
أن تكون فلسطينيا مغتربا..
يعني أن تتضاعف غربتك ووحدتك ..
أن تكون فلسطينيا مغتربا.. يعني أن تجتث من جذورك و تبقى معلقا..
دون وطن.. دون حضن يحتويك و يرويك.. حين يعصف بك الحنين
أن تكون فلسطينيا مغتربا ..يعني أن تكون أنت و أسرتك وحيدا في مجتمع غريب..
يعني أن يكبر أولادك لا يعرفون جدا و لا عما.. خالة و لا جدة..
في الحرب الأخيرة على غزة كنت في غاية القلق على أهلي هناك..
فلا يخفى على أحد مدى العدوان الوحشي و الإرهابي الذي تعرضت له ..
في البداية عرفت أنهم تركوا المنزل ..
رغم أن كل مكان في غزة مستهدف ..لكن يبدو أنهم آثروا الانتقال الى مكان أكُثر أمن نسبيا
كنا نحاول الاطمئنان على الكل بالاتصال الهاتفي...
لكننا اكتشفنا .. أن كونك فلسطينيا مغتربا ..
فهذا يعني بالإضافة الى ما سبق.. أن لا يكون لك حق في سماع صوت من تحب وقت تشاء...
تخيلوا جلست أياما لا أسمع أخبارا عنهم ..إلا من بعييييد بعيد...
و الخوف و القلق يكادان يقتلاني في كل لحظة ...
و بعد أن كان الشوق لحضن أمي الغالية يحتل تفكيري...
تحولت الى التفكير بـ ..هل سآراها مرة أخرى ..
هل سأسمع صوتها ..ماذا سيحدث..
هل سيرى أبي حفيدته التي لم يعرفها...
و تبدأ الوساوس و الأفكار السوداوية بالسيطرة على عقلي ووجداني
فلا أجد سوى الدموع أمامي أبكي.. و أبكي.. و أبكي في غربتي
فبالإضافة لهموم الغربة المعتادة هناك أمور أقوى و أكبر...
كنا نشاهد الأخبار و ابنتي الصغيرة جدا تلتقط أحيانا
و بدون قصد منا بعض الصور البشعة ..لما يحدث هناك من مجازر
و تنظر بعينين مدهوشتين ..عينيها الصغيرتين
فعرفت جيدا أنه.. أن تكون فلسطينيا مغتربا
يعني أن تتضاعف عليك المسؤولية في الحفاظ على هويتك ..و تعليم أبنائك ما هي فلسطين.. و لمن هي ..
كانت الأحداث قد وقعت
في نهاية عام 2008 - بداية العام 2009
و كان الناس في الدولة التي أعيش فيها تستعد لاحتفالات رأس السنة الجديدة
الأسواق تعج بالبشر.. و أماكن الترفيه مزدحمة
الناس لاهية.. سارحة.. في عالم آخر..
و على الرغم من أننا جميعا نعرف الحكم الشرعي لمثل هده الاحتفالات
لكنني وجدت ...
أنه عندما تكون فلسطينيا مغتربا يعني أن عليك و بجهد جهيد ...
أن تعلم الآخرين في كل مكان.. أن هناك أمرا ما.. أمرا عظيما يحدث في مكان ما
على سطح الكرة الأرضية.. يسمى فلسطين
في الوقت الذي يبحثون فيه هم عن المرح و المتعة..
كنت أرغب في الصراخ بعالي الصوت في كل الناس و العالم
أين ذهبت الإنسانية ...
أين الأحساسيس و المشاعر....
كل تلك المبادئ و المعاني ..كانت أقرب الى الموت المهين ..من أي شيء آخر
و اكتشفت أنه.. أن تكون فلسطينيا مغتربا..
يعني أن تبتلع القهر دون أن يدري عنك أحد..
و يعيش فيك الحزن و القلق دون أن تشتكي ..
فلا يوجد من يسمع أصلا...
جميع المغتربون يشتاقون لأهلهم من العطلة الصيفية الى الأخرى من كل عام..
و يشعرون بالحزن لأنهم يعتبرون أن العام فترة زمنية كبيرة لفراق الأهل و الأحباب.. و هي كذلك فعلا..
لكنك إن كنت فلسطينيا مغتربا...
فيمكنك أن تفارق أهلك ثلاث أو خمس أو تسع سنوات متواصلة دون رؤيتهم..
و عليك تقبل الأمر و اعتباره عاديا جدا...
فالغربة تفرض عليك الابتعاد عن أهلك و أصدقاءك و محيطك
و الهوية تفرض عليك أحيانا التخلي عن حياتك...
أخيرا وجدت في هذه الغربة
أناس يتسألون عن فلسطين
بعضهم يرى ان إسرائيل تدافع عن نفسها
بعضهم يظن أنها منطقة تحتاج الى الغذاء والدواء
كأنها مثلا منطقة مجاعة أو كوارث طبيعية
لا يعرفون أنها بلد قضية منذ 60 عاما و أكثر
فوجدت أنهعندما تكون فلسطينيا مغتربا
فهذا يعني أنك تمثل فلسطين في الخارج للعالم أجمع...
و عليك أن تعكس صورة مشرقة لأرض الرباط ...
أرض الحضارات
فعليك أن تكون المسلم المتحضر المثقف الواعي
و تكذب بالفعل لا بالكلام
ما تحاول إسرائيل دسه في العقول للجميع
أن تكون فلسطينيا مغتربا
أمر صعب للغاية و طريقه شائك
لكنه يستحق المجادلة و المثابرة
فلكم الله يا أهل فلسطين الحبيبة
تعليق