التلوث السمعي
كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن التلوث البيئي، وهو مصطلح وإن تكون من كلمتين... ولكن تتعاظم معه المعاني والمفاهيم.
ففي ظل عالم مٌتغير يتسابق فيه الجميع نحو التقدم الصناعي والتكنولوجي، حيث يٌملي عالم الشمال علينا مخترعاته وصناعاته المتطورة فتمتلئ السماء الصافية بما يفسد هواءها ويثقب طبقاتها ويتعكر نقاء الماء بما يغير طبيعته، وتتحمل قدرة التربة بما لا طاقة لها باستيعابه، وينوء كوكب الأرض بما فوق ظهره من صراع واهم ودائم بين الإنسان ( الابن ) والبيئة ( الأم )، حتى أصبح الإنسان وبحق ظالماً لنفسه ولبيئته، جانياً عليها ومجنياً عليه، فبات يتنفس تلوثاً، ويشرب تلوثاً، ويأكل تلوثاً، ويسمع تلوثاً، ويُبصر تلوثاً، وينتج تلوثاً، ويستهلك تلوثاً، ويخلف تلوثاً، تاركاً من بعده أنواعاً من التلوث مستحدثة ومكثفه وممرضه بعيدة الأذى والأثر لأجياله القادمة.
قال تعالى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم 41.
نعم ... إن كوكبنا أصابه المرض، وجاء نتيجة فحص علماء البيئة أن حاله كوكبنا مؤسفة...إن كوكبنا كبيئة صالحة لاحتضان الحياة ... قد فقد مميزاته.
وفى صدد هذا الشأن، نتحدث هنا عن التلوث السمعي ( أسبابه وأضراره ).
أهمية الأصوات: إن للأصوات وحاسة السمع التي ندركها أهميه بالغة بين الناس، وأهميتها في مجال التفاهم بكل صوره لا تحتاج إلى بيان.
وتعد حاسة السمع من أول وأكبر النعم التي أنعم الله بها على الناس، وذكرهم بها في كثير من آياته البينات، ومن ذلك قوله تعالى { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } الملك 23.
والتلوث السمعي قد يكون تلوثاً مادياً يتمثل في أصوات عالية تحدث ذبذبات شديدة تزيد على الحد المسموح به وتؤثر على الإنسان وسمعه، وهذا هو المعنى الشائع الذي يٌفهم عادهً عند سماع عبارة التلوث السمعي ( الصوتي )، ولكنه أيضاً قد يكون تلوثاً سمعياً أدبياً أو معنوياً يتمثل في أصوات أو كلمات يتأذى الإنسان نفسياً من سماعها، ولو كانت خافته، كالكلمات الفاحشة والألفاظ النابية.
وسوف نتحدث هنا عن النوع المادي.
الضوضاء عبارة عن أصوات غير مرغوب فيها، ليس لها أي صفات موسيقية عذبه. فهي عنصر مستحدث على البيئة، يحيط بالبشر في جميع مجالات أنشطتهم وأماكن وجودهم، وهى تؤثر سلباً على الناحية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.
ولا يخفى علينا أن مصادر الضوضاء تنقسم إلى قسمين:
1- مصادر طبيعية: مثل الانفجارات البركانية والزلازل والرعد والأعاصير و...... الخ. وهى تختفي باختفاء المؤثر.
2- مصادر غير طبيعية: وهى تلك الضوضاء التي تحدث من وسائل النقل والمختلفة والآلات التنبيه ومكبرات الصوت والمصانع والورش والحفلات و...... الخ.
التأثيرات الناتجة عن الضوضاء ( أضرارها ).
تعد الضوضاء الآن من أهم مشكلات الحياة الحضارية التي نحياها، وتعد من أخطر أنواع التلوث بالنسبة للإنسان ونمط حياته، ففي كثير من الأحيان قد يكون في وسعنا أن نحمى أنفسنا بدرجه ما ضد أنواع أخري من التلوث، ولكن في بعض المناطق لا تتوقف الضوضاء ولا نستطيع أن نهرب منها، فهي تصحبنا منذ اللحظة الأولي التي نستيقظ فيها وتتعقبنا في أنحاء مساكننا والي أعمالنا، وتقصفنا بقذائفها ونحن نعمل... ونحن نقرأ... ونحن نتنزه... ونحن ننام... أو حتى إذا كنا نحاول ذلك...
لقد أصبحت ضرباً جديداً من تجاوز حدود اللياقة، وانتهاكاً جديداً للخلوة إلي يُحاول الإنسان التمتع بها.
هذا وقد قال أحد العلماء المتخصصين في الضوضاء: إن الضوضاء شأنها شأن مزيج من الضباب والدخان... عامل بطئ للموت، فإن ظلت تتزايد في الثلاثين عاماً القادمة بالمعدل التي تزايدت به في الثلاثين عاماً الماضية... فقد تغدو مميتة.
وتسبب الضوضاء أضراراً كثيرة للإنسان، منها ما هو عصبي وما هو فسيولوجي، كما أنها تؤثر بطريقة غير مباشرة على الناحية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والآثارية...
× كما أنها تشكل أسوأ أنواع الضغط النفسي على الإنسان… هذا الضغط الذي يؤثر بالضرورة على الصحة العامة والصحة النفسية للإنسان في مختلف سنوات عمره، ويكون ذلك في صوره قلق وارتباك…، كما أنها تضعف القدرة على التركيز، فضلاً عما تسببه من إرهاق ذهني وعصبي وعضلي، ومن الشعور بالإكتئاب والضيق الشديد… والذي ينعكس سلباً علي العلاقات بين الأفراد.
× وحيث أن الحالة الفسيولوجية ترتبط إلي حد كبير بالحالة النفسية، فإن آي اضطراب في الحالة النفسية ينعكس تأثيره على الحالة الفسيولوجية للجسم. فإن كان الإنسان في حاله نفسيه سليمة، فإن حالته الفسيولوجية أيضاً تكون سليمة، والعكس صحيح.
- هذا وتظهر النتائج النفسية والفسيولوجية للضوضاء بصفة أساسية في الأحلام والآم الرأس وفقدان الشهية والشعور بالضيق والتعاسه.
× إن التعرض المستمر للضوضاء يؤثر علي الغدد الصماء ذات الإفراز الداخلي – الغدد التي تفرز الهرمونات – مما يسبب اضطرابات في كمية الهرمونات، وهذا يعمل بدوره على عدم انتظام ضربات القلب وانقباض الأوعية الدموية، كما يسبب أيضاً ارتفاع مستوى الكولسترول الذي يؤدي إلي ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والشعور بالصداع المستمر، ويؤدى كذلك إلي اضطراب عمليات الهضم والإصابة بالقرحة المعدية وقرحة الأثني عشر.
× ولا يخفي علينا أن شدة الصوت المرتفع تؤدى إلي تلف الخلايا العصبية الموجودة بالأذن الداخلية، مما له تأثير مباشر على العصب السمعي… ويؤدي ذلك إلي ضعف عام في حاسة السمع.
- وهذه كلها انعكاسات فسيولوجية لتأثيرات الضوضاء علي الجهاز العصبي اللاإرادي.. وعلي الوظائف الفسيولوجية للمخ.
وهنا يجدر بنا أن نذكر أن هذه الآثار الفسيولوجية عموماً تختلف في شدتها من فرد إلي آخر وفقاً لعمره والحالة الصحية العامة له. كما تعتمد كذلك على شده الصوت وزمن التعرض له، وعلي القرب أو البعد من مصدره.
الضوضاء والمرضي: عادةً لا تهتم الدول النامية بالمعايير الخاصة بالصحة وتأثيراتها المختلفة. وإذا أخذت ذلك بعين الاعتبار فغالباً ما يكون علي دراسات متعلقة بشعوب أخرى تختلف عنها في العادات والتقاليد والثقافات.
فنجد مثلاً أن مصر لا تأخذ بعين الاهتمام مستوى الضوضاء المتعرض لها المرضي في المستشفيات، فعلى سبيل المثال نجد أن معظم المستشفيات في القاهرة تقع في أكثر الميادين ازدحاماً…!!!
الضوضاء والتلاميذ: تؤثر الضوضاء على تلاميذ المدارس، ويتمثل ذلك في قله استيعابهم وتركيزهم، وعدم القدرة علي حل أبسط العمليات الحسابية، والإرهاق العصبي وتأثر القدرات العقلية. كما تؤثر أيضاً علي سلوكهم، فالغالبية منهم أصبح سلوكهم يتصف بالعنف والاندفاع والقلق وعدم التركيز وأصبح رد فعلهم عنيفاً لكل شئ بسبب الضوضاء.
الضوضاء والعمال: لقد أثبتت بعض البحوث العلمية أن الضوضاء تسبب حوالي 50 % من الأخطاء في الدراسات الميكانيكية، وحوالي 20 % من الحوادث المهنية، وحوالي 20 % من أيام العمل الضائعة ممثلة في قله رغبة العاملين وكثرة تغيبهم عن العمل…
الضوضاء والأمهات والأجنة: لقد وجد العلماء منذ زمن قريب أن الأجنة في بطون أمهاتها تتأثر كذلك بالضوضاء، وبخاصة الجهاز العصبي لها، ويٌقال إن السبب تأثر الأم وتوترها بهذه الضوضاء، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي تأثر الجنين بما في ذلك تكوين الجهاز العصبي له…
الضوضاء والحيوانات والنبات: لا نستطيع القول أن التأثيرات السلبية للضوضاء تقتصر علي الإنسان فقط، بل أنها تمتد لتؤثر علي الكائنات الأخرى أيضاً..، فلقد أثبتت البحوث أن الضوضاء لها تأثير علي الحيوانات والنباتات والطيور، فقد أشارت نتائج التجارب إلي أن إدرار اللبن والكفاءة التكاثرية عند بعض الحيوانات تقرن بزيادة تعرض هذه الحيوانات للضوضاء، وأشارت نتائج البحوث أيضاً إلي أن الحيوانات الصغيرة التي تعيش في بيئة هادئة تأكل وتنمو أسرع من تلك التي تعيش في بيئة مزعجه. وتؤثر الضوضاء أيضاً علي الطيور فيقل إنتاجها من البيض.
وكذلك يقل معدل نمو الكثير من النباتات عند وجودها في وسط تسوده الضوضاء، الأمر الذي يتطلب بيئة هادئة لكل من الحيوانات والنباتات.
هذا وقد أكدت الكثير من الدساتير الدولية حق كل من النبات والحيوان أن يحيا ويوجد وينمو في بيئة نظيفة هادئة خالية من التلوث الضوضائي…!!!
كتبت بواسطة عبارات العيون
الروابط المفضلة