شَكْوى النَّار لِرَبِّهَا ∶∽ شرح حديث ∶∽

المشاركات
210
الإعجابات
199
#1




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..





فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"اشْتَكَتِ النّار إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ،
وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُو أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ"
صحيح البخاري و مسلم







قوله:
"اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا": قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فيه أن الجماد بالنسبة لله عز وجل
يتكلم مع الله ويناجي الله، وهذا ظاهر في القرآن والسنة، ففي القرآن يقول الله تعالى:
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
﴾ [فصلت: 11]، وفي السنة كثير"التعليق على صحيح مسلم







منها قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ:
إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ ...
مسند الإمام أحمد





وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ
وَسَقَطُهُمْوَعَجَزُهُمْ، قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي،
وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ، فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُُ رِجْلَهُ فِيهَا، فَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ، فَهُنَاكَ تَمْتَلِئُ،
وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا"
صحيح البخاري









"قوله في الحديث:
"أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا" من شدة الحر، وشدة البرد، فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء،
وتتنفس في الصيف، نفس في الصيف ليخف عليها الحر، وفي الشتاء ليخف عليها البرد،
وعلى هذا فأشد ما تجدون من الحر، يكون من فيح جهنم، وأشد ما يكون من الزمهرير من زمهرير جهنم
التعليق على
صحيح مسلم للشيخ ابن عثيمين




وفي الحديث فوائد كثيرة:

1- أن النار مخلوقة الآن، وكذلك الجنة، قال تعالى عن النار: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:131].
وقال عن الجنة:
﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران:133]،
وفي حديث النهي عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة؛
عُلل ذلك بأن جهنم تسجر
{ أي: يوقد عليها إيقادًا بليغًا، شرح صحيح مسلم للنووي}

صحيح مسلم برقم



وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال:
"إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ {صحيح مسلم و البخاري }
وهذا دليل آخر على وجودها الآن.


2- أن في جهنم ألوانًا من العذاب، ففيها البرد الشديد والحر الشديد، قال تعالى: ﴿ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾ [ص: 57، 58]،
وقال تعالى:
﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﴾ [النبأ: 24، 25].
فالحميم الحار الذي قد انتهى حره، وأما الغساق: فهو البارد الذي لا يستطاع من برده،
ولا يواجه من نتنه، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا، لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا"
قال محققوه: حديث حسن لغيره.





3- شدة حر هذه النار، ولذلك أُذن لها بنفس الصيف والشتاء، قال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].
أكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة من الكبريت الأسود، توقد بها النار وفيها خمسة أشياء:
سرعة الاتقاد، نتن الرائحة، كثرة الدخان، شدة الالتصاق بالأبدان، قوة حرها إذا حَمِيت تفسير القرطبي رحمه الله





روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ:
"فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا"
صحيح البخاري و مسلم





قال القرطبي رحمه الله: "وبيان ذلك أنه لو جُمع حطب الدنيا فأوقد كله حتى صار نارًا،
لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءًا أشد من حر نار الدنيا، كما بينه في آخر الحديث قوله:
قالوا والله إن كانت كافية، أي نار الدنيا، فأجابهم النبي -
صلى الله عليه وسلم -
بأنها فُضلت عليها بتسعة وستين ضعفًا"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة


4- قدرة الله العظيمة، أن جعل في النّار من ألوان العذاب ما لا يصدقه إلا المؤمنون به،
العارفون عظيم قدرته، ففيها الحر الشديد، وكذلك البرد الشديد، وفيها الحيَّات، والعقارب، وأنواع الحشرات المؤذية
وردت بذلك أحاديث وآثار حسنها بعض أهل العلم. انظر:
السلسلة الصحيحة
والتخويف من النار لابن رجب الحنبلي رحمه الله





كما أن فيها شجرة الزقوم التي جعلها الله فتنة للظالمين، قال تعالى:

﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدخان: 43 - 46]،
وقال تعالى:
﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 64].
فهنيئًا لعبد عرف عظمة ربه فآمن به، وسلم له أمره، وقدَّره حق قدره.





5- أن على المؤمن أن يستعيذ بالله من النار، وأن يسعى لفكاك نفسه منها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم -
كثيرًا ما يستعيذ من النار ويأمر بذلك في الصلاة وغيرها، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري-
رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال لأصحابه:
"تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ"، قَالوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ {صحيح مسلم}



قال أنس- رضي الله عنه - كما في الصحيحين: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
صحيح البخاري برقم ، وصحيح مسلم



وروى مسلم في صحيحه من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ،
وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"
رواه مسلم



و الله تبارك وتعالى أعلى و أعلم


 

وردة البنسفج

مشرفة المجلس العام
طاقم الإدارة
المشاركات
9,817
الإعجابات
1,134
#2
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم ادخلنا الجنه من غير حساب ولا سابق عذاب
اللهم امين
 
المشاركات
210
الإعجابات
199
#3
اللهم آمين ياربنسال الله أن يبعد عنا حرها
بالدنيا و الىخرة فها نحن بالدنيا نجهز لها
المكيفات و كل وسائل التبريد و لم نحسب حساب الآخرة
و هي نار لظى نزاعة للشوى و مثلما جاء بالأثر
هذه التي نوقدها لا تمثل جزءا من سبعين منها
نسأل الله السلامة و النجاة من النار

.
.
 
أعلى