادَر السحرة فرعون بسؤال جريء يدل على إدراكهم لطبيعة علاقة الشعب بفرعون،
    كما يدلُّ على مدى فقْر الشعب، وانتهازه أية فرصة دون حياءٍ لتحسين وضْعه الاقتصادي المنهار، فلهذا قال السحرة لفرعون بكل وضوحٍ، بعيدًا عن الأساليب النفاقية:
    ﴿ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الشعراء: 41]؟

    فردَّ فرعون: نعم، وإنكم إذًا لمن المقربين، فالمال والجاه في انتظاركم، إن انْتصرتم على موسى، (وهكذا تَمَّ عقدُ الصفقة!).
    وبكل ثقة وأملٍ في النصر، تقدَّم السحرةُ إلى موسى قائلين له:
    إما أن تلقي عصاك، أو نلقي نحن حبالنا وعِصيِّنا؟
    فقال لهم موسى - عليه السلام -: ألْقُوا أنتم أولاً.

    وسَرعان ما ألقى السحرة حبالهم وعِصيِّهم التي راحت تمشي وتسعى هنا وهناك، لدرجة أنها أذهلت الناس، فاندفعوا إلى الهرَج والهتافات،
    بالإضافة إلى (التصفيق الحاد) الذي مرَدوا عليه!

    وقد بلغ من قوة السحر أنه أخاف موسى - عليه السلام - نفسه.
    لكنَّ الله سَرعان ما طمأَنه، وقال له: ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾ [طه: 68]،
    ثم أمره بأن يُلْقي عصاه التي تحوَّلت بمجرد وصولها إلى الأرض إلى شيء أشبه (بالديناصور)، الذي يَلْتهم كل شيء،
    فالتَهمت عِصِي السحرة وحِبالهم، ومضت وكأنها مستعدة لالتهام ما حولها ومن حولها، حتى فزِعت الجماهير، وخاف فرعون ومَن حوله!

    وهنا تقع مفاجأة عجيبة لم يكن فرعون يتوقعها أبدًا، فإن هؤلاء السَّحرة الذين وعدهم فرعون بالجاه والمال، قد أدركوا -
    (وهم الخبراء النطاسيُّون وأهل الذكر) - الفروق الشاسعة بين عمل الساحر القائم على التخييل، وبين آيات الله المعجزة الصادقة،
    فسَرعان ما خرَّ هؤلاء السحرة أمام كل الناس ساجدين لله، معترفين بأن هذا إعجازٌ لا يمكن أن يكون من صُنع البشر،
    بل إنه فعل لا يمكن أن يقوى عليه إلا الإله القادر الذي يقول للشيء: كن، فيكون!

    وبدأت الفرعونية المنهزمة - في ساعة النحْس التي تعيشها بسبب السحرة - تَتَخبَّط في أقوالها كعادتها دون عقلٍ أو منطق، وقد راعها هذا الخِزي،
    وهذه الخيانة من أمهر السحرة، ولهذا راح فرعون - بنوعٍ من الهذيان - يُهدد ويتوعَّد هؤلاء السحرة (الخونة المتآمرين!)، متجاهلاً أصل القضية،
    وغافلاً عن الجماهير الشامتة، قائلاً للسحرة بالمنطق الفرعوني نفسه:
    ﴿ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ
    وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى
    ﴾ [طه: 71].
    وهنا تتجلى معالم المنهج الفرعوني في معالجة القضايا في ساعة الهزيمة والانكسار، كما تجلَّت من قبل في ساعات الحوار والاستكبار.

    إن فرعون (المتأله) يتحول إلى كائن مذبوح، لا يُحسن التفكير، فليس ما يهمه هو (إيمان السحرة) وخروجهم عن العبودية له، وعبادتهم الله وحده ربَّ موسى وهارون، كلاَّ، فإن هذا لا يهمه؛ لأنه - أكثر من غيره - يعرف حقيقة نفسه، وأنه ليس إلهًا، وإنما الذي يهمه أنهم آمنوا (قبل أن يأذَن لهم)،
    إن هذه هي المخالفة الكبرى في نظره!
    فالفرعونية يهمها طغيانها وسيطرتها حتى على الأنفاس والقلوب والعقول، أكثر ما يهمها أن يكون الناس على أي دينٍ أو مذهب، إن فرعونيَّتها هي القضية الأساس!

    وكما يقول شاعر يصف هذا السلوك:
    يُقادُ للسجنِ إن سَبَّ الزعيم
    وإن

    سَبَّ الإلهَ فإن الناسَ أحرارُ

    وقد كان أحد الفراعنة يقول للثرثارين والمثقفين من شعبه: ابتعدوا عن المساس بي وبأسرتي، وافعلوا بعد ذلك ما شئتُم!
    فهو لا يفكر في إيمان ولا كفرٍ، ولا وطنٍ، ولا أعداء، المهم هو وأسرته.
    وليذهب كل شيء بعد ذلك إلى الجحيم!
    وحتى لو كانت الفرعونية لا تتحقق لفرعون إلا بواسطة أعدائه، فإنه يستعين بأعدائه ويبيع وطنه، وثوابته في سبيل الحفاظ على فرعونيته!
    إن (الفرعونية) هي محور سياسته وحدها!
    وهكذا تمدُّنا لحظة الانكسار الفرعوني هذه بمعلم آخرَ من معالم الفرعونية في مواجهة المخالفين لها، إنها دائمًا جاهزة في وصْم الذين اختلفوا معها،
    وتخلَّصوا من الخضوع لفرعونيَّتها - بالخيانة والتآمُر.
    وبعد أن كان فرعون يَعِد السحرة بالمال والجاه، ينقلب عليهم انقلابًا خطيرًا لمجرد إيمانهم وخضوعهم للحق الذي تجلَّى لهم،
    ويتَّهمهم بالخيانة العظمى، ويَزْعم أنهم متواطئون مع موسى، وأنَّ موسى هو كبيرهم الذي علَّمهم السحر،
    (هكذا بسرعة يتم تلفيق المؤامرة في حالة الطوارئ)، مع أن هذا الادعاء المزيَّف الباطل يتناقض تمامًا مع التطور الطبيعي للأحداث،
    ومع المواقف السابقة من السحرة، ونحن لا يخالجنا شكٌّ أنَّ أجهزته السرية لم تكن عاجزة عن اكتشاف مثل هذا الأمر الخطير،
    لو كانت له أدنى ظلال من الحقيقة!
    لكنه الشلل العقلي الكامل الذي يصاب به فرعون في ساعة الهزيمة!

    وكالعادة، لا يقف الأمر عند هذا التصعيد للأمور، بل إن فرعون سرعان ما يتذكر أسلوبه المعتاد في معاملته لمخالفيه.
    وبدون تحقيق قضائي أو محاكم
    (ولو صورية عسكرية) لمعرفة ما إذا كان هناك تواطؤ بين موسى والسحرة، أو لم يكن، بدون هذا كله يُصدر فرعون حكمه العسكري الصارم على السحرة المؤمنين: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الأعراف: 124].

    وتلك دائمًا هي النتيجة الطبيعية والنهاية المأساوية لكل مَن يتجرَّؤون على مخالفة المنهج الفرعوني!

    وهكذا من خلال هذا السياحة تتَّضح لنا معالم (الطريقة الفرعونية المثلى) في شتَّى أحوالها وصورها في حالات الحوار،
    وفي حالات الشعور بالجبروت والاستكبار، ثم في ساعات الهزيمة والانكسار!
    والتاريخ يعيد نفسه، والفرعونية صامدة - عبر التاريخ كله - تقاوم الحق والعدل والرحمة، وتلبس أثوابًا مختلفة،
    وترفَع شعارات ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، إنها قد تختلف في الألفاظ، لكنها لا تختلف في مضامينها النفاقية، ولا في أساليبها وأهدافها الفرعونية.

    أ.د. عبد الحليم عويس

    آخر مرة عدل بواسطة درة السنة : 10-09-2013 في 09:42 PM


    اغتيال الحرية ... انتهى

    عذرا سيدنا يوسف ..
    فعزيز مصر بات ذليلها وبائعها وخائنها ..
    وشرفاؤها سجنوا كما سجنت أنت من قبل ..
    وإخوتك تآمروا علينا من جديد وتركونا للذئاب ..
    اكتملت فصول قصتك سيدي من جديد .. وبقي الفصل اﻷخير ..
    ولن نقول إلا كما قال أبيك سيدنا يعقوب من قبل ..
    "فصبر جميل .. والله المستعان على ما تصفون"

مواضيع مشابهه

  1. الطريقة المثلى في إنكار المنكر
    بواسطة أزهار عبدالرحمن في روضة السعداء
    الردود: 4
    اخر موضوع: 09-12-2010, 12:03 AM
  2. تحديد نوع الجنين علي الطريقة الفرعونية
    بواسطة hanotif في ركن المواضيع المكررة
    الردود: 14
    اخر موضوع: 25-01-2009, 01:46 AM
  3. مول على الطريقة الفرعونية
    بواسطة just a girl في السياحة والسفر
    الردود: 6
    اخر موضوع: 24-04-2006, 10:19 AM
  4. الطريقة المثلى للرجوع
    بواسطة النورس في الملتقى الحواري
    الردود: 7
    اخر موضوع: 29-09-2001, 08:03 PM

أعضاء قرؤوا هذا الموضوع: 0

There are no members to list at the moment.

الروابط المفضلة

الروابط المفضلة
لكِ | مطبخ لكِ