كيف أنـسـاه ؟

تطرح الفتاة التي تابت إلى ربها وعادت إلى رشدها وخرجت للتو من علاقة عاطفية هذا السؤال كثيرًا بينها وبين نفسها، فتقول: عرفتُ الآن أن من أحبه لا يستحق أن أعلّق قلبي به وهو لا يريد الزواج مني بل يريدني للمتعة فقط وكأني جارية له.. ولكني ما زلت أحبه مع علمي أنه لا يستحق، فماذا أفعل؟
الذي أراه هو أن على الفتاة أن تلجأ إلى ربها وتعود إليه، وأن تفكر بطريقة إيجابية وأن تتفاءل وسوف تنسى هذا الرجل مع الوقت والجهد… أما إن تركت لنفسها الحبل على الغارب فإنها ربما تُغَلِّبُ جانب العاطفة على نداء العقل فتعود بنفسها لذلك الشاب العابث أو لغيره من العابثين..

أيتها الأخت:
إن إطلاق العنان للعواطف سهلٌ جدًا، بينما كبتها وتنظيمها وضبطها هو الصعب، وكل عمل تريدين أن تقومي به يحتاج منكِ لأمرين بعد التوكل على الله:

1- الــــــــــــــوقت
2- والجهــــــــــــد

إن حبًا استمر لفترة طويلة لا يمكن أن يُنسى في لحظة، نعم قد تستطيعين- وهذا هو الصحيح- أن تقطعي هذه العلاقة الآن، ولكن تبعاتها ومتعلقاتها لا يمكن أن تزول بهذه السرعة، فإن لهذا الحب آثارًا تبقى في النفس لمدة تختلف من فتاة لأخرى على حسب قوة العلاقة الماضية وعلى حسب قوة شخصيتها وعزيمتها وثقتها بنفسها وهمتها وتوفيق الله لها..

وسأذكر بعض النقاط التي أرى أنها مفيدة لأي فتاة تريد أن تنسى علاقتها العاطفية الماضية:

أولاً:
الابتعاد التام عن أي شي يذكرها بمن تحب: كالرسائل والهدايا والبطاقات، وكذلك تغيير رقم هاتفها أو الاستغناء عنه تمامًا لإغلاق كل باب يذكرها بمن تحب.
أما في عالم الإنترنت فنستطيع أن نقول: إن على الفتاة أن تغير بريدها الإليكتروني، وأن تحذف جميع الرسائل التي تبادلتها مع ذلك الرجل, ويجب ألا تدخل أي موقع أو منتدى حوار تتوقع وجوده فيه، وكذلك يجب أن تغير اسمها الذي تعود أن يعرفها به..
والهدف من هذا كله هو إبعاد من تحبه النفس عن العين والأذن, وهذا يساعدها كثيرا في عملية النسيان.

ثانيًا:
عدم الرجوع لهذه العلاقة مرة أخرى لأي سبب؛ فإن الشاب المعاكس قد يحاول أن يسترضي هذه الفتاة لعلمه بضعفها وحاجتها له، ولذلك فعلى الفتاة أن تحذر من الرد على مكالماته، أو رسائله، أو مناقشته، أو الدخول معه في أي حديث حتى لو كان لنصحه أو تذكيره بالله. وعليها أن تتذكر نصيحة العالم للتائب الذي قتل مائة نفس؛ حيث أمره أن يهجر قريته التي ينتشر فيها الظلم والبغي وأن يسافر إلى قرية أخرى يعبد الله فيها..

ثالثًا:
إشغال النفس بأي نشاط ذهني أو بدني؛ فإن النفس الفارغة قريبة من المنكر، ووقوعها في الحرام أسهل نظراً لعدم وجود البديل المباح الذي يشغلها عن تذكر من كانت على علاقة به ، ومن هذه الأنشطة :
الدخول في دورات لتعلم أي شيء مفيد للفتيات خاصة: كالطبخ والخياطة وتربية الأولاد والتعامل مع الزوج وتنظيم البيت.
وكذلك تستطيع الدخول في دورات عامة كدورات تعليم الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية.
وقد تكون ممارسة الرياضة الخفيفة في البيت وبعيدا عن أي مكان فيه شبهة مما يفرغ ما في نفس الفتاة من هم وحزن ومما يعين على سرعة تحسين نفسيتها واسترجاع روح الأمل والتفاؤل التي كانت عندها قبل هذه الأزمة العاطفية.
ومن أفضل ما يشغل العبد وقته به فهو صحبة الصالحين؛ فعلى الفتاة أن تلتحق بجمعيات تحفيظ القرآن الكريم حيث الفتيات الصالحات المصلحات، وأن تحرص على مجالس العلم والذكر.

هذا مع الناس، أما في الخلوات فقراءة القرآن وقيام الليل والصيام وذكر الله وغير ذلك من أعمال البر.

رابعاً:
إن أي عمل تريدين أن تقومي به على الوجه الصحيح فإنه لا بد لكِ أن تكتبيه في ورقة، ثم تكتبي المدة التي تتوقعين أن تؤديه فيها، وتكتبي كذلك أي تفصيلات أخرى تعينك على تحقيق هذا الهدف، وبهذا يكون تحقيق الهدف أيسر وأسهل من مجرد الاكتفاء بالنية الداخلية في نفسك؛ فإن نسبة نجاحك في تأدية هذا العمل الذي لم ينتقل من ذهنكِ إلى الورق ستنخفض بشكل كبير.

ولذلك فأنصح أي فتاة تريد أن تنسى حبها أن تقوم بعمل خطة مكتوبة على ورقة، وتكون في هذه الورقة خانة متابعة يومية تسجل فيها إجابة على هذا السؤال: ( هل استطعتُ اليوم أن أتقدم في العلاج ؟ ).
والتقدم في العلاج يعني أن هذا اليوم مر دون لقاء مع الحبيب السابق.. سواء في الهاتف أو غيره من أدوات الاتصال المختلفة.
قد يقول البعض أن هذه طريقة متعبة، أو طريقة ليس لها قيمة، وأقول: جربي هذه الطريقة لأسبوعين أو ثلاثة وسترين مدى الحماس والتفاؤل الذي ستحسين به حينما تشاهدين بنفسك تقدمك في العلاج وأنكِ استطعتِ في هذين الأسبوعين أن تبتعدي تمامًا عن الرجل الذي كنتِ على علاقة به..
وأنبه على أمر مهم:
لا تجعلي هذه الورقة مخفية في الدرج أو الدولاب بل اجعليها في مكان بارز تشاهدينه كثيرا في اليوم الواحد، وبحيث تكون برموز لا تفهمها إلا صاحبة الورقة.

خامسًا:
من الضروري أن تستعيني بشخصٍ يساعدكِ في الاستمرار على هذا الجهد، وهذا الشخص يجب أن يكون كتومًا وحكيمًا وقريبًا منكِ، المهمة الأولى لهذا الشخص هي أن يدعمكِ ويساندكِ عاطفيًا ومعنويًا، ومهمته الثانية أن يتابع معكِ تقدمكِ في خطة نسيان الحب القديم بالسؤال والتذكير والنصح.
وليس هناك أفضل لكِ من الأم أو الأخت أو العمة أو الخالة، فإن تعذر ذلك فإن في الصديقات بديلاً لكِ عنهن، والمهم ألا تكوني وحدكِ لأن الطريق صعبة وتحتاج لأنيس ومعين ومذكر وناصح.
هذه بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة لكِ في باب (كيف أنساه؟), ولكن هناك عشرات الأفكار الأخرى التي تستطيعين أن تفكري بها في جلسة استرخاء وتَفَكُّر مع نفسكِ أو مع شخص تختارينه ويكون عونًا لكِ في إيجاد طرائق متعددة تكون سببًا في استرجاعكِ لثقتكِ بنفسكِ ومن ثم المضي قُدمًا في رحلة النسيان.


تأليف أ/ أحمد بن محمد الهرفي
جامعة الإمام محمد بن سعود

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *